مؤلف هذا الكتاب الصحفي العراقي/ هادي حسن حمودي/ صادر عن دار رياض الرئيس لندن الطبعة الاولى اغسطس عام 1993م، وقد قسمت فصول الدراسة الى:1- تقديم: هذا البحث.. والكتابات السياسية العربية. 2- الباب الاول: توطئة في علم السياسية.3- الباب الثاني: الفكر السياسي العماني الهيكل والتكوين الداخلي.4- الباب الثالث: نظرية النهظة المستمرة.5- ملف الشواهد القسم الاول: السياسة الداخلية.6- ملف الشواهد القسم الثاني: العلاقات والمواقف الخارجية.يقدم هذا المرجع محاولة تحليلية في قراءة الفكر السياسي العماني كتجربة متميزة في المنطقة العربية تطورت من خلال شروطها الذاتية والموضوعية والتي اعطتها التفرد في صياغة رؤية لحاضر هذا البلد وارساء العوامل الهادفة للنمو في المستقبل، ونحن نقف امام بعض الاستنتاجات والافكار التي جاءت في هذا الكتاب لمحاولة التعرف على جانب من الفكر السياسي في الجزيرة العربية، والاقتراب من المفهوم العلمي لمضمون هذه التجربة.حول العلاقة بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية في المجتمع واثرهما على خلق وعي عند المواطن في التجربة التي تقودها بلاده يقول المؤلف» : أكد العديد من المفكرين ان التنمية السياسية للمواطنين هي اساس وظائف الحكومة وقد تسبق مستوى التنمية الاقتصادية او على الاقل تواكبها، لان تنمية اقتصادية تخلو من اقتناع واع بالشرعية السياسية للسلطة هي تنمية عرجاء لن تؤدي الغرض منها ابداً».هذه الكلمات تقدم صورة ورؤية عن التدرج في العمل السياسي والذي يتلازم مع التقدم الاقتصادية في المجتمع والتنمية السياسية تقوم على الخاطب السياسي بينما التنمية الاقتصادية تقوم على تحريك مقدرة العمل في المجتمع، وذلك طريق عرفته سلطنة عمان منذ بداية نهضتها عام 1970م حيث تواكب السياسي الى جانب الاقتصادي في قيادة البلاد ولم تقع هذ التجربة في مأزق الانقسام بين الخطاب والعمل، وهذا الفعل يدل على ان اسس هذه التجربة قامت على ادراك تام ومعرفة بينة بالخصائص المادية والمعنوية لللمجتمع العماني.التنظير السياسي العمانيوفي هذا الجانب يطرح الكاتب وجهة نظرة قائلاً: «ان التنظير السياسي العماني يختلف الى حد ما عن التنظير السياسي في اروقة المنظرين السياسيين، من حيث ان التنظير العماني ليس كلاماً نظرياً او ترفياً، بل هو محصلة (الممارسة) العملية للاداة السياسي، متزاوجاً مع الوعي السياسي الذي (يقود) تلك العملية انطلاقاً من ثابت مقدس، وصولاً الى متغير مقدس.. ولهذا فان النظرية السياسية العمانية، تكتسب صفة العملية بشكل مستمر ومتصاعد.وهذه ميزة يفتقدها منظرو السياسة المكتبيون الذين لم يمارسوا تجربة الاداء السياسي، فلم يستطيعوا ان ينقلوا نظرياتهم عن مستوى التنظير المجرد الى مستوى علم السياسة.كما ان ثمة فرقاً اخر يتمثل في ان النظرية السياسية العمانية لا يضعها منظر سياسي، ولكن يضعها قائد سياسي بمعنى ان النظرية ستتجاوز واقعها النظري المجرد، الى مستوى اخر، هو مستوى الفكر السياسي، الشامل لكل جزئيات النظرية السياسية وعلم السياسة، وايضاً استشراف آفاق المستقبل واحتمالاته المتعددة اعتماداً على معطيات الماضي والحاضر، وانطلاقاً من مركزية الثابت المقدس، في الدائرة السياسية المتضمنة جميع اوجه النشاط للمجتمع السياسي الذي وضحنا مفهومه سابقاً ».