ليلة أبينية لحجية
عبدالله بن كدهصادف الخامس من مارس الجاري الذكرى الرابعة لرحيل فارس الكلمة الفقيد أحمد مفتاح عبد الرب الشاعر والصحفي المبدع، وبهذه المناسبة نظم فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في أبين أمسية أدبية تدشيناً للفعاليات الثقافية كرست لسيرة الفقيد مفتاح ومراحل حياته وذكرياته من خلال عدد من المداخلات والنقاشات التي قدمها عدد من الأدباء والفنانين والمهتمين والصحفيين الذين عايشوا الفقيد وعرفوه عن قرب وكان الأستاذ أحمد ناصر جابر رئيس الاتحاد بالمحافظة قد رحب في بداية الأمسية بالحاضرين جميعاً وخص بالذكر الفنان القدير عبدالكريم توفيق والفنان القدير عوض أحمد والفنان القدير فضل كريدي الذين أضفوا على الأمسية لوناً مميزاً وزاهياً.وقدم الأستاذ عمر محمد حبيب مداخلة بعنوان أحمد مفتاح شاعر رائع، وصفه فيها بصاحب القلم الجريء والرشيق والأديب والشاعر الأنيق الذي ظل يطرز بقلمه صفحات عدد من الصحف والمجلات بكتاباته البديعة منذ السبعينات حتى توفاه الأجل المحتوم، كما استعرض حبيب بعضاً من ذكرياته مع الفقيد في عدن عندما كان طالباً في كلية التربية بدءاً باللقاء المفاجئ الذي جمعه به من خلال أحد الزملاء العراقيين في الكلية حيث تعرف على الفقيد وأخبره بوجود حبيب، ومن هناء بدأت مرحلة من العمر مع المفتاح لن تمحى من الذاكرة ... ويضيف حبيب أنه سمع يوماً من الإذاعة أغنية بصوت الفنان عصام خليدي وكانت كلماتها تلج إلى الفؤاد دون استئذان لما حملته من تعابير بديعة ولحن وصوت تتسابق في بعد جمالي هو أبدع ما يكون لشاعر مبدع بمقام الشاعر والأديب والصحفي أحمد مفتاح ومن تلك الكلمات :بعيد تسأل عليك الدار [c1] *** [/c] وأهــــل الـــدار في داركيبوا بايعرفوا الأخبــــار [c1] *** [/c] ترى ايش أخـر أخبــــاركبعدنا والزمن فـــــــرق [c1] *** [/c] قلوب سارت عليه مشوارتركها البعد تحتــــــرق [c1] *** [/c] وعلقهــا علـــى تذكـــــار واستذكر حبيب فترة منتصف الستينات وبداية السبعينات حينما كانت المنافسة على أشدها بين الفنانين، وكان الفقيد المفتاح قد كتب أجمل الكلمات الشعرية الغنائية، وكان الفنان القدير العطروش حينها بحث عن نص غنائي يتحدى له قدرات الفنان المبدع فضل محمد اللحجي، فوجد ضالته في شعر المفتاح دون سواه فأخذ قصيدة غزلية جميلة ورقيقة بعنوان (نيسان) وأبدع في صياغة لحنها واختارلها الصوت الرقيق والمتدفق للفنان عبدالكريم توفيق ومن كلماتها:يادي نسيت الود من قلبـــــك [c1] *** [/c] وصبحته من الدنيــا عــــدمبعد الوفاء عاديت من صانــك [c1] *** [/c] وسوى لك على النجمة علـمرفرف على أيام ماتعرف ضنى [c1] *** [/c] حـيره ولاحســـرة نـــــــــدمرجعتها كأس من قوة فــؤادك [c1] *** [/c] كاس يطفـــــــح بالألـــــــمويستطرد حبيب الذكريات عن الفقيد أحمد مفتاح في فترة السبعينات في عدن وكانت فترة الزخم الجماهيري الثوري والحماسة، وكان لابد أن يعبر المفتاح عن بناء الوطن والأرض اللذين تحررا من طغيان الاحتلال والاستعمار ولأنه من المناضلين الحقيقيين الذين قاسوا المرارة والتعذيب والحرمان فقد أبدع في مناداة سلمى معبراً لها عن كل أحاسيسه الجياشة حين قال:ألا حطـــــوب ألاسيلــــــــوه [c1] *** [/c] وياسلمى انا جبت الحطب والماءواختتم مداخلته بالقول : لقد كان المرحوم الفقيد المفتاح من المؤسسين للحركة الرياضية في أبين (كان لاعباً لكرة السلة) والحركة الثقافية وهو لحجي الميلاد أبيني التربية والتعليم تشبع بثقافة وتعليم عدن وتأثر ببحرها وناسها الطيبين.