أبوبكر أحمد باقادر:تشهد الساحة الأكاديمية، على مدار العقود الثلاثة الماضية ، توسعاً متنامياً في حقل دراسات اثار وإسهامات الحضارمة في منطقة المحيط الهندي وعلى وجه الخصوص الارخبيل المالاوي في جنوب شرق آسيا وجنوب الهند وسواحله ومنطقة شرق افريقيا كما سنوصي في هذه الدراسة الموجزة التعريفية فان هذه الدراسات ركزت على بعض القضايا بعضها نظري وبقصد اختيار بعض النظريات واقامة مقارنات بين الحضارمة وسواهم والاخرى عن الثقافة والمجتمع الحضرمي.وعندما قمت بترجمة رواية " يموتون غرباء" للروائي اليمني محمد عبدالوالي " الانجليزية" شعرت بان الرواية تقدم صورة مأساوية سواء عن الهجرات اليمنية وبلذات في الحبشة لكن ما ان " توسعت" في الاطلاع على قصص الهجرات الحضرمية الى آفاق واسعة حتى أيقنا ان عبدالولي كان سوداوياً حتى بواقعيته وحرصه على بقاء اهل اليمن في اليمن فالوجهة الأولى للهجرات الحضرمية اليمنية في سياق المحيط الهندسة كانت عبارة عن ملحمة اندماج وتكيف ويظهر ان ظاهرة الهجرة من اليمن إجمالا الى العالم ظاهرة تاريخية متأهلة في التاريخ وكانت مجالاتها وعوالمها عديدة بعضها اقام ماعرف بمدن القوافل داخلي إطار الجزيرة العربية ليقوم بإيلاف الشتاء والصيف الذي صدمت فيه قريش لكن كان لهذه التجارة سابق تاريخي شكل جزءاً مهماً من تاريخ اليمن وقامت عليه صلتها السياسية ( مع فارس والحبشة غيرها) وشكلت ارثها الديني ( الوثني واليهودي والنصراني وبعدها الإسلامي ) وتاريخ الهجرات " السامية" " معروف ، ومشاركة اليمنيين في الفتوحات الاسلامية معروفة واسهام اليمن في اللغة والكتابة والاداب والعمارة والوان عديدة من الثقافة العربية المسلمة معروف غير منكر لكن مانشير له هنا هي الهجرات من اجل العمل وطلب الرزق منذ بدابة القرن الثامن عشر الى عصرنا الحالي.من الواضح ان أرض حضرموت أرض صحراوية بها بعض الأدوية والواحات القليلة الماء والشجر ولكن بها مستوطنات بشرية منذ فترات تاريخية قديمة ومن ثم فان القاعدة الايكولوجية التي تقول عند زيادة السكان مع شح الموارد الطبيعية لامفر فيها من المجاعات او الحروب او الهجرة ويظهر ان البديل الأخير كان بديلاً استراتيجياً لاعداد المغادرة والهجرة،وفي الواني يجدون من يساهم في " ترحيلهم" احياناً كثيرة محددين لهم الوجهة ياولد ان بغيت الناموس عليك بالهند وان بغيت الفلوس عليك بجاواة وان بغيت العملة عليك بالحجاز وكان البعض يشجع على الاستقرار في سواحل البحر الأحمر وبالذات في الحبشة وكينيا وزنجبار وغيرها في ظل حكومات عربية أقامها البوسعيد ولاتزال أعداد المهاجرين غير معروفة بشكل دقيق لكنها تتجاوز المليون ولم تكن تلك الهجرات اكراهية- كما اوضحنا وانما كانت تطلعاً لمستقبل وظروف اقتصادية افضل وكانت بالتالى الوجه المستهدفه اماكن العمل في الحواخر والعواصم التي تستقيهم في كافة سواحل المحيط الهندي ولقد اصبحت كميات الهجرة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر في اوجها بسبب التطور الذي لحق المواصلات البحرية بسبب الامتداد الاستعماري الذي صاحب هذه الهجرة وربما بدون قصد سهل من انتشار التجار الحضارمة وتوسع انتشار الاسلام معهم بالذات في أرخبيل المالاوي.