توضح كلمات الكاتب هذا الاتجاه من الفكر السياسي العماني، فهو بعيد عن تنظير الغرف المغلقة والتي لا يتجاوز فيها منظور الفكر حدود الجدران التي تفصلها عن الجانب الاخر من الحياة والناس، بقدر ما تقوم اساسيات هذا الفكر على محصلة عملية وهي الممارسة للعمل السياسي ومتجاوراً مع الوعي الذي يقود هذه التجربة من أسس ثابتة نحو متغيرات تصبح من دعائم بناء المجتمع العماني، ولذلك نجد نظرية السياسة العمانية تتزايد فيها نسبة التراكم المعرفي والذي يفرز في كل مرحلة الادراك الموضوعي لتقدم هذا الفكر في مجال عمله.كذلك ندرك من خلال قراءة الفكر السياسي العماني بان هذه التجربة ونظريتها السياسية لا تنطلق من تصورات منظر سياسي، بل هي من عمل قائد سياسي وهنا يحدث الانتقال لفكرة من حالة التصور الذهني لها الى واقع العمل وربطها بالتجربة وعندها تصل الى درجة من درجات الوعي وتحدد المساحة التي تقف عليها من الادراك والتفكير وتصبح وسيلة عمل في الفكر السياسي، وهذا الفكر يتجسد في آلية العمل القائمة على تجديد بنية المجتمع واستشراف آفاق البعد المستقبلي وماله من تصورات متعددة والعمل السياسي في هذا المضمار يتطلب قيادة سياسية على مكانة عالية من المقدرة في الجمع بين الرؤية والتنفيذ وذلك ما تجسد بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم.دور المواطنينفي هذا الجانب يوضح المؤلف بان الفكر السياسي العماني يضع الانسان بواجباته وماله من حقوق في دائرة الثابت المقدس نفسه وهذه هي الاسباب:أ- ان العقيدة الاسلامية التي هي جوهر ذلك الفكر ونسغه الذي يمنحه دفء الحياة انما هدفت الى تحقيق سعادة الانسان، وتوفير شروط العيش الهنيء، والحياة الكريمة له، تلازماً مع ادائه لواجباته تجاه نفسه ومجتمعه ووطنه تحقيقاً لارادة خالقه.. وهذا ما فهمه العمانيون، بكل جلاء ووضوح من آيات القرآن الكريم، والارث الحضاري للامة الاسلامية.ب- الطبيعة الانسانية للفكر السياسي العماني اذ يعتبر ان الانسان هو وسيلة التنمية وغايتها في ان واحد، وان كل التشريعات يجب ان تهدف الى خدمة الانسان وصون انسانيته وحقوقه في عالم من السلام والاطمئنان والسعادة.ج- كون الفكر السياسي العماني واقعياً يعيش ضمن اطار التاريخ الحضاري لعمان وللبلاد العربية و الاسلامية،، وما دام ضمن اطار التاريخ فلابد له ان يرتبط بالانسان وتطلعاته نحو غد افضل.د- تفاعل الانسان العماني مع سلطته السياسية العليا، واندماجه في خططها ومشاريعها النهضوية مما يكسبه وزناً خاصاً لابد ان تراعية النظرية السياسية، كما تهتم به مؤسسات السلطة السياسية، وما تلك المؤسسات، في حد ذاتها الا منظمومة من المواطنين ذوي المسؤولية المقننة.. وعلى هذا فان الفكر السياسي العماني وفي اطار هذا الاسباب لا يفصل بين الحقوق والواجبات، بل هو يجعل من الواجبات القائمة على المواطن جزءاً من حقوقه على السلطة السياسية، وبمعنى اوضح يضع على كيان السلطة السياسية المسؤولية في توفير الاجواء المناسبة والايجابية لتطوير دور المواطن ودفعه ومساعدته على تقديم المزيد من البذل والعطاء عن طريق التطور المستمر للاداء السياسي نفسه.