قراء ة في تقرير إخباري صادر عن وزارة الثروة السمكية:
نادر عبد القدوس عبد الخالق القريشيبدايةً أود أن أُنبِّه القارئ الكريم، أولاً، والجهة المختصة التي يمسها الموضوع، ثانياً، إلى أنني أكتب ليس بصفتي موظفاً لدى وزارة الثروة السمكية في فرع محافظة عدن وإنما باعتباري مواطناً عادياً يحب قراءة الصحف بمشاربها دون تمييز، وبصفتي متخصصاً في الاقتصاد كذلك..وللدخول إلى صلب الموضوع فقد نشرت صحيفة(14أكتوبر) الغراء خبراً، يكاد أن يكون اقتصادياً، في صفحة (5) يوم الاثنين الموافق 4أغسطس 2008م العدد(14195) يبرز منه عنوان طويل مفاده أن كميات الأسماك المصدرة للنصف الأول من هذا العام قد بلغت 53 ألفاً و829 طناً بما قيمته 120 مليوناً و274 ألف دولار أمريكي. وبعملية حسابية بسيطة نستنتج أن متوسط قيمة الكيلو جرام الواحد من الأسماك المصدرة إلى الخارج يساوي 2.23 دولار؛ ما يوازي 446 ريالاً يمنيا (بشكل عام). فإذا ما حسبنا متوسط قيمة بعض أنواع الأسماك المباعة في السوق المحلية والذي قد يبلغ 1450 ريالاً للكيلوجرام الواحد، فإنه بذلك يكون قد تجاوز ثلاثة أضعاف متوسط قيمة الأسماك المصدرة تقريباً. وعليه فإنني وجدت أنه من المشوِّق أن أبحث في بقية الأرقام الواردة في التقرير الذي احتوى على العجائب، ولا حتى يُصدر عن بائع بقالة، مع احترامي للأخوة القائمين عليه في وزارة الثروة السمكية.. لذا وضعت هذا الموضوع، باختصار، على قسمين:الأول: تحليل للأرقام الواردة في التقرير:ولا أود هنا أن أتطرق إلى النظريات والأسس التي تبنى في ضوئها البيانات ليتم تحليلها بحيث يمكن وضع معامل أو قياس عن مدى إمكانية الزيادة أو النقصان في المنتج، والتأثير المستقبلي على المخزون العام، وهل أكسب البلد دخلاً مميزاً أم أنه أثر سلباً على الثروة الوطنية ودون الإضرار بمصلحة المواطن المعتمد على هذا المنتج أو ذاك؟. فمن النظرة الأولى إلى ذلك التقرير نجد أنه تقرير عشوائيٌ فيه تخبط واضح، سواء في التصريحات المتناقضة أم في الأرقام غير المتوافقة الواردة فيه؛ دون مراعاة لذهنية القارئ وفطنته، أو احترام لأستاذية العديد من القراء ذوي التخصصات التي لا تمزح مع الأرقام أو مع هكذا تقرير، وبالتالي ظهر هذا التقرير بعيداً عن الواقع وكأنه مادة إعلانية دعائية تحت ذلك العنوان العريض الطويل يخاطب بشراً أميين وتناسوا أن الصحيفة موضوعة على « النت « ظاهرةً لكل العالم أجمعين؛ أي بمثل ما نصدر أسماكنا لنعرف العالم بها ، كذلك نصدر بلاوينا ونكشف عورات مختصينا في تلك الوزارة.فإذا ما نظرنا إلى الفقرة الثالثة من التقرير التي تقول: « وأرجع وزير الثروة السمكية محمد صالح شملان أسباب ارتفاع حجم الصادرات السمكية إلى الطلب المتنامي على الأسماك اليمنية عربياً وعالمياً بالإضافة إلى التراجع الملحوظ في كمية الأسماك المصطادة في كافة أنحاء العالم.. « وكأن السمك لا يوجد إلا في اليمن، مع أن متوسط ما تم تصديره إلى 53 دولة كما ذكر بمعدل لا يتجاوز 300 طن يومياً فقط، وهو رقم أقل من متواضع بالنسبة لدولة تمتلك شريطاً ساحلياً يتجاوز طوله ألفي كم؛ سنجد أن التناقض قد بدا واضحاً في الفقرة ما قبل الأخيرة من التقرير التي تقول: «وكانت عائدات الصادرات السمكية خلال العام الماضي 2007م تراجعت بنسبة 13.8% إلى 197 مليون دولار مقارنة مع 259 مليون دولار في عام 2006م. وعزت وزارة الثروة السمكية انخفاض عائدات صادرات اليمن من الأسماك والأحياء البحرية إلى انخفاض حجم الكميات المصدرة من الإنتاج السمكي إلى 81 ألف طن مقابل 89 ألف طن للفترة نفسها..». هذا التناقض في الفقرتين يدل على أن التقرير لم يكن إلا بروازاً دعائياً للمنتج ولكن قد جنت على نفسها براقش.. فهو يتنافى مع أبسط حقوق المواطن اليمني في حصوله على ذلك المورد الغذائي المهم بقيمة تتناسب ودخله اليومي أو الشهري المحدود. وأدهى ما في الأمر أن من صاغ التقرير قد « اكتشف « أخيراً أن انخفاض العائدات سببه انخفاض الكميات المصدرة وليس سبب أو عامل اقتصادي آخر.. فبالله عليكم هل هذا كلام علمي أو منطقي رصين يصدر من وزارة على سن ورمح كما يقال ؟؟ وإذا ما تطرقنا إلى الأرقام الواردة في التقرير سنجد عيباً واضحاً، لا يسمح لأي مبتدئ في الاقتصاد أن يرتكبه، وهو أنه تم الاعتماد في ذكر البيانات الرقمية أحياناً على معاملين اقتصاديين هما معامل الكمية بالطن ومعامل القيمة بالدولار وفي أحيان أخرى ينتفي معامل الكمية ويكتفي بمعامل القيمة فقط؛ كما جاء فيما تم تصديره عبر المنافذ المختلفة وهذا خطأ فادح ترتكبه الوزارة، ما يدل على عدم معرفتها بالبيانات في حجم الكميات التي صدرت من منافذ الحديدة، والمهرة وصنعاء (العاصمة)، مع أن صنعاء لا تملك إلا منفذاً واحداً فقط هو الميناء الجوي، المطار!!.. كما يذكر التقرير أن الكمية المتبقية (لم يذكر مكوناتها أو حتى حجمها وقيمتها) قد تم تصديرها عبر القوارب العاملة في البحر الأحمر.. إنه لشيء مؤسف أن تتم مغالطة القارئ وتهميش المعلومة بهذه الطريقة غير المبالية لثقافة القارئ الكريم ومتجاهلة تصريحات قيادتنا السياسية وعلى رأسها رئيس الجمهورية الأخ علي عبدالله صالح الذي يؤكد على ضرورة وجود الشفافية في أعمال وتقارير الحكومة وعدم التعتيم أو المغالطات.. فأين نحن من هذا؟.أما القسم الثاني من موضوعي هذا فإنه يتطرق إلى مدى واقعية التقرير « السمكي « وواقعنا المعاش. فإذا ما أخذنا كمية الأسماك الطازجة التي صدرت في الفترة المبينة فيه بإجمالي 19215 طناَ بقيمة 67254000 دولار أمريكي، سنجد أن متوسط قيمة الكيلوجرام الواحد المصدر يبلغ 3.5 دولار؛ أي ما يعادل 700 ريال يمني فقط، ونحن في أسواقنا المحلية وبمدننا الساحلية نتجرع أدنى سعر للكيلو جرام الواحد بقيمة 800 ريال وأعلاه بقيمة 2000 ريال ! مع أن التقرير يتفاخر بأن تصدير الأسماك قد جلب للدولة «عملة صعبة»! ولم يبال إلى صعوبة ما يعيشه المواطن اليمني في حصوله على 100 جرام من السمك. فكيف لنا أن نقتنع أن ما نصدره من ثروة وطنية يجلب عملة صعبة في الوقت الذي فيه لا يجد المواطن ما يقتات منها لملء بطنه.. إن ذلك يتطلب من وزارة الثروة السمكية إعادة النظر في بناء إحصائياتها بدقة لمعرفة احتياجات السوق المحلي، أولاً، واكتفائه بالأسماك وما فاض عنها يمكن تصديره.. إن هذا العمل يتطلب جهداً كبيرا، إدارياً وتنظيمياً، في آليات العمل من إنتاج، وتفريغ، وشحن، ودعم الصياد الفردي والتعاونيات السمكية وتقديم التسهيلات المناسبة لهم، وفرض القوانين الصارمة وتفعيلها أما شركات الاصطياد الأجنبية والمحلية العاملة في مياهنا الإقليمية للحفاظ على ثروتنا وغذائنا الأساس الذي يعتمد عليه كل مواطن يمني في وجبته اليومية.. ولكن ما نلاحظه، كما يشير التقرير، أن منتوجنا من السمك مطلوب « عربياً وعالمياً « ربما ليس لأنه مرغوب جودة أو نوعاً، وإنما لأنه رخيص جداً، مقارنة بفارق سعر الدولار، يدفع ثمن الفارق ذلك المواطن الغلبان.. وكم كنت أتمنى من وزارة الثروة السمكية أن تضع لنا إحصائية تبين لنا الاحتياج أو الاستهلاك الفعلي لكل محافظة على حدة، وبالتالي احتياج كل مواطن من هذا الغذاء المهم.ورد في التقرير أيضاً أن من منفذ محافظة عدن قد تم تصدير 7035طناً من الأسماك بقيمة 10155000 دولار (1.44 دولار للكيلوجرام الواحد)؛ أي ما يعادل 290 ريالاً يمنياً فقط « وابلاشاه «!! وهكذا بالنسبة لبقية المنافذ الأخرى.. فهلا وعينا ذلك؟؟.* ماجستير علوم اقتصادية - بكالوريوس قانون عام