الفنان المسرحي عمر مكرم لـ « 14 اكتوبر » :
عمر مكرم فنان ومخرج وكاتب مسرحي وصحفي متألق، له حضور إبداعي على الساحة الثقافية اليمنية، مسرحاً وإذاعة وتلفازاً وصحافة، والمتتبع لمشواره الإبداعي يكتشف فيه تنوعاً لافتاً واصراراً على خوض غمار عالم الإبداع بكل ما أوتي من موهبة، حتى كون لنفسه رصيداً يستدعي الإشارة إليه والإشادة به والتعريف بتاريخه.ففي إطار نشاطه المسرحي وإسهاماته الصحفية وموهبته الشعرية وجهنا إليه مجموعة من الأسئلة، عن البدايات ومراحل التكوين وما هي حصيلة هذا المشوار وما هي مشاريعه الجديدة، وعن رأيه في المسرح اليمني وأسئلة أخرى ستجدون الإجابة عنها في هذه المقابلة التي خص بها صحيفة الرابع عشر من أكتوبر كونها مدرسته الصحفية الأولى التي بدأ فيها رحلته مع الكتابة ..ـ ..... ؟!- بدأت خطواتي الأولى في مجال الإبداع أجرب كتابة الشعر مزاملاً للشاعر الجميل مبارك سالمين.. لكني تركت الشعر ومسالكه لرجالاته ووجدت في المسرح ضآلتي التي تمنحني مجالاً أرحب لعطاءات متنوعة.. بدايتي كانت في المسرح المدرسي مع الأستاذ القدير ابوبكر القيسي وضمن برنامج المسابقات المدرسية.. ومن القيسي تعلمت الكثير .. ووجدت الكثير من النصح والإرشاد وفي مركز المنصورة الاجتماعي كان المخرج التلفزيوني الراحل رياض عنتر يمنحني فرصة أول ظهور على الشاشة الصغيرة في العمل الدرامي بدور (ساعي البريد) وكان ذلك في أوائل السبعينات.. ليمسك بيدي بعدها أستاذي القدير احمد محمد الشميري ويقودني نحو معهد الفنون الجميلة في أول دورات المسرح تحت إشراف الخبير المصري سامي عبدالنبي حيث أتعلمت حينها أبجديات العمل المسرحي من منظور علمي وفي ساحة المعهد أقدم بعض الأعمال التطبيقية.. وأعود للشاشة الصغيرة مجدداً في أعمال درامية أسبوعية من خلال برنامج ـ مشكلة وحل ـ وبرنامج ـ لو كنت مكاني ـ وهما من إخراج الفنان محمد قاسم ضالعي اعود للمسرح في أول بطولة مطلقة عبر فرقة أكتوبر للمسرح والفنون من خلال مسرحية القاعدة والاستثناء والتي أخرجها الأستاذ احمد الشميري ضمن البرنامج المسرحي لمعرض المعارض الذي كان يقام حينها في مدينة المعلا.. وتكون مشاركتي الأولى في المهرجان المسرحي الذي نظمه اتحاد المسرحيين اليمنيين في عدن بمسرحية "المحامية" التي كتبها وأخرجها الأستاذ علي قاسم الخالدي وقد تقاسمت بطولة العمل مع الممثلة المعتزلة ياسمين.ـ ....؟- تجربة امتدت منذ بداية السبعينات حتى بداية الثمانينات توزعت بين المسرح والتلفزيون والإذاعة.. وقدمت خلالها عدداً كبيراً من الأعمال المختلفة أذكر منها: الملك هو الملك ـ عبيد والصراط ـ الفيل يا ملك الزمان ـ العقب الحديدية ـ الشهداء السبعة.. ومن الأعمال الدرامية التلفزيونية.. الطريق، غلطة أب، مصير امرأة، وتقريباً جميع المسلسلات الدرامية التي نتجها تلفزيون عدن في تلك الفترة.