ولقد تنوعت اعمال المهاجرين الحضارمة بحسب الأماكن او الأقطار التي قصدوها انخرطت إعداد كبيرة منهم ممن توجهوا الى الهند للعمل كجنود مرتزقة عند الراجالات والسلاطين المسلمين في المحافظات الهندية وبالذات كان لهم وجود كبير مميز في ولاية حيدر اباد فيما عرف بالنظام حيث عملوا كشرطة خاصة وبسب انتشار الاسلام والمذهب الشافعي على أيديهم فان العديد من الحضارمة من السادة العلويين صاهروا هؤلاء الأمراء السلاطين مما مكنهم تبوأ مناصب رفيعة ومن ثم لعبوا ادواراً سياسية وثقافية غاية في الأهمية كذلك كانت لهم ادوار مهمة في حماية الحكم والوجود الإسلامي في شبة القارة ولقد قاموا مع أخوتهم من المسلمين الهنود من التوسع الاستعماري البريطاني ويرصد عمر الخالدي عشرات المفكرين والحكماء والسياسيين من السادة العلويين من الحضارمة الذين لعبوا ادواراً سياسية وفكرية بارزة في حياتها الجالية المسلمة في الهند حتى يومنا هذا موضحاً كيف ان سهاماتهم الفكرية كانت في كافة المجالات الفكرية والسياسية.اما من هاجروا إلى الأرخبيل المالاوي او الى شرق وقرن افريقيا فانهم انخرطوا في التجارة وبالذات التجارة الدولية وقد تمكن عدد كبير منهم من ان يصبحوا من كبار اصحاب رؤوس الاموال بل اننا نجد ان بعضهم مثل أسرة " الكاف" كانت تدير اكبر اسطول للنقل البحري وذات اهمية كبرى في التجارة الدولية في القرن التاسع عشر في المحيط الهندي بل في العالم ولقد تمكن الحضارمة من المساهمة في التوسع تجارياً واقتصادياً حتى تمكن العديد منهم من لعب ادوار أساسية في السياسة المحلية ولايزال عدد منهم وزراء ورؤساء ادارة وجامعات وغير ذلك في هذه البلدان مثل اندونيسيا ماليزيا وبرواني.اما من هاجروا الى افريقيا فلقد تمكنوا في ظل بعض الحكومات العربية ( الاباظية) وكذلك بالتعاون مع السلطات الافريقية ان يزالوا التجارة وينجحوا فيها نجاحاً باهراً خول عددمنهم لعب ادوار سياسية واجتماعية بارزة في هذه المناطق، لايزال بعضها واضحاً ومؤثراً الى يومنا هذا سواء في التجارة او السياسية او الفكري الأكاديمي فهناك مفكرون من امثل عبدالله بوجر وعلى مزورو عي وباوزير وغيرهم..من هاجروا الى الحجاز وبقية البلدان العربية وبالذات مصر ، فانهم انشغلوا في بعض الاعمال الخدمية المتواضعة لكن اعداد كبيرة انخرطت في سلك التعليم وكان منهم عدد لاباس به من علماء الحرم الشريف كما يتضح ذلك في نشر النور والزهر ولقد كان معظم هؤلاء العلماء من السادة العلويين الذين وثقوا من برز فهم في مجالات العلم ولكن بشكل لايخلو من تعظيم كما هو واضح في العديد من كتب التاريخ التي دونها ولقد ارتبط معظم علماء الحضارمة في الحجاز ومصر بالجاليات في شرق آسيا وشرق افريقيا وشكلوا شبكات معرفية فكرية غاية في الاهمية والتأثير وهو لاتزال تحتاج الى مزيد من الدراسات والبحث العلمي.ولقد اثر الحضارمة كثيراُ في المهاجر التي استقروا فيها، ولعل من ابرز تأيثرهم نشرهم الدين الاسلامي بالقدوة والمثال الصالح صحيح ان هناك جدل ونقاش " اكاديمي" ربما لن يتوقف حول من نشر الإسلام اولاً في الهند وفي جزر جاواة وماليزيا وفي سواحل افريقيا هناك من يقولون بان دخول وانتشار الاسلام صاحب هجرات الحضارمة وما انتشار المذهب الشافعي في المناطق التي حل واستوطن فيها الحضارمة سوى دليل على ذلك لكن هناك من لهم اراء اخرى.