وفي هذا الاطار يوضح الكاتب بان اهل التنظير السياسي لا يملكوا غير الاعتراف بان قضية دمج الحقوق والواجبات مع بعضها البعض وتطوير مفهوم الواجبات لتصبح جزءاً من تلك الحقوق، يعد خطوة متقدمة جداً في حقل التنظير السياسي وفي علم السياسة ذاته، وخطوة متطورة مثل هذه لا توجد في النظم السياسية القائمة على الفصل بين السلطة السياسية والمجتمع السياسي، او بين الحكومة والمواطنين بقدر ماهي وجه ايجابي من اوجه النظام السياسي المعتمد على التوحد مع المجتمع السياسي والمنبثق منه وهو يطرح علينا صورة حية من صور الانظمة السياسية المنبثقة من المواطنين ومن هذا المنطلق لا نجد في نظرية الفكر السياسي العماني اي فصل بين الحقوق والواجبات مع تواجد المصطلحين جنباً الى جنب وهذا الوجود الاصطلاحي كما يشير المؤلف، ليس مركزياً في النظرية بقدر ماهو توضيحي لتركيب الفكر السياسي ذاته ذلك التركيب الذي بدأ من محورين.الاول:الدعوة الى التعاون بين الحكومة والشعب.الثاني: اعتبار الشعب والحكومة كياناً واحداً.علاقة نظرية النهضة بالفكر السياسي العمانيفي هذا الفصل الاول من الباب الثالث يقول/ هادي حسن حمودي:« ان نظرية النهضة العمانية هي احدث النظريات العلمية العربية لتغيير الواقع في العالم العربي والعالم الثالث ذي المواصفات الاجتماعي المشابهة.ونحن نصف هذه النظرية بـ (الأحدث) لانها تتطور في اساليب تنفيذها مع العملية النهضوية ومع نمو خبرة الشعب العماني ولانها خاتمة مطاف القرن العشرين في الدول العربية ونصفها بـ (العلمية) لانها حصيلة التحليل العلمي الواعي للاتجاهات الفعلية للتطور الاجتماعي ولحالة الوعي الاجتماعي، داخلياً وفهم طبيعة العلاقات الدولية خارجياً وهي تستجلي الحالة المعاصرة لطبيعة التطور البشري، كما يمكن ان تطبق بنجاح في الظروف المشابهة.ومبادىء النظرية قد صاغتها عمان ثم نقلتها الى الفكر السياسي بعد ان اخضعتها للتجربة الواقعية وهذه المبادىء نتيجة لتحليل العلاقات الاجتماعية المحلية وتوافق فئات المجتمع السياسي في ظروف كانت البلاد تبتدىء عصرها الجديد حين كانت دول اخرى في المنطقة قد اكملت بناءاتها الاساسية واختياراتها التنموية وبدأت تتكون فيها مقدمات ومؤشرات على طبيعة الخلل والصواب في الاداء وكان ذلك نافعاً جداً في الصيرورة النهائية للنظرية العمانية.ان تحول البلاد من سياسة الباب المغلق الى سياسة نهضوية عامة والقيام بالعمليات الاجتماعية السياسية الناشئة عنه» يرى المؤلف أن نظرية النهضة في عمان هي إنتاج وخبرة أجيال عديدة من النزاهة والاخلاص والعمل من أجل عمان ، وكذلك هي محصلة الجهود الابداعية للسلطان قابوس نفسه ، ولايغفل مكانة التراث العماني بما فيه من علماء وكتب وأيام مشهودة في ذلك التاريخ والمآثر في الذات العمانية ، لقد أنبثقت النظرية السياسية بفعل عدة عوامل على المستوى الداخلي والاحداث الخارجية ، وهي الاسباب قدمت للفكر السياسي العماني خدمة جليلة إذ أكسبته صيغته العلمية والعملية وصقله ليتعرف على طريق المستقبل ، ومنحه بعده الاجتماعي .