أبين / 14 أكتوبر :تشهد مدينة “ جعار” “ منذ أواخر العام الماضي 2008 انفلاتاً أمنياً خطيراً ينذر بسقوطها تحت سيطرة جماعات مسلحة تلبس عباءة الدين وترفع سيوف “ الجهاد” ضد الدولة والمجتمع استناداً إلى أفكار متطرفة قام بتسويقها في اليمن بعض شيوخ الإسلام السياسي الذين يحرضون على وجوب دفع الصائل وقتال رجال الأمن” بوصفهم حراسا للطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية.وبالنظر إلى الارتباط الوثيق بين تصاعد حالة الانفلات الأمني وتزايد سطوة الجماعات “ الجهادية” المسلحة تحولت مدينة جعار إلى بيئة مغلقة على نمط “الإمارات” الإسلامية التي أقامتها في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات جماعات متطرفة مماثلة في معظم مناطق محافظة أسيوط المصرية حتى تمكنت من الوصول إلى المركز الإداري لمدينة أسيوط بالإضافة إلى قيام “ إمارة أمبابة” في أحد الأحياء الشمالية الغربية لمدينة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية أوائل التسعينات، وإمارة “ طالبان” في قندهار والتي امتدت لتشمل كل أنحاء أفغانستان في النصف الثاني من التسعينات. كما نجحت الجماعات المتطرفة في إقامة إمارات إسلامية متفرقة في بعض مناطق الصومال والجزائر حالياً.وكما هو حال تلك الامارات الإسلامية تقوم الجماعات الجهادية المسلحة في مدينة “ جعار” منذ بضعة شهور بتطبيق شريعتها الخاصة بها من خلال السعي لفرض نمط حياة صحراوي متشدد ، يتم بموجبه استخدام مختلف أشكال الإرهاب الفكري والمسلح لتحريم الفنون والغناء والموسيقى والاعتداء على محلات التسجيل الفنية وستديوهات التصوير الفوتوغرافي والملاعب الرياضية وتحطيم الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية والتضييق على مدارس البنات وملاحقة النساء في المؤسسات والاجهزة الحكومية والأسواق العامة وصولا إلى التصفية الجسدية لبعض المواطنين بتهمة الشذوذ الجنسي ونشر الرذيلة.وزاد من خطورة الممارسات الإرهابية للجماعات الجهادية المسلحة انتشار المنشورات التي تحرض ضد المثقفين والقيادات الحزبية والتيارات الفكرية والفنانين والموسيقيين بدعوى محاربة البدع الضالة والثقافة العلمانية والديمقراطية الكافرة والمخططات الصليبية ، الأمر الذي أدى إلى نزوح عدد كبير من شباب مدينة جعار إلى مدينة زنجبار ومدينة رصد وغيرها من المناطق القريبة ، حيث يخشى المواطنون من زحف هذه الجماعات على المناطق المجاورة فور الانتهاء من استكمال بناء إمارتها الإسلامية في مدينة جعار.وكما يتعرض المجتمع في هذه المدينة المنكوبة لإرهاب الجماعات الجهادية التي بسطت سطوتها ونفوذها في مدينة جعار ، فأن الدولة لم تسلم هي الأخرى من هذا الإرهاب المتستر وراء الدين حيث تعرضت مكاتب البريد والاتصالات والتربية والتعليم والصحة والثقافة لاعتداءات مسلحة رافقتها أعمال نهب وسلب بذريعة محاربة البدع والتصدي لبرامج الصحة الإنجابية وتنظيم النسل التي تنفذها الدولة بالتنسيق مع منظمات دولية تعتبرها هذه الجماعات مخططات صلبية معادية للإسلام!!؟وبلغت الأعمال الإرهابية المعادية للدولة ممثلة بالسلطة المحلية ذروتها بالاعتداء على مكتب مدير عام مديرية خنفر الأخ / محمد الجمل ونهب محتوياته وإحراق ما تبقى منها بذريعة « أن جمهور العلماء أجمعوا على وجوب دفع الصائل للنهي عن المنكر ، ومحاربة الطائفة الممتنعة عن إقامة الحدود»، بحسب الأفكار الضالة التي يعتنقها «المجاهدون» ويطبقونها بقوة السلاح في مدينة جعار.