نبض القلم
إن الذين ينظرون إلى الدين الإسلامي على أنه عقبة في طريق تقدم الإنسانية إنما يجهلون الإسلام أو لم يعرفوا حقيقته. وإذا كان التطور سنة من سنن الحياة ، فإن الإسلام هو قمة تطور المجتمع البشري ، لأنه أخرج الناس من الظلمات إلى النور. إن الدين الإسلامي لم يعاند الطبيعة الإنسانية التي من لوازمها تطوير الحياة والتقدم بها إلى المستوى الأحسن والأفضل ، لأن المعاندة خروج على طبيعة الوجود، والدين الإسلامي لا يمكن أن يقف موقف المعاند ، لأمة استطاع أن يوفق بين مطالب الروح ومطالب الجسد، على النحو الذي أراده الله تعالى في قوله مخاطباً مؤمن : (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا ) .. القصص 77 وعلى هذا حثنا النبي صلى الله عليه وسلم : (إن لربك عليك حقاً وأن لنفسك عليك حقاً ، وإن لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه). وإن من مظاهر التطور في الدين الإسلامي أنه يحب الكمال في كل شيء ، الكمال المادي والكمال الروحي ، وقد أكد على ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إن المؤمن لا يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة) . فالرسول يحثنا على أ، نسعى إلى الخير وتعمل كل ماهو خير ، ونتمسك بالمثل العليا ونتعلق بها ، ونسعى للوصول إليها بكل طاقاتنا ، وبحسب إمكانياتنا ، والا نقنع باليسير إذا أمكن الكثير ، حتى في الدعاء الذي لا يعدو أن يكون طلباً لتحقيق أمنية ، والرسول يوجهنا إلى أن نطلب من الله أعظم الأماني ويرغبنا في ذلك بقوله : ( إذا سألتم فأعظموا الرغبة ، واسألوا الفردوس الأعلى ، فإن الله لا يعظمه شيء). ومن مظاهر الكمال أيضاً الأخذ بالأحسن في كل شيء ، وهو لون من ألوان التطور ، أو درجة من درجاته ، والله تعالى يأمرنا بالإحسان في شيء ، وآيات الإحسان كثيرة في القرآن الكريم ، تقوله تعالى : (لاتعبدون الا الله ، وبالوالدين إحساناً) البقرة 83 وقوله تعالى : ( وقولوا الناس حسناً ) .. البقرة 83 وقوله تعالى : (والله يحب المحسين ) آل عمران 134 .. وغيرها من الآيات. ولا يكون العمل كاملاً إلا إذا متقنا ، وفي ذلك قال الرسول الكريم ( أ، الله يحب أحدكم إذا اعمل عملاً أن يتقنه ) ولكي يكون العمل متقناً لاينبغى أن يكون فيه أي نوع من الغشق ، وقد قال رسول الله (ص) : ( من غنثا فليس منا ). ومن مظاهر التطور في الإسلام أنه يمجد القوة في كل شيء ، سواء في الماديات أو في الروحانيات ، وقد جاء في الحديث الشريف: (المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف). وعلى أساس فلسفة الإسلام للتطور جاءت التوجيهات الإلهية تدفعنا - نحن المسلمين - للسير بالحياة قدماً إلى الأمام ، وتحثنا للنهوض بحياتنا إلى مستويات عالية من التقدم. وقد حذر الإسلام من الجمود والتمسك بالقديم الفاسد ، وحثنا على الأخذ بالجديد الصالح والأحسن ، لأن الجمود يعطل القوى البشرية ، ويهدر كرامة الإنسان ، ويضعف قدراته ، ويحبط هممه ، وقد نهى الله تعالى عن الجمود في آيات كثيرة منها ما قاله في ذم المترفين الكسالى والجامدين ، في قوله : (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون .. الزخرف ، 23). وحتى لا يكون المسلم جامداً أو مقلداً خاملاً حث الرسول (ص) المسلمين على الإبداع والابتكار فقال : (من سن سنة حسنة فعمل بها ومن بعده ، كتب له مثل أجر من عمل بها ، ولا ينقص من أجورهم شيء) وفي هذا تشجيع على أبتكار طرائق وأساليب جديدة للنهوض والتطور ، فلو كان الإسلام جامداً لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) بما يغني أن الإسلام متجدد دوماً ، بل أن التجديد سمة من سماته ، وخاصية من خصائصه ، غير أن التجديد لا يكون على أيدي الجهلة ، بل يكون على أيدي العلماء المجتهدين. لذلك شجع الإسلام العلم، ورفع منزله العلماء ، باعتبار العلم الاساس الأول لأي تطور ، وأن العلماء هم رواد وقادة حركة تطوير أي مجتمع ، فالعلماء هم الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تنوير الناس وتوجيهم إلى ماينبغي فعله. ومن مظاهر التطور في الإسلام أنه يأمه بالعمل والنشاط ويحث الناس على السعي والمثابرة بجد ، لتنفيذ ما توصل إليه العلماء من مخترعات، ودعاهم إلى تطبيق ماتوصلوا إليه من نتائج في بحوثهم العلمية. فالعمل نشاط روحي ومكري وعضلى ومادي ، سواء كان في مجال الزراعة أو في مجال الصناعة أو في مجال التجارة أو في مجال الثقافة والإعلام والصحافة والسياسة والإدارة والبناء والتعمير، وغيرها. [c1] إمام وخطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]