ومع بداية الثمانينات من القرن الماضي كنت احد أعضاء فرقة المسرح الوطني تحت قيادة الخبير الروسي افلاطون والمخرج اليمني عمر عبدالله صالح والراحل الأستاذ احمد سعيد الريدي والفنان المسرحي علي احمد يافعي.. ومن أهم الأعمال التي قدمتها خلال تلك الفترة حتى أحداث يناير 1986م كانت مسرحيات الحفيفي لمكسيم جوركي الشيخ عباد لعبدالمجيد القاضي ـ عطيل لشكسبير وهو العمل الذي اعيد اخراجه للتلفزيون المخرج الراحل وديع مغني.ـ ......؟- عام 1986م ذهبت الى الكويت لبدء مرحلة دراسية عليا وتخصص في مجال التمثيل والإخراج وكانت رحلة الجد والاجتهاد التي أمتدت على مدى أربع سنوات عملت خلالها على استخلاص كل معارف وخبرات الاستاذة الاجلاء من جمهورية مصر العربية ومن دولة الكويت الذين لم يبخلوا علينا بشيء مما يختزنوه في مختلف العلوم التي ندرسها ومنها المسرح بكافة فروعه الإبداعية والإذاعة والتلفزيون وعلم النفس والتاريخ الإنساني والإبداعي والموسيقى.. وعملت على اعطاء صورة مثلى عن إمكانيات الطالب اليمني واحمدالله الذي وفقني في ذلك.. فقد تم اختياري من بين طلبة المعهد مع زميلي شكري عبدالقوي من محافظة تعز لنكون مساعدين للمخرج المصري انور رستم وهو يقوم بإخراج عمل استعراضي في العيد الوطني لدولة الكويت وكنت حينها لازال في السنة الثالثة.. كما اني افخر بحصولي على المركز الأول في مسابقة اليوم العالمي للمسرح والذي شاركت فيه عدد من الفرق الأهلية الكويتية وقدم المعهد عملي الإخراجي "الثرثرة" للكاتب وليد اخلاصي وقد كتبت الصحف الكويتية حينها كثيراً عن ذلك العمل.وقد تخرجت في أواخر العام 1990م بتقدير جيد جداً عال مع امتياز في مشروع التخرج وهو الأمر الذي أثلج صدري بعد الجهود المضنية المبذولة في التحصيل العلمي والتطبيقي.وعند العودة عدت للتوظيف مجدداً في وزارة الثقافة والسياحة بعد تحقيق وحدة الوطن طبعاً.ـ ......؟- عام 1992م كنت أقود فرقة أكتوبر للمسرح والفنون إلى مهرجان قرطاج الدولي بمسرحية الفيل ياملك الزمان للمخرج الأستاذ اسماعيل خليل والتي حققت نجاحاً كبيراً في المهرجان، وقد صرح حينها الأستاذ الكاتب لو كان للمهرجان جائزة لأفضل عمل جماعي.. لكنتم أصحاب تلك الجائزة..وكانت لي مشاركتي في أول مهرجان مسرحي يمني على مستوى الوطن بعد تحقيق الوحدة المباركة بمسرحية الفيل يا ملك الزمان وفي المهرجان الثاني بمسرحية المحاكمة تأليف وإخراج الفنان علي يافعي.ـ ....؟- بعد تخرجي من المعهد العالي خضت تجربة الإخراج المسرحي وقدمت عدداً من الأعمال المسرحية كمخرج ومنها أذكر "ثورة الموتى والثرثرة وعيادة بالمجان وكفاية عنف وابو البنات" وأخيراً كان العمل الاستعراضي الغنائي "ربان السفينة" الذي قدم احتفاءً بعيد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بالاشتراك مع الأستاذ الفنان فيصل بحصو وهو من تأليف الممثل المبدع والشاعر الغنائي عبدالكريم مريد.ـ.....؟