وبحسب استطلاعات للرأي أفادت أوساط سياسية واجتماعية في السلطة والمعارضة بمحافظة أبين إن ما يحصل اليوم في مدينة «جعار» من إرهاب وانفلات أمني هو نتاج تراكمي لتدخل جهات نافذة في العاصمة صنعاء بهدف إضعاف تجربة الحكم المحلي واسع الصلاحيات، وتفريغها من محتواها الديمقراطي وتشويه البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الذي قامت على أساسه انتخابات المحافظين والمجالس المحلية، باتجاه بناء الدولة الوطنية الحديثة، وهو الأمر الذي يفسر التصريحات الغاضبة التي أصدرها المحافظ المنتخب/ أحمد الميسري و وكيل المحافظة محمد صالح هذران والعميد/ حمود حسان الحارثي مدير الأمن العام في محافظة أبين القائد السابق لقوات الأمن المركزي في عدن، حيث طالب هؤلاء في تصريحاتهم ولقاءاتهم بالحكم المحلي كامل الصلاحيات، بالإضافة إلى مطالبهم المتكررة بضرورة بوقف التدخلات من خارج المحافظة في القضايا التي تتعلق بمهام وواجبات أجهزة السلطة المحلية.ويتردد في أوساط المواطنين بمحافظة أبين أن انطلاق مشروع «إمارة» جعار الإسلامية بدأ عندما تمكنت قوات الأمن المركزي من ملاحقة وضبط شاحنة مشتبه بها، حيث تبين أنها كانت محملة بأسلحة مهربة من خارج المحافظة بعضها من النوع الثقيل، ومصادرتها بحسب القانون، الأمر الذي أسفر عن مواجهات مسلحة دارت رحاها بين قوات الأمن المركزي والجماعات الجهادية المسلحة التي كانت تنتظر وصول شحنة الأسلحة الخارجة عن القانون، لكن تدخل جهات نافذة من خارج محافظة أبين أوقف العمل بسلطة القانون، وأجبر قوات الأمن المركزي على الانسحاب من مدينة جعار وتسليم مسؤولية حفظ الأمن فيها إلى جهة أخرى لا تدخل ضمن واجباتها مهام حماية الأمن العام.وبسبب تلك التدخلات وجدت أجهزة السلطة المحلية (التنفيذية والأمنية) نفسها عاجزة ومشلولة عن القيام بواجبها، فيما اتسع نطاق الانفلات الأمني والممارسات المتطرفة والأعمال الإرهابية تحت سطوة وبطش تلك الجماعات المسلحة، ما أدى إلى بروز موجة احتجاجات واسعة النطاق شملت أوساطاً سياسية ومستثمرين وشخصيات اجتماعية وواجهات قبلية حيث توجه ممثلون عن هذه الشرائح إلى ديوان محافظة أبين في مدينة زنجبار، والتقوا الأخ/ أحمد الميسري محافظ أبين والعميد/ حمود حسان الحارثي مدير الأمن العام وعبروا عن تخوفهم من استمرار الانفلات الأمني، وحذروا من أضراره الخطيرة على السلم الاجتماعي في المحافظة خصوصا، واليمن الموحد عموما، في حال عجز الدولة عن القيام بواجبها الوطني وحماية أمن واستقرار المجتمع والتصدي الحازم للتطرف والإرهاب.من جانبه اعترف الأخ/ أحمد الميسري محافظ أبين بخطورة الانفلات الأمني في مدينة جعار، مشيراً إلى أن ما يحدث في جعار منذ أواخر العام الماضي 2008م شيء مؤسف وبعيد تماماً عن الدين والأخلاق والمصالح العليا للوطن والمجتمع. وعبر المحافظ عن رفضه واستنكاره للممارسات التي تسيء إلى الدين وتنتهك حريات وحقوق المواطنين ولا يقبلها عقل ولا يقرها منطق، وآخرها ما تسمى «إقامة الحدود بالشبهات» تحت حجج وذرائع قبيحة، الغرض منها تفسيق المجتمع وتسفيه الرجال والنساء وتكفير أسلوب حياة المواطنين الذين اعتادوه وسار عليه من قبلهم آباؤهم وأجدادهم.