واجمالاً يظهر ان الحضارمة يملكون ثقافة تميل الى الاندماج في المجتمعات التي يهاجرون اليها بل وربما اصبحوا جزء لايتجزا منها لذا اعتبرهم الافارقة منهم وهيم يطلقون عليهم " ابن الخالة" لعادة الحضارمة بدواعي دينية وللاستقرار بامان وضمان احترام وتجاوب الاهالي بمصاهرتهم والزواج منهم والتعايش دون تمييز بينهم كما لوكانوا منهم وهم يعدون من سكان البلاد الاصليين " بومبوترى" عند المالاويين ومن ثم لايعدون اغراباً ومن خارج البلاد. وفي العديد من مستوطنات الهجرة الحضرمية في شرق آسيا اوشبه القارة الهندية اوفي شرق افريقيا، تجدان الجالية العربية الحضرمية تحافظ على أنسابها وصلتها مع الوطن الأصلي حتى لوفقدت المقوم الأساسي للانتماء العربي " اللغة" اذ بالامكان دائماً ان تقابل اعداد كبيرة من الحضارمة في اندونسيا او الهند اسماءهم عربية والقابهم لاتخطىء فيها بل ودراية انباء هذه الجاليات بالكثير عن اصولهم وانسابهم لكنهم او على الاقل عدد لابأس به نسوا اللغة ولايتحدثون سوى باللغات المحلية التي يعيشون في كنفها!ورغم ان الحضارمة كانت تغلب على معظمهم " اسطورة العودة" الى البقاء في المهاجر لفترات حتى لو طالت لجمع المال الكافي تم العودة لكن طبيعتهم في الزواج والتفاعل مع البيئات الاجتماعية والثقافية التي عاشوا في كنفها جعل العديد منهم على الاقل في البدايات وبسبب الحماس والخوف من ضياع الهوية كانوا يرسلون ابناءهم لشهور واحياناً لسنوات يقضوها في الوطن الام " حضرموت" وكان هؤلاء الابناء لايطيقون الحياة في الوطن بسبب بساطة ومحافظة الحياة المادية والثقافية لكنهم مع ذلك كانوا مجبرين في الانخراط في مدارس او في ان يعيشوا لفترات في قراهم الاصلية.والعلاقة بين الحضارمة الذين يهاجروا خارج الوطن و" المولدين" ابناء المهاجرين من زوجات غير حضرميات علاقة شائكة معقدة وهي تتراوح بين القبول والشك فكما ان المولد عليه أن يتعلم اللغة والعادات والقيم والعقائد والاعراف الحضرمية الاصلية فانه اثر بادخال اشكال جديدة من التظيمات والمؤسسات الحديثة وكذلك الأفكار والاطروحات والتصورات التي تعودها في المهجر وكان من نتاج هذا التفاعل فعليات ونشاطات عديدة لاتزال تحتاج الى دراسة وبحث لعل من ابرز اثارها ماحدث من افكار سياسية وايديولوجيات في العهد الاشتراكي اوفي العديد من الاجهزة وصور الثقافة المادية الى حضرموت.ولايزال حضارمة المهاجر يبعثون باعداد تتناقص بعض انبائهم للتعلم في المدارس من اجل الحفاظ على ماتبقى من هوية وتمكن لذلك عدد كبير من هؤلاء المولدين ان يساهم في اطلاع المجتمع الحضرمي المعاصر على الكثير من المعطيات الحديثة ماكان المجتمع المحافظ ان يتقبلها او يقبل عليها دونهم!الدارس للوجود الحضرمي في العديد من الاقطار يلاحظ ان للحضارمة قدرة كبيرة في التعايش والعيش مع الاثنيات والاقوام والأديان الاخرى، فهم وان كانت لهم انديتهم ومراكزهم الا انهم لم ينكفؤا على ذاتهم بل على العكس من ذلك انفتحوا على الاخرين وتفاعلوا معهم مما خولهم لكسب مهارات وقدرات بالاضافة الى انهم من خلال علاقاتهم هذه تمكنوا من الانخراط في الحياة العامة ومن ثم لعبوا أدوار سياسية رئيسة خولت عدد منهم ان يكونوا من صناع القرار السياسي في الأماكن التي استقروا فيها.
|
ثقافة
بعض إسهامات الحضارمة في الثقافة العربية ( 2000-1700م).. (2-1)
أخبار متعلقة