د.شهاب غانم في عام 2002م نشرت كتاباً في مئتي صفحة بعنوان " علي محمد لقمان - نزيل عصيفره - ومختارات من شعره " وكان ذلك الكتاب اول مرجع ينشر عن الشاعر الذي نال تجاهلاً مخجلاً في حقبة الحكم الشمولي في جنوب اليمن . وسعدت كثيراً عندما بدأت الكتابة عن هذا الشاعر والصحفي والسياسي المهم تتوالى بعد ذلك ففي عام 2003م اصدر الصديق الصحفي الاديب نجمي عبدالمجيد كتابا بعنوان " علي محمد لقمان - شاعر الوتر المغمور " اضاء فيه بعض الجوانب المتعلقة بشعر علي لقمان ومواقفه السياسية ومن النصوص التي جاءت في الكتاب في صفحات 50-54 قصيدتــان مــن الشعر المنثور بعنـوان ( انفاس حائرة ) و( مشتاق ) وجدهما الباحث في صحيفة فتاة الجزيرة العدد 84بتاريخ 17/8/1941م والعدد 100 بتاريخ 14/12/1941م والقصيدتان شبيهتان بالشعر الذي كان لقمان يترجمه لبعض الرومانسيين الانجليز امثال بايرون ( وحسب علمي فهو قد نشر في تلك الفترة كتيباً من القصائد المترجمة لبيرون واعتقد ان الناشر كان مكتب النشر التابع للحكومة البريطانية الذي عمل فيه لقمان فترة اثناء الحرب العالمية الثانية وكانت تعمل معه الكاتبة المعروفة فراستارك .وفي عام 2004م صدرت دراسة قيمة للدكتور العراقي علي حداد بعنوان " رائد الرومانسية في اليمن علي محمد لقمان " ونشر الكتاب عن نفس الناشرين اعلاه ولكن ضمن منشورات صنعاء عاصمة الثقافة العربية . وقد ركز الدكتور القدير على الديوان الاول لعلي لقمان أي "الوتر المغمور" الذي غلبت عليه بشكل واضح الرومانسية ولا شك ان لقمان - وهو خالي و والد زوجتي - كان احد رواد الرومانسية في اليسمن مع شعراء آخرين منهم والدي د . محمد عبده غانم واستاذي في المدرسة لطفي امان والسيد احمد بن محمد الشامي وابراهيم الحضراني الخ .. والحقيقة ان لقمان بدأ كتابة الشعر الرومانسي في سن مبكرة ولكن مهما كان الامر فهو لم يسبق والدي الى ذلك بحكم انه ولد في اغسطس عام 1918 بينما ولد غانم في يناير عام 1912م كما ان والدي كان استاذه في المدرسة الثانوية بعد ان عاد من بيروت كأول خريج جامعي يمني بل اول خريج في الجزيرة العربية ( أي منطقة مجلس التعاون زائد اليمن ) صحيح ان ديوان الوتر المغمور للقمان نشر عام 1944م بينما ديوان غانم " علي الشاطى المسحور " والذي كان ايضا في جزء كبير منه رومانسيا نشر عام 1946م ولكن قصائد كثيرة من الديوانين كانت قد نشرت في الصحافة قبل ذلك بسنوات وخصوصاً صحيفة فتاة الجزيرة منذ عام 1940م ويمكن الرجوع الى مجلدات الصحيفة بهذا الخصوص وكان غانم قد نال الجائزة الاولى على قصيدته " ابنة الراقصة " وهي رومانسية اللغة - عام 1936م من جمعية العروة الوثقى في الجامعة الامريكية ببيروت . تلك المسابقة الشعرية شارك فيها شعراء مهمون امثال عبدالمنعم الرفاعي الذي صار فيما بعد رئيساً لوزراء الاردن وسعيد العيسى الذي كان مسؤولا كبيرا في القسم العربي باذاعة لندن ومحمود الحوت وغيرهم .. فكان مستوى القصيدة جيداً فلا بد ان غانماً قد كتب القصائد الرومانسية الجيدة منذ عام 1936م او قبل ذلك عندما كان علي لقمان ما زال طالب في المدرسة والحقيقة ان قضية الريادة ليست ذات اهمية كبيرة فغانم كان متأثراً بشعراء التيار الرومانسي في مصر ولبنان والمهجر الامريكي بحكم دراسته في بيروت وايضا يقراءات للشعر الرومانسي الانجليزي وكذلك علي محمد لقمان بحكم دراسته في القاهرة واطلاعه على الشعر الرومانسي الانجليزي وبتأثره باستاذ غانم وكانا يطلعان بعضهما البعض على قصائدهما خصوصا ان غانم اقترن باخت علي لقمان عام 1937م كما كان الشاعران يطلعا على المجلات والصحف العربية وكان والدي يقتنى اعداد مجلتي الرسالة والثقافة ويكتب في بعض الاعداد . وكما لاحظ د . علي حداد ومن قبله استاذنا الدكتور عبدالعزيز المقالح فان علي محمد لقمان كان من اكثر شعراء جيله تعاملا مع الاوزان والقوافي فنصف ديوان الوتر المغمور فقط من شعر الشطرين بينما النصوص الباقية متعددة