- مازلت متواجد في الدراما الإذاعية والتلفزيونية بحسب فرص الانتاج في هذين الجهازين الإعلاميين وكانت آخر أعمالي التلفزيونية "الشقيقان" وهو من الأعمال اليمنية المتميزة التي كتبها الفنان فيصل بحصو واخرجها المبدع التلفزيوني جيمل علي عبيد وإذاعياً كنت في رمضان المنصرم بمعية المخرج محمد سعيد منصر في المسلسل التاريخي عبدالله بن العباس الذي كتبه الأديب والناقد المخضرم فيصل الصوفي .. كما أني اعكف حالياً على إعداد الحلقات التلفزيونية "قاص وقصة" في ثلاثين حلقة وهي تناولة لحياة وأعمال ثلاثين قاصاً يمنياً وكتابة السيناريو لثلاثين قصة من إبداعاتهم وتحويلها إلى دراما تلفزيونية وعسى أن يجد هذا العمل طريقه إلى التنفيذ في القريب القادم.ـ ......؟- في الصحافة أجد بعض نفسي.. أجد مجالاً للحديث المسموع عما أريد الافصاح عنه.. أنا قد عشقت الصحافة منذ بداياتي الأولى في مقتبل السبعينات وكانت مدرسة الصحافة اليمنية صحيفة 14 أكتوبر وجهتي منذ ذلك الحين عبر صفحاتها ابوح بما في نفسي واصحح مسار وجهتي الصحفية وربما ساعدتني ميولي الدرامية في التميز بعض الشيء في الكتابة الصحفية التي اعتبرها احدى أهم النوافذ التي أطل من خلالها على الجمهور الكريم.. ولعشقي لعالم الصحافة لم أكتف بجعلها هواية بل جعلتها حرفة عبر عدد من الدورات المحلية المؤهلة للإعداد الصحفي والكتابة الصحفية.ـ ........؟- المسرح رسالة تحملناها لكننا مع الأسف لم نستطع أن نؤديها على الوجه الأكمل والصادق.. ولذلك عوامل عدة لا دخل لنا في بعض منها.. فالمسرح كما نعلم جميعاً أما أن يكون أهلياً أو أن يكون رسمياً وبين الاثنين تتباين وظيفته ودوره.. ولنأخذ مثلاً المسرح المصري ـ باعتباره رائداً ـ وننظر من خلاله إلى واقعه ما قبل قيام ثورة يوليو وبعد قيام الثورة المصرية وتشكيل فرقة المسرح القومي ومجموع الأعمال المسرحية التي قدمت خلال تلك الفترة والتي منها على سبيل المثال ـ سكة السلامةـ.ثم جاءت مرحلة الانفتاح الساداتية ووجد المسرح الخاص تنفساً طيباً وانتج أعمالاً خرجت بالمسرح من طور الشعارات والتوجهات الفكرية إلى القضايا الحياتية اليومية وركنت فرقة المسرح القومي في الظل هذه التجربة عشناها في مرحلتها الأولى هنا في اليمن قبل عام 1990م وظف المسرح للتوجه العام وسخرت كل الامكانات المتاحة في هذا الاتجاه.. حتى الفرق الأهلية أتاها المخرجون من الحزب الشيوعي العراقي.. والكتاب التقدميون.. وهكذا صار المسرح الأهلي رسمياً.. أما الفرقة الوطنية للمسرح فحدث ولا حرج فجل أعمالها كانت من نوع ـ بونتيلا وتابعه ماتي ـ دعوة إلى الجبهة ـ الفلاح والأرض ـ الأرض ياسلمى ـ الشيخ عباد.. وقياساً على ذلك لنا ان نعرف أن جمهور هذه العروض كان من جنود البحرية ومعسكر فتح.وبظهور مرحلة الانفتاح اليمني بعد عام 1990م رفعت الدولة يدها عن المسرح وعن دعمه وعن مسؤوليتها تجاهه وكانت الفرصة مواتية لتكرار التجربة المصيرية في اتجاهها الآخر خصوصاً وقد ظهرت بعض البوادر المشجعة التي نذكر منها: دنيا فالتو ـ هبله من الديش.. وغيرها من الأعمال المسرحية الأهلية التي بدأت تتلمس طريق الإنتاج الخاص لكن للأسف تخلى القطاع الخاص عن المسرح كما تخلت عنه الدولة فصار المسرح اليمني كطائر بلا جناحين، فكيف يمكن له أن يحلق؟