أما الأستاذ فهد عبدالله حاتم فقد قدم مداخلة بعنوان (لقاء المعلى مع المفتاح) وأشار إلى أن ما دعاه إلى نبش صفحات الماضي والذكريات هو ما أخبره به الصديق هادي سالم علي بأن الكاتبة الصحفية الوفية سلوى صنعاني تتحرك لإصدار كتاب عن الفقيد المفتاح، معبراً عن إعجابه الشديد بهذه الإنسانة التي تتصرف بشهامة في كل كتاباتها المتميزة بالمؤازرة وقت الشدة وكرهها للابتذال ويستطرد : ( معرفتي بالمفتاح عن قرب أكثر كانت في المعلى الحبيبة والساحرة في ليلة كانت فيها عدن عروساً تزفها المحافظات الخمس في عرس بهيج احتضنته المعلى في معرض المعارض، وكانت المفاجأة عندما طلب أستاذي فضل أفندي أن ننتظر صديقاً سيرافقنا إلى المعرض ليبدو بعد دقائق المارد الأبيني الاسمر أحمد مفتاح الذي لحظتها أعادني إلى ذكريات الماضي في الثانوية وأناشيد العطروش ولحظات عشناها كنا نرىي فيها ذلك المفتاح رمزاً يجسد الطموح الممنوع ونزق الثوار، وكان رحمة الله عليه في نظرنا أنه من بيئة أخرى وشيء أكبر مما نراه»ويقول حاتم: ذكرت المفتاح ببعض الأيام الخوالي وما فيها من نضال وسجن ومنشورات كان يوزعها بين الناس متنقلاً على قدميه كساعي البريد وقارنت كل ذلك بحالة حينها ووضعه ولم أدر أن ذلك سيغضبه، ولكن بعدها أيقنت بأن كل ما قام به المفتاح ورفاقه من الشباب التواقين إلى حرية والاستقلال ما كان إلا نابعاً من قناعاتهم وإيمانهم بكل ما قاموا به ولم يفكروا في حصاد مازرعوه.وأضاف حاتم: غيرنا موضوع الحديث وتذكرنا زنجبار وأهلها، وراح مفتاح يعدد بأصابعه سمرات باشحارة وسواحل وشارع مقهاية ليه ومخارط العصلة والدحيف الشقري وعمالقة الشعر حينها أمثال أبو جنيه والحاكم وباسحيم وعبقريات العطروش وروائع الكيلة وأشعار نسير وإبراهيم عمر شيخ وصوت عوض أحمد وغيرهم، وكان حديث المفتاح لايمل ولهجته خليطاً من زنجبار ولحج ولكنة شقرة والدرجاج وقليل من الفصحى وكلها معجونه بالبهارات العدنية العذبة.وأتذكر كلمات المرحوم في لحطة الوداع وحينها كنت مسافراً إلى خارج الوطن وكنا ننوي العشاء فقال لي وللأستاذ فضل «روحوا أبين وتعشوا وخلي أمل تصلح لك سكوع ومشكين عيد باتبكي عليها في ذيك البلاد» وبعد سماع المداخلتين وحديث الذكريات توالت الأحاديث يتجاذبها الحاضرون في أمسية جميله أمتزج فيها نسيم ساحل أبين مع عطر فل الحسيني، وتحدث الأستاذ عبدالله قيسان قائلاً إن المرء يقف وقفه إجلال أمام هامة وقامة أحمد مفتاح ويفتخر ويفاخر به عندما يسمع الكثير عنه وعن سيرة حياته الطويلة المليئة بالمفارقات وعن أشعاره الجميلة التي رآها تتطابق مع أشعار الشاعر الكبير صالح نصيب، وتمنى أن نتوسع في الحديث عن أدب الفقيد ومراحل حياته، ذلك الإنسان المتواضع في طبعه الكبير في ذاته الثائر والمتمرد على واقعه.بعد ذلك أخذ بطرف الحديث الأستاذان أحمد مهدي سالم فضل الشبيبي واستعرضا جملة من الذكريات التي جمعتهما في العمل الصحفي في الفقيد، وهو الصحفي الجريء والشجاع والمتنوع صاحب النفس الوثابة والروح القوية وكيف كان يتعامل في تلك الفترة أثناء عمله في صحيفة (14أكتوبر) وما تميز به من إبداع وبراعة باعتراف الجميع.بعدها تدخل الفنان عبدالكريم توفيق الذي عرف المفتاح شاعراً في منتصف الستينات عبر الفنان العطروش وصحفياً في السبعينات وما تميز به من غزارة المعرفة وحسن الأسلوب الصحفي الذي منحه لقب شيخ الصحفيين .. وكان توفيق قد تمنى لو أن الكثير من الفنانين الشباب والأدباء شاركوا حتى يتشبعوا من سيرة حياته لأنه يستحق التكريم والحديث عنه ولم يكن يوماً متسلقاً ولا طامعاً في منصب أوجاه.أما د. فضل مكوع فقد وصف الأمسية بالمميزة بتميز صاحبها المفتاح وحضور كوكبة الفنانين (توفيق وعوض وكريدي) مشيراً إلى تنظيم ندوة لحصر المبدعين الكبار في أبين على شاكلة مفتاح وإنصافهم بجمع إرثهم وتخليدهم على كل ما قدموه لأبين والوطن.أما عوض أحمد بلبل بناء فقال عن المفتاح عبارات مختصرة معبرة واعتبره الأخ والصديق والحبيب، مستعرضاً ذكريات الطفولة بقوله(تربينا سوا مره وسري بعض من سره) .. وقال إنه نعم الناصح لنا عندما كان يردد (لازم نتعاون ونحب بعضنا بعضاً ونجتمع ونكون إخوة بحق وصدق).واشترك فضل كريدي مع بلبل بنا وصدحا بأغنية (تجابروا ياناس شعوا الدنيا دنيه .. غداره مغروسه لها ألفين ليه ... فيها إبن آدم ضيف نازل ما يدوم)وفي نهاية الأمسية تقدمت الأستاذة جميلة المطري عضو سكرتارية الأتحاد بالشكر والتقدير لكل من أسهم في هذه الأمسية، مشيرة إلى أن الستار لم يسدل بعد والمشوار يستمر في فعاليات الاتحاد الثقافية بأبين.