من أعلام الأدب العربي
إعداد / ميسون عدنان الصادق جرجي زيدان اصبح قصة من قصص العرب ومن تاريخهم ومن ثقافتهم وحضارتهم وقصة من قصص الكفاح وتكوين الذات والخروج بها من البؤس الظرفي الاجتماعي إلى الفضاء الاوسع : الابداع كضوء قمري ينير طريقاً يصلح لتمشي فيه أمه بكاملها ولاتبعد كثيراً عن الماضي أي لاتدعو إلى الابتعاد عن الماضي والتاريخ والتراث والذات والتمالي بالآخر بل تدعو إلى أخذ ( النافع ) وهو ( خير معلم ) بحسب جرجي زيدان أم من الغرب الذي بدأ يتلمس طريقه العلمي الحر .. ولم يكن ذلك ليتحقق بحسب زيدان لولا انه يستفيد من العلم والمعرفة اللذين اسهم العرب بها.جرجي زيدان ( 1861-1914) من بيروت عاملاً في مطعم إلى القاهرة طالباً صحافياً فناشراً فأديباً ومؤرخاً ومفكراً له اسهامات في الرواية والموسيقى والأدب والنقد والتاريخ والعمارة والتمدن والأهم في الحوار بما هو قضية وأدب .جرجي زيدان هو أحد الرجال المفكرين الرواد الذين اسهموا في اشاعة الاستنارة العقلية وقدم عطاءات كبيرة في مجال الصحافة والأدب والتمدن والعمران ، وقد أمن بتواصل الحضارات عبر الحوار بعيداً عن التعصب أو الصدام.كان لجرجي زيدان باع في القصص الاسلامي وتاريخ الحضارة الاسلامية فوضع 23مؤلفاً وارتبط اسمه بتأسيس مؤسسة صحافية تعد أكبر دار من نوعها في مصر والعالم العربي إذ اصدرت المجلات المصورة والملونة وهي ( دار الهلال ) وغير ذلك الكثير والكثير فاسم جرجي زيدان كبير على الرغم من انه رجل لم يناهز عمره 53عاماً.ولد جرجي زيدان في ديسمبر 1861م من اسرة لبنانية بسيطة الحال مسيحية تنتمي إلى الطائفة الارثوذكسية . وكان والده يعمل في أحد المطاعم الأمر الذي اضطر جرجي إلى مغادرة مقعد الدراسة لفترة كي يساعد والده في مطعمه الصغير وفي هذا المكان الذي ارتاده الجائع ومن على سفر أولقاء شاهد الفتى نخبة من الأدباء الذين كانوا يتحدثون ويتجادلون حول الأدب والثقافة والسياسة هكذا أوصلت إلى مسامعه شذرات من العبارات التي تثير مداركه وتنمي في داخله الذي تمناه يوماً أن يصبح قريباً من ابراهيم اليازجي وعبدالله البستاني وغيرهما وان تطاوعه الثقافة واللغة يتحدث كما يتحدثون وتجري اللغة الاجنبية على لسانه مثلهم وبدأ الطموح يتسرب إلى قلبه الصغير وعلى الرغم من انه ترك العمل في المطعم ليعمل في صناعة الأحذية فعاد والتحق بمدرسة ليلية في بيروت وراح يرتاد المنتديات وينظم إلى جمعيات ادبية مثل ( جمعية شمس الدين الادبية ) وانتظم في دراسة اللغة الانجليزية فأبدى تقدماً في كل هذه المجالات .