ـ ........؟- الفني عموماً .. كما هو حال الرياضة ايضاً.. صار استثماراً وطنياً.. وصارت كثير من الدول تضعه ضمن خططها الاقتصادية فالبرازيل معظم عائداتها القومية من استثمارات لاعبيها الدوليين.. ومصر أجتهدت كي يحقق فنانوها عائد قومي مهم وكذلك فعلت لبنان وتفعل سوريا فما الذي فعلناه نحن..؟العقلية التي تقود جوانب الإبداع والإعلام في بلادنا لم تتمكن حتى اليوم مع الأسف من استيعاب تلك الحقائق لا تعرف كيف تخطط للاستثمار وللعائد المادي.. فينحصر تفكيرها في الاستيراد فقط، ولا علاقة لها بالتصدير نحن لدينا الفنون بمختلف أشكالها التي يمكن ان تكون سلعة رائجة في الأسواق العربية لكننا نعجز في تقديمها في الترويج لها، في الإعداد لها وتجميلها وتقديمها بشكل يتناسب مع حاجة الآخرين لها.. مشكلتنا تكمن في نظرتنا الدونية لذاتنا ولذات مبدعينا وقدراتنا الإبداعية نستكثر على أنفسنا صناعة نجم من بيننا.. فالكون فقط في هدم كل ما هو جميل حولنا.. ولنا مثل بسيط في ذلك أنظروا اين اصبح موقع فناننا الجميل احمد فتحي في خارطة الغناء العربي بعد ان غادر الحدود اليمنية.. ومن هو اليوم ابوبكر سالم بلفقيه وما الذي حققته إشراق في سماء قاهرة المعز؟ وأين كان يمكن ان يكون موقع علي يافعي أو مديحة الحيدري أو هاشم السيد أو نبيل حزام أو آدم سيف أن وجدوا فرصة كتلك؟ـ ........؟- ما يقدم اليوم من ارهاصات ومتناثرات مسرحية هنا وهناك وبين الوقت والآخر هو في مجمله اجتهادات خاصة ولا يمكننا ان نعتبرها نشاط مسرحي.. فهي لا تلتقي حتى مع النشاط الموسمي الذي يمكن اعتباره إلى حد ما منظم لكننا مع ذلك نعتبرها جهود طيبة يشكر القائمون عليها لانهم يشعلون شمعة في ليل مسرحنا اليمني.. وان كانت هناك جهود حقيقية ينبغي ان تكون فلا اقل من المهرجان المسرحي اليمني السنوي الذي ينبغي ان تعود اليه الروح.. وفي اعتقادي انه من خلال هذا الانتظام ستجتهد المحافظات في إيجاد نوع من النشاط المسرحي الدائم الذي سيهيء لهذا المهرجان.. وان تحقق ذلك فانه سيكون عاملاً مسانداً لتشغيل المسرح في المديريات وسيخلق روح التنافس فيما بينها في سبيل الفوز بتمثيل المحافظة في المهرجان المركزي.. ومن هنا يمكن أن ترسي أسس سليمة لديمومة مسرحية مأمولة..واحمدالله كثيراً على تسديد خطاي في هذا الاتجاه الذي صار بديلاً عن الفعل المسرحي الذي ركد منذ زمن ولا نعلم متى تتحرك مياهه الآسنة!!ـ..... ؟- الشعر عندي حالة افراغ لكنونات النفس.. وأنا لا اسميه شعراً بالمفهوم المقونن لدى الشعراء الكبار .. وكل ما في الأمر احساس تترجمه مفردات لغوية تتناثر على جرس موسيقي في جوانب حديقة لا تنمو فيها غير الزهور .. وربما قد صارت اليوم إلى حالة نضج أكبر مما كانت عليه في بدايات التجربة الأولى.. وعموماً هي تظل حبيسة انفعالات وقتية تخمد جذوتها بعد حين.