المعركة مع الجماعات الإسلامية التي تقود العنف، تتسع دائرتها؛ فهناك مواجهات تدور في العراق ولبنان وفلسطين، وقبل أيام في لندن واسكتلندا، والدول الأوربية تعلن حالة التأهب خوفاً من تصاعد وتيرة العنف. لم تعد "القاعدة" هي المنظمة الوحيدة التي تقود أعمال العنف، فهناك تنظيمات جهادية جديدة انضمت إلى صفوف "القاعدة" وليست بالضرورة على صلة تنظيمية معها بقدر ما يوحدها جميعاً الهدف نفسه، وهو إعلاء كلمة "الجهاد" ضد من لا يؤمن بأهداف هذه الجماعات وربما اعتقال الداعية جابر محمد الجلاهمة في الكويت، يعطينا صورة حقيقية لما يدعو إليه. فهو يعلن عن موقفه الذي لا يرى فيه أي مخالفة للقوانين، قائلاً إن الجهاد، كما يراه هو، فريضة إسلامية، وهو يدعو له ضمن مفهومه للنص القرآني ويتمسك بمفهومه، والذي هو في نهاية المطاف مجرد اجتهاد في فهم النص الذي لا يمكننا أن نحاكم المرء عليه.في عام 1978 أحكمت الجماعات الراديكالية الدينية في مصر سيطرتها على الاتحادات الطلابية، ونجحت في اختراق صفوف الشباب وقامت بتجنيد كثير منهم لصالح فكرها الجهادي. وفي تقرير نشرته صحيفة "اللوموند" الفرنسية أشارت إلى أن تنامي قوة الراديكاليين بات واضحاً في الشارع المصري، وأن قوتهم تقترب من قوة الجيش كمؤسسة منظمة.الفكر الجهادي له مؤيدوه، ويلقى قبولاً لدى قطاع واسع من الشباب، وهو فكر نما منذ عقود نتيجة لمجموعة من الأسباب؛ أهمها الفوضى التي أصابت الأنظمة السياسية، والتي قام معظمها بإخضاع الدين لأهدافه السياسية، ووظفه لخدمة مصالحه، إضافة إلى حالة الفشل والإحباط واليأس بين الشباب... وهكذا تضافرت عوامل كثيرة في تغذية الفكر الجهادي ودفعت الشباب نحو تبني فكرة الموت لأجل أهداف سامية ومقدسة!من المتوقع أن تتوسع دائرة العنف وأن تشهد المنطقة مزيداً من المواجهات الدامية، ولا يبدو لي أننا نواجه "قاعدة" واحدة، بقدر ما أصبح هناك أمامنا أكثر من "قاعدة"، ما يثير سؤالاً حول جاذبية الفكر القتالي للشباب، سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب.بريطانيا تعلن حالة التأهب وأوروبا ترفع درجة الحذر، وكذلك أميركا، ما يؤكد انتشار الفكر القتالي الانتحاري وتجذره بين الجاليات المهاجرة إلى أوروبا. وهنا نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية في كيفية مواجهة رغبة الموت لدى الشباب الذي لم تعد تخيفه السجون، وهو على ما يبدو تواق إلى الموت، بل يجد فيه حياةً جديدةً تضمن له فكرة الراحة النفسية التي يتخلص فيها من عذاب الدنيا.ورغم كل المحاولات التي تبذل في تحسين صورة الإسلام، ورغم الميزانيات الضخمة التي تنفق على تطوير الفكر الوسطي، فإن ثمارها لم تعط أصحابها ما يريدون في تغيير معدلات العنف، ما يؤكد أن ثمة خللا كبيرا في المعالجة لانتشار الفكر الانتحاري بين الشباب.الغرب محاصر بفكرة الخوف وغير قادر على تغيير منابع الفكر الانتحاري، حيث الأدوات المستخدمة غير ناجعة، إضافة إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في تراجع المؤسسات الدينية الفكرية عن تأدية رسالتها كمؤسسات مستقلة قادرة على الوصول إلى عقول الشباب. فهذه المؤسسات فقدت مصداقيتها ولم تعد موضع ثقة لدى عامة الناس، فهي مؤسسات خضعت لعملية توظيف مبرمج من أنظمة الحكم، ما دفع إلى انتشار الغموض حول كثير من المفاهيم الدينية ودفع الشباب إلى الارتماء في أحضان أصحاب الفكر الجهادي.ولعل الخطأ الفادح هو أن من قاد الحرب على الجماعات الإسلامية، خلطَ بين العدوان والإسلام، ما دفع الشباب إلى التصدي لتلك الحرب باعتبارها حربا تُشَن لمحاربة الهوية الإسلامية. حالة التخبط في مواجهة الفكر الجهادي تقود إلى مزيد من الفشل في الحد من انتشار أفكار التنظيمات الراديكالية الدينية.[c1]* نقلا عن/ صحيفة (الاتحاد) الإماراتية[/c]
العجز في مواجهة الفكر الجهادي
أخبار متعلقة