كما استنكر المحافظ قيام بعض المتطرفين بأعمال إجرامية تحت مسمى الجهاد في سبيل الله وأبرزها تنفيذ بعض الاغتيالات وإقامة بعض المجازر الدموية الميدانية تحت (يافظة) ( هذا شاذ ) و(تلك فاجرة) ، وصولاً إلى توزيع منشورات إرهابية وإيصالها إلى بيوت المواطنين ولصقها على جدران منازلهم تهدد بقتل نسائهم وبناتهم الفاجرات إذا لم يقم آباؤهن وأزواجهن بإهدار دمائهن!!. وشدد محافظ محافظة أبين على ضرورة عدم السكوت إزاء هذا الانفلات الخطير، مؤكداً على واجب التصدي بحزم لهذه الظواهر والممارسات الإرهابية ، باعتبار أن ذلك مهمة وطنية تقع على عاتق الجميع ، ونوه بأن مدينة جعار كانت حاضنة لمختلف أنواع الطيف السياسي والثقافي والاجتماعي، وكان الناس يؤمونها من كل مكان قبل أن تقع تحت سطوة هذه الجماعات المتطرقة التي ترفع شعارات ( الجهاد ) زوراً وباطلاً. واستدرك الأخ المحافظ قائلاً إن مواجهة هذه الأخطار ليست صعبة، وأن السلطة المحلية ليست عاجزة، لكن ما يحول دون ذلك هو التدخلات من خارج المحافظة، وما يترتب عليها من تشجيع لمعنويات المتطرفين ، وإفساح المجال لكثير من الاختلالات والممارسات والأعمال الخارجة عن النظام والقانون ، مؤكداً أن للصبر حدوداً، وأن اللجنة الأمنية بالمحافظة لن تصبر طويلاً أمام هذا الانفلات الخطير، حيث عقدت العزم على القيام بواجبها الوطني والدستوري ، وعدم الخضوع لأي تدخلات من جهات نافذة خارج المحافظة.إلى ذلك يتردد في أوساط المواطنين أن الجماعات (الجهادية ) المسلحة تخطط لتوسيع نشاطها بعد استكمال السيطرة على مدينة جعار وإعلان قيام إمارة إسلامية تمهيداً للانطلاق نحو مدينة زنجبار، على نحو ما أفصح عنه قبل عشر سنوات قائد ما كان يسمى ( جيش عدن أبين الإسلامي ) أثناء قيامه باختطاف مجموعة من السياح الأجانب ، وهو ما أكده أيضاً المدعو أبو الحمزة المصري من لندن ، والذي تتهمه الحكومة اليمنية بدعم وتمويل الإرهاب في اليمن، حيث نشر على أحد مواقع الشبكة الجهادية عزم جيش عدن أبين الإسلامي على التوجه نحو عدن وإقامة إمارة إسلامية في جنوب شبه الجزيرة العربية تمتد من أبين إلى خليج عدن وباب المندب ، والسيطرة على طرق الملاحة الدولية تنفيذاً لما أسماه ( الرؤيا النبوية التي بشر بها الرسول عليه الصلاة والسلام بخروج جيش من عدن أبين قوامه (12 ألف مجاهد) يخضعون الأرض والبحر لدين الله بحسب قوله. وتأسيساً على ذلك يرى مراقبون أن ما يجري في مدينة جعار من شأنه تهديد أمن وسيادة مدينة عدن في حال نجاح المتطرفين في إقامة إمارة إسلامية في جعار والتمدد نحو زنجبار التي تعتبر البوابة الشرقية للدفاع عن أمن مدينة عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الموحد، وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات ومخاطر جدية تهدد مستقبل الوحدة في ظل انبعاث المشاريع الصغيرة، والنعرات المناطقية والأوهام الانفصالية التي تراهن على إمكانية إضعاف الدولة الموحدة، والتحريض ضدها تمهيداً لتفكيكها لاحقاً بواسطة أعمال خارجة عن القانون في مناطق مختلفة. وفي الاتجاه نفسه حذرت شخصيات سياسية واجتماعية في محافظة أبين من