مع الأحداث
لم يحدث في تاريخ العرب من قبل أن يخلص لهم كل هذا المال وما يعنيه من قوة، ونفوذ، وإمكان لتغيير مجرى الأحداث ، ومن جهة ثانية لم يحدث أن اختلف العرب كل هذا الاختلاف على أشياء أساسية، إذا لم يتم الاتفاق عليها، فقل على العرب العفاء. وقد كنا - قديما - نلقن أن الأمة هي أرض مشتركة، ولغة واحدة، وتاريخ واحد، وهذا كله موجود في حالة الأمة العربية ، فلماذا إذا هذا الخلاف الشديد بين حكومات الدول العربية؟ وما معنى أن يقتل السلاح العربي المواطن العربي في العراق أو في فلسطين أو في لبنان إلى غيرها من مشاهد دامية تتقطع لها نياط القلوب ؟ ، السبب - كما اعتقد - في كل هذا قادة وحكومات وشعوب ً لم يحسموا أمرهم في مسائل كثيرة بالغة الحيوية، ولم يقروا - بعد - هل هم يعيشون فعلاً في القرن الحادي والعشرين أم أنهم يعيشون فيه بالجسد فقط، أما عقولهم فتنتمي إلى عشرات القرون إلى الوراء. والعرب أعضاء نشيطون في المنظمات العالمية المختلفة، كما أنهم من أنشط الناس في حضور المؤتمرات والاشتراك في المهرجانات والمناسبات الاجتماعية والرياضية المختلفة، لماذا - إذاً - تختلف لدى كل عربي مخلص ان ، هذا النشاط كله مظهري صرف، وأن بعضه مقصود به التباهي، وأن البعض الآخر لا يعامل المعاملة الجادة التي يستحقها؟ونأخذ - مثلاً - قضية محو الأمية، وهي القضية المحورية التي ينبغي أن تدور حولها الجهود للنهوض بالأمة العربية، ودفعها دفعاً من حياة القرون الغابرة إلى حياة القرن الحادي والعشرين، تتعثر الجهود في هذا الميدان الهام تعثرا واضحاً ومخجلاً ، وبدلاً من أن ينقص عدد الأميين، يزداد عددهم عاماً بعد عام، بفضل ازدياد نسبة المواليد، وكأن جهاز محو الأمية جهاز (نحو الأمية) أي أنه لا يمحو الأمية، بل ينحو نحوها. والأسباب التي تساق لتفسير الأمية وازديادها عاماً بعد عام هي الأسباب التقليدية المعروفة: قلة الاعتمادات المالية، وقلة المكافآت المبذولة للمعلمين، وميل الأطفال إلى الهرب من الدروس ، والانطلاق إلى حياة يرونها أرحب وألذ.... الخ.. بيد أن هذه - في رأيي - أسباب واهية كلها، واهية لأنه لا تصميم واضح وراءها على قطع داء الأمية بخطط واضحة فعالة، ومن أكبر المآخذ على القمر الصناعي العربي (عربسات) - فيما يتعلق باستخداماته الإذاعية والتلفزيونية - أنه يعني بمعدات الشبكة أكثر من عنايته بالبرامج التي سوف تنقلها، ولعل أهم برنامج كان يجب أن تقوم به الفضائيات العربية هو برنامج محو الأمية والكتابة ، ولكننا - كعادتنا - مغرمون بالشكل لا بالمحتوى وبالمغلف لا بالرسالة. أليس من الواجب أن تعامل الأمية في بلادنا العربية معاملة الوباء، فتوضع خطة متعددة المراحل على مستوى الوطن العربي لاستئصال شأفة هذا الوباء بوصفه أكبر عامل معرقل للتنمية والتطور العلمي والحضاري، ويؤدي بالأمة إلى التأخر والانتكاس ، ولعل ما يساعد في إنجاح هذه الحملة على الأمية هو أن ترتبط بحملة مماثلة لتحديد النسل في البلاد العربية التي تعيش مشكلة الانفجار السكاني ، فتنظيم الأسرة وتعليم الأفراد أمران مهمان جداً لو كان يراد للأمة العربية أن تبقى على قيد الحياة، وأن تنهض من كبوتها نحو التقدم والازدهار.خلاصة القول، علينا أن نتفق اتفاقاً تاماً على ضرورة التخطيط الاستراتيجي العربي للقضاء على الأمية قضاء مبرماً ، وبذل الجهود المشتركة ، والأموال اللازمة، والاستفادة القصوى من التقنيات الحديثة للقنوات الفضائية العربية في سبيل إزالة هذا الوباء الذي سوف يساعد على إطلاق العقل العربي من أساره، لأن تعليم القراءة والكتابة هو الذي سيطلق أصوات الملايين الخرساء - التي لاتكتب - بسبب أميتها ، ولاتجد من يكتب لها، إما لأنه لا يعرفها فينظر إليها نظره سطحية ، أو لأنه يتجاهلها بوصف أنها أقل من أن تحظى بالاهتمام.