عدن في شعر د. محمد عبده غانم (الأخير)
هذه هي الحلقة الخاتمة لسلسلة مقالاتنا عن عدن في شعر محمد عبده غانم رحمه الله والتي خصصنا كل حلقة لكل ديوان من دواوينه وفي هذه الحلقة نتحدث عن ديوانه الأخير الذي صدر بعد وفاته بنحو خمس سنوات عام 1999م وكنت قد جمعته وكتبت له مقدمة واخترت له عنوانً “الأنامل الجافة”وهو عنوان إحدى قصائد الديوان ومعظم قصائد الديوان كتبت في الثمانينات في صنعاء ولكن هناك بعض القصائد القديمة التي تعود لمراحل سابقة ولذلك فالقصائد التي تتناول عدن في هذا الديوان قليلة ولعل آخر قصيدة تاليفاً في الديوان قصيدة “ لحن العودة” المؤرخة يناير 1990م عند زيارة والدي لعدن بعد غياب دام ثمانية عشر عاماً وكان والدي قبيل الوحدة قد استضافته الحكومة في عدن ومنحته وسام الآداب والفنون وكانت الحكومة الشمولية تحاول فتح صفحة جديدة أو الظهور بالانفتاح بعد سقوط حائط برلين وبالفعل أعلنت الوحدة الاندماجية بين الشطرين في نفس ذلك العام وان لم يدمج الجيشان مما أدى إلى محاولة الانفصال عام 1994م وما رافق ذلك من حرب كلفت اليمن الكثير من النفوس والمال. يقول غانم في قصيدته لحن العودة : [c1]شمسان ياشمسان جئتك عائداً بعد اغتراب طال في الحرماناولست شمسان الذي طفنا له نبكيه الاماق والأجفاناولست صورته التي ظلت تلاحقنا وتحضن حبنا بحنان أيطيق مشطور الفؤاد زيارة كيف الزيارة والهوى شطران أفلا تخافون الطواف يحل بالمفتون إما عاد في الأكفان شمسان قد عدنا وعادت وحدة كانت لنا في سالف الأزمان من كان يحسب أن شطرا يلتقي باخية في زخم من الأشجان[/c]هذه القصيدة كتبها غانم وقد جاوز الثامنة والسبعين ولم يكتب بعدها شعراً يذكر وكتبها قبل الوحدة باشهر ولكنه يتحدث فيها وكأنه الوحدة على الأبواب ولاشك أن غانماً كان سيكتب قصيدة عصماء لو كان في سن اصغر و كانت صحته أفضل إذ كان قد تعرض خلال السنوات لعدد كبير من المرضات الكبيرة كسرطان الأمعاء واختلال القلب ونمو متكرر في جدار المثانة وجلطة في الدماغ نجا منها ولكن أثرت على كفه فلم يعد يستطيع الكتابة إلا قليلاً وبشكل مرتجف وهو ما أوحى له بقصيدة الأنامل الجافة ومنها: [c1]لم تغدري بأخي الهوى حتى تجفي يا أناملأو تقلبي ظهر المحبة لصاحب رحب الشمائلصفو الدخيلة دائماً والله اعلم بالدخائلياطالما ناضلت عن حق الضعيف مع المناضلياطالما وجهت للأدب الرفيع فتى مصاولياطالما كافحت في نشر العلوم بال مقابل[/c]يحوي الديوان 53 قصيدة منها 34 قصيدة بيتية و19 قصيدة تفعيلية والقصائد البيتية عنده يغلب عليها الوضوح والموسيقى إما القصدئد التفعيلية ففي كثير منها شيئ من الغموض وغانم قد نشر القصائد التفعيلية في العقدين الأخيرين من عمره ليس مجاراة لموجة التحديد والحداثة فغانم هو رجل مثقف كبير امن بالتجديد والحداثة منذ البداية فادخل الرومانسية في الشعر اليمني قبل أي شاعر آخر مع تمكنه من الأساليب الكلاسيكية أو الكلاسيكية الجديدة وكان دائماً يعبر عن نفسه بصدق وفرادة شانه شان كل الشعراء الأصيلين الذين يرفضون تماماً أن يكونوا صدى لآخرين مهما علا كعب أولئك الآخرين ولذلك عندما تقرأ شعره لاتميز تأثر بشاعر معين بالذات الافيما ندر في بيت هنا أو بيت هناك ولكنك تشعر بأنه قد نهل من التراث بشكل عام ومن الشعر المعاصر وايضاً من الشعر الغربي الذي اطلع ايضاً على نماذج كثيرة منه فقد كان يجيد الانكليزية ربما أكثر من جميع أبناء جيله في اليمن كما كان ملماً بالفرنسية.. إما تخصصه في الأدب الغربي فكان في الأدب العباسي الذي كان يقدم فيه محاضرات في كلية الأدب وقد إلف كتاباً في ذلك الأدب.لقد رأينا غانماً يكتب قصائد بيتيه ذات نفس روحاني في دواوينه السابقة ولكنها في هذا الديوان نراه يكتب مرة أخرى عن الإسراء والمعراج في قصيدة تفعيليه بعنوان”معجزة”ومنها:[c1]سنابك البراق هل رايتهافأنت لاتدرك ألاما ترىالست هكذا تقول؟قد قلتها في السيد المسيحايولد المرء بلا أب..مكة والقدس الهي اجتمعافي ليلة الإسراءليتهما تجتمعان من جديد[/c]وحتى في شعر الحب الذي أبدع فيه غانم أيما إبداع في القالب ألبيتي بشعر متدفق تغمره موسيقى الشعر نراه يبدع في قصيدة “المشية” بالشكل ألتفعيلي وفي هذه القصيدة موسيقى ملحوظة:[c1]ومشينا وهي ترافقنيوتبادلني القول المعسولومضينا وهي تسائلنيماشان الشعر؟فقلت لها:مازال يصولفرنت بالنظرة ترمقنيوالبسمة في العينين تجولاسمعني آخر ماعندكفنفضت جيوبي كالمخبولابحث عن شعر مقبول.. [/c] في قصيدة يامرحبا ياعيد يتحدث عن أول عيد يمر بالجنوب بعد استقلاله فيقول فرحاً بالحرية ومنادياً بالوحدة:يامرحبا ياعيد قد وافيتنا[c1] *** [/c]والعيش طلق والزمان جديدرقصت بك الالحان لما أقبلت[c1] *** [/c]يمن الجنوب ويومها الموعودماعدت المح في الروابي راية[c1] *** [/c]كانت إذا خفقت نقول عبيداليوم أبصر راية عربية[c1] *** [/c]يمنية وإيمانها ممدودترنو إلى اليمن الشمال لعله[c1] *** [/c]يوما إلى اليمن الجنوب يعودإما في قصيدة دفاعاً عن الأوطان التي كتبها بعدن في 9 أغسطس 1968 ولعله يتحدث عن صراع الأمة العربية مع أعدائها المعتدين:ولاغرو أن شدنا الجديد فأمسنا[c1] *** [/c]أساس لمن أرسى وأعلى وشيداولسنا نباهي بالقديم تهربا[c1] *** [/c]من السعي للجلي إذا الخطب أرعداولكنه الماضي يعيش لحاضر[c1] *** [/c]نباهي به الماضي فخاراً وسؤدداوهو في هذه الأبيات يدعو إلى التجديد دون التنكر لأمجاد الماضي، فيوضح موقفه من التراث والتجديد.