خطورة ما يجري في مدينة جعار، نتيجة تدخلات من خارج المحافظة من شأنها ليس فقط شل فعالية أجهزة الحكم المحلي، بل وإضعاف سلطة الدولة، على نحو ما حدث في محافظة أسيوط المصرية وحي إمبابة شمال غرب مدينة القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية في أواخر القرن الماضي، عندما عجز محافظ أسيوط ومحافظ القاهرة وقادة الأمن المركزي في محافظتي أسيوط والقاهرة عن القيام بواجبهم وإيقاف الانفلات الأمني الناجم عن تمدد الجماعات المتطرفة، نتيجة لمراهنات وزير الداخلية الأسبق اللواء زكي بدر على إمكانية استيعاب وترويض هذه الجماعات بناء على نصيحة من الشيخ محمد متولي الشعراوي، حيث كان اللواء زكي بدر يتفاخر أمام وسائل الإعلام بأنه يستوعب الجماعات المتطرفة من خلال الحوار معها والصلاة خلف أمرائها، كما كان يشدد في الوقت نفسه على ضرورة تحييد دور أجهزة السلطة المحلية والأمنية وأجهزة المخابرات ووسائل الإعلام عن المواجهة الدائرة بين الدولة والجماعات الجهادية المسلحة، ما أدى إلى شل فعالية هذه الأجهزة وإضعاف سلطة الدولة وتمكين هذه الجماعات من إقامة إمارات إسلامية في معظم مناطق محافظة أسيوط القريبة من القاهرة وفي حي إمبابة شمال غرب القاهرة، على غرار إمارة طالبان، التي أقامها المجاهدون لاحقاً في مدينة قندهار ثم تمددت إلى عموم أفغانستان بعد نجاحها في إسقاط العاصمة كابول تمهيداً للانطلاق نحو فسطاط الكفر في العالم الخارجي وبناء دولة الخلافة الإسلامية الكبرى.في هذا السياق أعادت هذه الشخصيات التي تحدثت إلى مراسل صحيفة «14 أكتوبر» في مدينة زنجبار إلى الأذهان أعمال الإرهاب والترويع التي مارستها الجماعات الجهادية المصرية بعد نجاحها في إقامة إمارتين في أسيوط وإمبابة، وانتقالها بعد ذلك إلى تهديد أمن واستقرار مدينة القاهرة من خلال موجة الاغتيالات التي راح ضحيتها عدد كبير من الفنانين والمفكرين والوزراء والشخصيات العامة وما رافقها من تفجيرات طالت دور السينما والمسارح والمنشآت السياحية والمقاهي التي كان يرتادها الفنانون والمثقفون وأبرزها تفجير قهوة «زهرة الميدان» وقهوة «وادي النيل» في قلب مدينة القاهرة، وإصدار الفتاوى التي تبيح إهدار دماء عدد كبير من المفكرين والفنانين والمثقفين والصحفيين ورجال الأعمال، والاعتداء على مبان حكومية ومقر مجلس الشعب المصري وضريح سعد زغلول وجامع الحسين وجامع السيدة زينب، ما أدى إلى استشعار الدولة المصرية والمجتمع بخطورة الإرهاب، والشروع في صياغة إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة التطرف والإرهاب، شملت تغيير وزراء الداخلية والتربية والتعليم والإعلام والثقافة عام 1963، ويتوجب بتصفية وطرد فلول الجماعات المتطرفة في إمارة أسيوط وإمارة إمبابة، واستعادتهما إلى حضن الدولة والقيام بإصلاحات شاملة استهدفت تطوير مناهج التعليم وإصلاح نظم التمويل والتبرعات والجمعيات الخيرية والدعوية وتنظيم دور العبادة وتجفيف منابع الأفكار المتطرفة في البيئة الثقافية والاجتماعية وتوسيع صلاحيات أجهزة الحكم المحلي في كافة المجالات، وإشراك الفن والأدب والإعلام في مكافحة التطرف والإرهاب.
|
تقارير
هل يتحقق تهديد أبو الحمزة المصري بإقامة إمارة إسلامية من أبين إلى باب المندب ؟
أخبار متعلقة