القوافي مع المحافظة على الوزن الواحد في معظم الاحيان وتنويعها في بعض النصوص ولكن لقمان في ذلك الديوان ودواوينه العديدة الاخرى لم ينشر شعرا تفعيليا كما فعل الشاعر المسرحي اليمني المصري علي احمد باكثير في بعض ترجماته الشكسبير وكما ترسخ ذلك الشكل على ايدي امثال نازك الملائكة وبدر شاكر السياب في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي . والحقيقة ان ديوان علي الشاطئ المسحور لغانم ايضا كان شبيهان في التعامل مع الاوزان والقوافي بديوان " الوتر المغمور " والقصيدة الوحيدة التي فيها شيء من الانفلات الذي يقربها من الشكل التفعيلي قصيدة " انفجار " في ديوان غانم وهذه القصيدة كانت من قصائد غانم المفضلة لدى الشاعر لطفي امان الذي كان قد بدا التعامل مع الشكل التفعيلي في وقت مبكر بل يمكن ان نرى نماذج من ذلك الشكل ولو قليلة في ديوانه الاول " بقايا غانم " الذي نشر عام 1948م ولطفي من مواليد 1928م أي يصغر لقمان بعشر سنوات وكان في الخمسينيات يقدم قراءات من الشعر بصوته والقائه المتميز من اذاعة عدن واختار في احدى المرات اربع قصائد لوالدي احدهما " انفجار " واخبره والدي بواسطتي انه يقترح اختيار قصيدة اخرى من شعره المكتوب في الفترة الاخيرة ولكن لطفي اصر عليها لانها قريبة الى نفسه وبالمناسبة فان د . عبدالعزيز المقالح يرى كما كتب في مقدمة الاعمال الشعرية المجموعة للدكتور غانم - وهو رأي لابد ان د . حداد اطلع عليه : " انه ( أي غانما ) - بدون شك مؤسس المدرسة الرومانسية في شعر اليمن المعاصر اذا لم يكن في كل اليمن ففي جنوبه على الاقل .. " والحقيقة ان غانما بعد ديوانه الاول ابتعد عن الشعر الرومانسي التهويمي واتجه نحو شعر ارقى فيه نفس واقعي يتميز فيه صوت الشاعر بشكل اوضح من ذي قبل ويتميز برسم الصورة ( وغانم كان في فترات من عمره يمارس الرسم بالالوان المائية والفحم ) ويتميز ايضا بالتأمل والموضوعات الانشائية اضافة الى الموضوعات القومية والعاطفية التي نجدها عند كثير من مجايليه . وانا ادعو النقاد الكبار الذين كتبوا عن غانم امثال د . عبدالعزيز المقالح والدكتور احمد علي الهمداني ( الذي نشر عام 2005م كتاباً قيماً بعنوان " محمد عبده غانم شاعراً من الرومانسية الى الكلاسيكية " ) والدكتور علي الحداد والدكتور العمراني والدكتور مبارك حسن الخليفة والدكتور الريمي الذي كتب اطروحه دكتوراه عن غانم وغيرهم ممن درسوا شعر غانم الى مقارنة القصائد العاطفية التي تجنح الى الخيال في ديوان " على الشاطئ المسحور " بالقصائد العاطفية الاكثر نضجا في ديوانه الثاني " موج وصخر " والتي افضلها شخصياً في مجملها على الرغم من ان د . المقالح كما يبدو في بعض كتاباته يفضل الديوان الاول . علي لقمان ايضا انتقل من الرومانسية في ديوانه الاول الى الواقعية والاسلوب الاحيائي وما يسمى بالكلاسيكية الحديثة في دواوينه العديدة التالية وكان ذلك في نظري لعدة اسباب منها ان لقمان انتقل الى العمل الصحفي والسياسي وكان زعيما سياسيا وامينا عاما لحزب الجمعية العدنية فكانت بعض قصائده مباشرة يوجهها للقراء عارضا اراءه الاجتماعية والسياسية من خلال الاطار والاسلوب الشعري وكان في نفس الوقت يكتب المقالات الصحفية واكاد اجزم ان علي لقمان كان اكثر الشعراء انتاجا ليس في عدن فحسب بل في اليمن بشكل عام ولقمان تعود ان يصحو قبل الفجر وما ان تطلع الشمس الا ويكون قد كتب قصيدة طويلة او مقال او جزء من مسرحية شعرية وكان نفسه الشعري طويلاً متدفقا ولم يكن من عبيد الشعر الذين يكتبون القصيدة في عام وينقحونها في عام بل لا ادري اذا كان يهتم بتفتيح شعره كثيرا كما كان والدي يفعل ولقمان كان ايضا ينشر شعرا اجتماعيا وسياسيا باللهجة العامية وهو امر لم يكن يفعله شعراء عدن الاخرون في تلك المرحلة امثال غانم ولطفي امان ومحمد سعيد جراده ومحمد حسن عوبلي واحمد حامد الجوهري وكان هؤلاء الشعراء واخرون امثال لقمان والاستاذ هاشم