وما إن بلغ التاسعة عشرة حتى تأهل للالتحاق بالكلية السورية في بيروت ( الجامعة الاميركية ) لدراسة الطب ولم تمر سنة واحدة في الكلية حتى شهدت ازمة حادة نتيجة صراع بين المحافظين والليبراليين حول تدريس نظرية ( النشوء والارتقاء ) لتشارلز داروين ووصل الأمر إلى فصل بعض الاساتذة من الاجانب واثر هذه الازمة 1883غادر بيروت إلى القاهرة تطلعاً إلى دراسة الطب في قصر العين لكنه لم يستمر في الكلية إذ وجد نفسه أقرب إلى الصحافة والثقافة فقد أقام في حين الفجالة الذي كان انذاك مقراً لاقامة ابناء الشام الذين اسسوا معظم الصحف الصادرة في مصر والذين اقترب جرجي منهم واتجه إلى عالم الصحافة وحصل على فرصة في جريدة (الزمان) وبدأ اسمه يتردد واكتسب خبرة في التخطيط والادارة والتحرير والكتابة مما جعله يقف على عتبة جديدة من عتبات الفكر والحياة .وبعد عاماً عمل مترجما(ولزلي) لانقاذ جوردون في الخرطوم بعدها عاد إلى بيروت (1885) لدراسة آداب الأمم ومعارفها خصوصاً العبرية والسريانية فكان حصيلة الجهد المعرفي أن ألف كتاب في اللغة وعلومها بعنوان (الألفاظ العربية والفلسفة اللغوية) (1886) وفي صيف العام نفسه سافر إلى لندن وهناك عكف على القراءة في قاعة القراءة في المتحف البريطاني ليعود إلى القاهرة جاعلاً من مصر وطنه الدائم.[c1]من أعماله:[/c]من الصعب العثور على بيان دقيق الروايات كلها التي كتبها جرجي زيدان فالرجل كان غزير الانتاج متعدد الاهتمامات وله اعمال تغطي الكثير من نواحي الابداع واصدر على سبيل المثال ثلاثمائة مجلة من مجلة (الهلال) و(32) رواية في التاريخ الاسلامي و(19) مجلداً في الأدب والتاريخ والعلوم وصدرت هذه الأعمال في فترة من 1892 إلى 1914 وفي أكثر من مطبعة وكانت تنفذ فور صدورها كما ترجمت إلى أكثر من لغة.[c1]من رواياته:[/c]فتاة غسان وارمانوسة المصرية وعذراء قريش ورمضان واحداثه وغادة كربلاء والحجاج بن يوسف وفتح الاندلس وشارل وعبدالرحمن وأبو مسلم الخرساني والعباسة أخت الرشيد والأمين والمأمون وعروس فرغانة وأحمد بن طولون وعبدالرحمن الناصر وفتاة القيروان وصلاح الدين وشجرة الدر واستبداد المماليك جهاد المحبين وأسير المعتمدي والمملوك الشارد والانقلاب العثماني.[c1]ومن مجلداته:[/c]التمدن الاسلامي (5 أجزاء) العرب قبل الاسلام وعلم الفراسة الجديد ومشاهير الشرق وتاريخ آداب اللغة العربية وانساب العرب القدماء ومشاهير الشرق وطبقات الأمم وعجائب الخلق.عرضت الجامعة المصرية في عام 1910م وكانت مازالت حديثة العهد على جرجي زيدان مقعد مدرس مادة التاريخ الاسلامي وما إن قبل العرض مع تفكير متردد متأن حتى فوجئ بتراجع الادارة.فأثر ذلك في نفسيته وشعر بالمرارة التي ألقت بظلالها على السنين الأربع اللاحقة من حياته القصيرة واشتد الحنين إلى مسقط الرأس بيروت مع شعوره بأنه لم يصبح فرداً مقبولاً في المجتمع الذي اختار العيش والعطاء فيه.وكما يسقط الجندي في المعركة وسقط جرجي زيدان فوق اوراقه وهو يكتب أخر كلماته في المجلد الثاني والعشرين من مجلة (الهلال) التي مازالت علامة فارقة في الصحافة المسؤولة كان ذلك مساء 21يوليو (تموز) من عام 1914م" مات جرجي زيدان وموته عظيم كحياته وجليل كأعماله" بهذه الكلمات نعاه جبران خليل جبران.