نورة الخاطر من الطبيعي أن تأخذ الحياة دورتها فيما بين الأفراد وتدور بما يحفظ للحياة ديمومتها ولكن من غير الطبيعي أن ينشغل رب البيت أو المشرف عليه بتزيين ركن في المنزل بلوحة جميلة أو بتنظيف الساحة الخلفية من بعض الأوراق المتناثرة بينما ألسنة النار تشتعل مرتفعة حول هذا المنزل فحتما هناك أولويات... وفي مثل هذا الحال ينطبق الأمر على موضوعنا هذا فمما لا شك فيه بأن الجدل الدائر حول الفتوى والإفتاء إنما كان بسبب اجترار الفتاوى دون إجماع أو دراسة لما يترتب على تلك الفتاوى من تداعيات تطغي بسلبياتها على إيجابيات ربما تكون محصورة بأفراد ولا يتحقق من خلالها خدمة الأمة أو تحقيق مصالحها بما يخدم مسيرة حياة أبنائها علي الوجه الأكمل والذي ينشده ويتطلع له عامة المسلمين، وبناء على خضم الإفتاءات التي تصدر من هذا وذاك شاب اللغط الكثير منها وأضحي تقبل الفتوى مرهون بمدي استنادها لمصدري الشريعة الأساسيين القرآن والسنة ومن ثم مواءمة ذلك لحياة الأفراد بما لا يجعل مجالاً للشك في حلها من حرمتها فإذا أتت هذه الفتوى الحديثة لتنسف ما تعارف عليه السلف والخلف علي مدي قرون فإن الأمر لابد وأن يقابل بفتور من العامة.. فالأمر يتطلب إجماعاً وليس مجرد اجتهاد فردي.. والاجتهاد وإن كان مقبولا ومطلوبا في زمننا الحاضر إلاّ أن مدارسته مع بقية العلماء في المجمعات الفقهية التي يقوم عليها كبار علمائنا أمر لابد منه قبل التسرع بإعلانه ومن ثم نشره في الصحف كفتوى عامة والتي من المفترض أن تعني الإلزام لكونها حكم بني على مصادر الشريعة وإجماع العلماء، وليست مجرد رأي قابل للجدل. خاصة وأنه بالتسرع يفتح مجالاً للعامة في إتباع الهوى ومن ثم إلقاء التبعة على هذا المفتي أو ذاك هذا عدا ما يتركه مثل هذا الأمر من انطباع سلبي لدي البعض الآخر كالفتور الذي يشوب تقبل العامة لفتاوى العلماء مما يفقد الفتوى قيمتها الروحية والمعنوية نظراً لما يشوبها من لغط وما تعمل على محوه من أثر لفتاوى أجمع عليها علماء الأمة لقرون متعاقبة وليس مجرد عقود متقاربة هذا مع ضرورة مايترتب علي ضبط الفتوي بضوابط تجعل منها حكماً يسنده علم غزير وتفقه في الدين لابد وأن تحكمه ضوابط لم يغفل عنها علماؤنا القدماء والاستخفاف بمثل ذلك أمر لا يمكن الاستهانة به، وفيه خطر أكيد علي مستقبل العامة فعندما يفقد العلماء الهيبة والمصداقية تتخلخل مبادئ وقيم تبني علي أساسها مجتمعات سوية قادرة علي حماية الأمة مما يعترضها من شبهات ومخاطر تهدد مبادئ العقيدة السمحة التي إنما بنيت علي ما يخدم الفرد ويحقق نماء المجتمعات وسيادة الأوطان. وحال العلماء لايختلف عن رب المنزل في بداية الحديث فعندما ينشغل العلماء بأمور تثير الجدل في الوقت الذي يستصرخ فيه الضعفاء المسلمين هنا وهناك دون مغيث وتتوالي فيه الفتن والمحن ويتجرأ فيه الصغار والسفهاء على عقيدة الإسلام وخاتم الرسالات والأديان نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام تتزحزح الثقة متراجعة للوراء.. ومما يستدعي الحذر ويوجب التدارس حكمان صدرا كفتوى من عالمين جليلين نحترم علمهما و قولهما إلاّ أن القول لا يعتبر قرآنا منزلاً يستلزم البصم على صحته وما يثير الضيق توقيت الطرح بما لا يناسب الوضع العام حيث تحتاج الأمة لما يقوي