ومن هنا اصبح هذا الفكر بوصلة أمينة في أيادي العمانيين أنفسهم ، ويشرح الكاتب .. بأن الفكر السياسي العماني يتميز بالتنوع الفائق في المضمون وكذلك التطبيق كتأسيس ، ومن أعظم أفضال الفكر السياسي العماني أنه قد ربط التطور العمراني بكل فروع التطور الاقتصادي والاجتماعي بالانسان والعمل على تحقيق سعادة المجتمع من خلال توفير الأمن والغذاء والصحة والسكن والتعليم لجعل إنسان هذا المجتمع هو أداة النهضة والغاية الأهم ، وبما يمكن اعتباره تغييراً جذرياً في كل مناحي حياة المجتمع مع الحفاظ القوي على الثابت المقدس نفسه ، والفكر السياسي العماني يرى تحقيق النهضة لا يكون الاّ على أيدي الناس أنفسهم ، وأن الأسس المادية للنظام السياسي والظروف الموضوعية للنهضة التي تتكون ممارسته هذه الأسس بواسطتها في أنظمة وعلاقات جديدة لايمكن أن تتهيأ إلاّ بالسير الموضوعي للتطور الاجتماعي نفسه .منهج تحقيق النظرية في هذا الفصل يتحدث الكاتب حيث يقول : ( لابد لنا ونحن نحلل الفكر السياسي العماني بنظرياته ، وأدائه العملي وخبرته المتنامية ، نتيجة مارسته لوظائف الحكم ، من أن نتناول مسألة منهج تحقيق النهضة الذي أخذ به مؤسس الفكر السياسي العماني ، فإن النظرية والمنهج في خطبه وتصريحاته ، وطريقة إدارته للحكم تترابط فيما بينها بوثوق الى درجة يصعب معها على المرء أن يدرك ( سر) نجاح حله لهذه المسألة النظرية او تلك مثل : النهضة المستمرة وحتمية نجاح المسيرة وتحقيق أهدافها، وعلاقة البلاد مع دول العالم الاخرى ، وكيفية إنهاء أزمات المنطقة .. إلخ.ونعتقد أن هذه الصعوبة يمكن أن تزول في حالة الانتباه الى المنهج الذي استخدمه مؤسس ذلك الفكر ومطبقه في الوصول الى تلك الحلول . أن الفكر السياسي العماني ينطوي على عبر ودروس ليس فقط للباحث النظري بل وكذلك للممارس التطبيقي الذي يحتاج الى التفكير بماهية القرار الذي يتخذه وبكيفية تناول المسألة المطروحة علي بساط البحث .يتناول الفكر السياسي العماني تحليل العملية النهضوية من المواقع (القيمية) بروح المفهوم الاخلاقي للتاريخ ، ويعني ذلك بالدرجة الاولى أنه يعتبر النهضة ناتجاً للتطور التاريخي.إن الفكر السياسي العماني المنبثق من قلب المجتمع الهادف الى تطويره ودفعه نحو التنمية ووضعه في مقدمة المجتمعات المتحضرة والمتطورة ، ينظر الى علاقة المواطن بالنظرية علاقة واقعية بعيدة عن (الدارماتيكية)وبسبب هذا الاتجاه في الفكر السياسي العماني أصبح في إمكان المواطن - وهذا جوهر المسألة- إمتلاك المقدمات الضرورية ، بنتيجة المكانة التي يشغلها في حيز الحركة الاجتماعية . ولكي يحقق غاية ( الثابت المقدس) في الحياة الحرة الكريمة له كمواطن ولكل ابناء الشعب ، ومن هذا المنطلق نجد النهضة العمانية ، نهضة شعبية عامة ، وهي نهضة اجتماعية ، أي بمعنى أنها تحمل البعد الاجتماعي الساعي الى رقي المجتمع .لقد قدم لنا هذا الكتاب قراءة تحليلية للفكر السياسي العماني والذي اصبح بعد طول الممارسة العملية مدرسة في السياسة العربية لها خصائصها وتميزها وسماتها وفكرها المتواكب مع التقدم المعرفي الذي يجري في العالم .ومن حصاد هذا الفكر حالة الاستقرار التي تنعم بها سلطة عمان في قيادتها الرشيدة وراعيها صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم .هذه الخاصية العمانية يقول الباحث هادي حسن حمودي عنها:( إن سلطنة عمان ونتيجة للفكر السياسي الذي يقودها هي دولة مستقرة ، ولا نغالي إذا قلنا أنها أكثر استقراراً من سائر الدول في المنطقة ).
|
آراء
الفكر السياسي العماني من الثوابت إلى المتغيرات
أخبار متعلقة