عبدالله والشاعر علي عبدالعزيز نصر وادريس حنبلة يجتمعون في الخمسينيات من القرن الماضي في منزل غانم بشكل دوري كجمعية للشعراء كان والدي يترأسها حسبما اتذكر بحكم مكانته التربوية فقد كان على قمة المؤسسة التعليمية وكان معظم الاخرون فيما عدا علي لقمان من المدرسين وايضا بحكم انه الاكبر سنا وكان قد وطد مكانته الشعرية بحصوله على ستة جوائز عالمية ومحلية في الشعر وكان منزل غانم ايضا ملتقى اعضاء ندوة الموسيقى العدنية منذ 1949او 1950م وفي ذلك المنزل في منطقة الرزميت انتجت اول الاغاني العدنية وكانت الاربع الاولى من كلمات غانم نفسه تلحين وغناء الفنان خليل محمد خليل وكان منزل غانم ايضا ملتقى لجنة مناهج المدارس حيث كان الاساتذه امثال هاشم عبدالله وعبدالرحيم لقمان وابراهيم روبله وابراهيم لقمان ولطفي امان وغيرهم يجتمعون للاتفاق على اعداد مناهج للمدارس وتأليف بعض الكتب المدرسية تحت رئاسة غانم وهذه الاسماء التي ذكرت هي من الذاكرة التي ارجو الا تكون قد خانتني فقد كنت طفلا في العاشرة يومئذ اقدم للضيوف اكواب الشاي وبما ان الحديث عن الرومانسية فيمكن القول ان لطفي امان هو الذي استمر شاعراً رومانسياً حتى النهاية . تحدثت في بداية كلمتي هذه عن الكتب الثلاثة التي نشرت عن علي لقمان في 2002-2003و2004 وقد علمت مؤخرا من أ . د . احمد علي الهمداني مباشرة انه يعد كتابا ضخما يجمع فيه كل ما حصل عليه من مؤلفات علي لقمان مع مقدمة او دراسة من اعداده والحقيقة ان الدكتور رالهمداني قد نشر في اواخر العام الماضي سفرا كبير بعنوان " المجاهد محمد علي لقمان المحامي رائد النهضة الفكرية والادبية الحديثة في اليمن " والكتاب يحوي سبعة من مؤلفات جدي محمد علي لقمان ( والد الشاعر علي لقمان ) منها روايته سعيد اول رواية يمنية ورواية كملا ديفي وكتابة التنويري بماذا تقدم الغربيون ؟ " الذي قدم له رجل التنوير الشهير شكيب ارسلان ويحوي الكتاب الذي اعده د . الهمداني بعض المقالات المنشورة حول محمد علي لقمان المحامي وبعض المراثي وقائمة بمجموعة من مقالات لقمان والكتاب اعاد الى الاذهان ذكرى رجل التنوير الاول والاهم في تاريخ عدن الذي اسس اول صحيفة مستقلة فتحت صدرها للاحرار اليمنيين امثال القاضي محمد محمود الزبيري والاستاذ احمد محمد نعمان وغيرهم الى جانب العمل التنويري في مستعمرة عدن وهذا الجهد للدكتور الهمداني يستحق التقدير والشكر . والحقيقة ان محمد علي لقمان سجل مذكراته في السنوات الاخيرة من حياته في صفحات صحيفته في سلسلة من الحلقات تجاوزت المئة وجنوا لو تجمع في كتاب يلقى الضوء على حياة ذلك الرجل المتميز . وعندما ينشر د . الهمداني اعمال علي لقمان سيكون قد اسدى جميلاً آخر للحياة الثقافية والادبية والفكرية في اليمن والوطن العربي ونتمنى له التوفيق في جهوده المتميزة . لقد كتب علي لقمان شعراً من شعر الشطرين كما كتب شعراً متراوح القوافي وكتب شعراً عاميا وذكر لنا نجمي عبدالمجيد انه كتب بعض المحاولات في الشعر المنثور وقدم لنا نموذجين كما نعرف ان علي لقمان ترجم الشعر الانجليزي الى العربية كما ترجم بعض شعره الى الانجليزية خصوصا في اواخر حياته عندما زار امريكا حيث كان اولاده الدكتور وجدان والجيولاوجي محمد جبر والمهندس عمار واتصل في تلك الفترة المتأخرة من السبعينيات ببعض الشعراء الامريكيين في مدينة تكوما وقد نشرت بعض تلك الترجمات بعد وفاته في كتاب باللغة الانجليزية بعنوان قصائد من ارض سبأ اهتم بنشره د . وجدان علي لقمان وايضا نعرف ان علي لقمان نشر عدداً من المسرحيات الشعرية والكتب النثرية والكثير من المقالات الصحفية ولكن هل كتب علي لقمان شعراً تفعيليا ؟ الجواب هو نعم وان لم ينشر تلك التجارب حسب علمنا وموضوع علي لقمان شاعراً تفعليا هو ما يعكس ان يكون مدار بحث اخر باذن الله حيث يمكن الحديث عن قصائده التفعيلية المخطوطة.
|
ثقافة
بدايات الشعر الرومانسي في اليمن بين غانم ولقمان
أخبار متعلقة