صفوفها وينأى بها عن الجدل العقيم بما لا يحقق مصالحها فأبناء المسلمين مدعوون للالتفات لما هو أهم من مثل تلك الطروحات وليس هناك مايفوق أمر الحفاظ على أركان الأمة من منطلق العمل علي حفظ الأوطان مما يتهددها من مخاطر.. وأعتقد بأن بعض العناوين التي تصطدم بها أنظارنا من خلال الصحف تتسبب بالكثير من الإحباط بل والضيق مثال ذلك هذين العنوانين (مفتي مصر: اقتناء الكلاب لمؤانسة الوحدة مباح شرعاً!) والآخر (الشيخ المطلق يجيز زواج المتعة ويشترط عدم إخبار الزوجة!) ربما يتفق معي البعض على كونها عناوين صادمة محبطة بل ومؤلمة من حيث أن الرأي يختلف عن الفتوى فالفتوى تعتبر شريعة عامة... وقد كان من ورع الأئمة المجتهدين إطلاق لفظ الكراهة على ما يرونه محرما ولفظ الاستحباب عل ما يرونه حلالا وما ذلك سوي تحرزا من القول بالتحريم أو التحليل في أمر لم يقطع به نص شرعي... فكيف بأمر وردت به النصوص وأجمع عليه السلف؟! فهل يعقل أن يتطلب موضوع الكلاب تدخل العلماء بمثل فتوى الدكتور علي جمعة مفتي مصر والذي أباح اقتناء الكلاب لمؤانسة الوحدة والفراغ عملاً بقاعدة الضروريات والحاجات التي تنزل منزلة الضرورة... إلى آخر الخبر الذي من الممكن أن يفتح المجال للتعامل مع الكلاب كما يتعامل مترفو الغرب حتى تبعهم العامة فأضحي الكلب ضرورة لكل بيت وفي كل بيت! بل ومن المفارقات العجيبة أنه وفي الصفحة الأخيرة لجريدة الراية المنشور بها الفتوى والموافق ليوم الجمعة 6/4/2007م العدد (9099) نشر عنوان يقول (150 جنيها للإقامة الكاملة للكلب في اليوم.. فندق فاخر للكلاب في مصر!)... وإن كان المفتي في إباحة الاستئناس بالكلاب قد أخذ برأي السادة المالكية في طهارة جسم الكلب فأين نحن من نجاسة لعابه التي تستدعي الغسل سبع مرات يكون التراب سابعها وأين نحن من خطر مرض الكلب الناتج عن العض وما إلى ذلك من تهور الكلاب كما حدث مع الطفلة المصرية التي شوه وجهها كلب الأمير السعودي في أحد فنادق مصر... إلى آخر تلك التهديدات المرتبطة بالتعلق بالكلاب وما إلي ذلك من تصرفات لم يأت الله بها من سلطان وآخرها أمر هذا الفندق للكلاب المترفة أو كما يقولون كلب الوزير وزير كلاب... اللهم ألطف بنا جميعا فالترف إذا شذ وتعدي الحدود فدلالة أكيدة علي خلل ما... ولا أعتقد أن موضوع الكلاب يستدعي فتوى فقد اقتني العرب الكلاب للحراسة ومرافقة المعاق وللصيد وغيره.. والحرمة إنما في التعامل مع الكلب كابن مدلل ينام علي فراش وثير داخل البيت أو في فنادق المترفين بينما عامة الشعب ما بين متغرب يبحث عن لقمة العيش وعاطل مهدد بالانحراف وآخرين في ظروف صعبة لا يجدون المأوي ويعيشون علي هامش المجتمع في معاناة مع الفقر وتداعياته.. أما علي الجانب الآخر من الفتاوى فإنه وبعد قرون من الجدل ما بين أهل السنة والشيعة حول حرمة زواج المتعة من حله، وبعد الجهد الجهيد في تتبع الأدلة التي تثبت صحة استناد كل منهما لرأيه وبعد أن تيقن لأهل السنة حرمة هذا الزواج بعد أن كان حلالا لفترة زمنية قصيرة بعد ظهور الإسلام ومن ثم صحة الحرمة التي قال بها رسول الله صلي الله عليه وسلم تنظيما وحفاظاً للأسرة المسلمة حيث ورد في صحيح مسلم من حديث سيرة الجهني أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال يأيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منه شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا وهناك ما رواه البخاري من حديث الحسن وعبدالله ابني محمد ابن الحنفية عن أبيهما أنه سمع علي بن طالب يقول لابن عباس نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الإنسية هذا عدا الكثير من الأدلة والإثباتات التي تقول بحرمة هذا الزواج والذي نختلف مع الشيعة القائلين بحله بل والجدل بخصوصه لم ينته... يأتينا اليوم من يقول بإباحة هذا الزواج!! هكذا فجأة ودون مقدمات فهل إجازة مثل هذا الزواج من باب الدعوة للتقارب فيما بين المذاهب؟! ألا يعتبر في مثل هذا الحكم هدم لكل الأساسات التي قال بها علماء أهل السنة والجماعة والتي إنما بنيت على علم من الكتاب والسنة فكان الحكم بالحرمة مستنداً لهذين المصدرين وهما أساس التشريع الإسلامي... ألم يكفنا تفتق الذهن لدي بعض (علماء الشريعة) مما ساهم في ظهور مسميات للزواج أثبتت فشلها في تحقيق الأهداف المنشودة من وراء تحليلها مثل زواج المسيار والفرند أينقصنا مثل تلك الفتوى التي أجازت زواج المتعة المختلف عليه حيث قال بذلك الشيخ عبدالله بن محمد المطلق عضو هيئة كبار العلماء في السعودية والذي أجاز زواج المتعة للمبتعث للدراسة في الخارج إذا خشي على نفسه من الوقوع في الحرام على أن يكون ذلك بنية الطلاق! الراية 25 مارس 2007م.. وهكذا أجاز بفتواه ما أجمع العلماء على تحريمه مع ملاحظة ما يفتحه هذا الباب من جدل واسع لا حاجة للمسلمين في وقتنا الحاضر في الإنشغال به فالخوف من وقوع الشباب في الحرام لا يكون حله بتحليل الحرام فالحرمة واحدة فالزنا حرام وزواج ما يسمى بالمتعة حرام وهل الحلال مرتبط بصدق النوايا أم بالمسمي والورق ومالفرق بين من يتخذ صديقة ويتفق معها علي العيش سوياً ويعاشرها معاشرة الأزواج مع شهادة كل الزملاء وربما يكون بينهما اتفاق مكتوب وبين ما يتطلبه زواج المتعة المشار إليه هل هو نية الطلاق والذي يتساوي مع نية المفارقة في الحالة الأولى... ثم ألا يعتبر شرط الطلاق في الزواج من الأمور المبطلة للزواج من الأساس؟! ألم يكن من الأولى تحليل ماثبت حله، فإن استعصي على الشباب الصبر فليتزوج الراغب منهم بامرأة من هذه البلاد ممن يجد فيها الخلق الذي يجعل منها زوجة صالحة علي ألاّ يبيت النية بالطلاق فهذا أمر متروك للتوافق في مستقبل الأيام، والضرر ليس بالزواج بالأجنبية بل بكيفية الاختيار وطريقة المعاملة وأسس تربية الأبناء... و في مثل هذا خير له من الالتفاف حول الشبهات والتعلق باجتهادات بنيت على أسس من آراء فردية بل أبطلت في حكمها أحكاماً بنيت علي مصادر الشريعة الحقة... ولا أقول ذلك من منطلق فقه أو إفتاء فالفتوى في الحل والحرمة تتطلب شروطاً في من يحق له الإفتاء... فالإفتاء شرعا كما قال به علماء الفقه وأصوله هو بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على وجه العموم والشمول... ولكن القول من منطلق رأي وفكر يستدعي المناقشة باعتبار ما طُرح آراء لم يتحقق لها الإجماع والرأي قابل للأخذ والعطاء... وفق الله علماءنا لما فيه الخير في ديننا ودنيانا[c1]* نقلا عن صحيفة (الراية) القطرية [/c]
فتاوى العلماء ما بين الاستئناس بالكلاب والمتعة بالنساء!!
أخبار متعلقة