في ظل اشتداد المنافسة بين المنتج المحلي والمستورد
المكلا / سبأ:في ظل العولمة الاقتصادية والتجارية الآخذة في التوسع على وقع سياسة الباب المفتوح لتدفق السلع والمنتجات دون قيود ، ما يزال المستهلك اليمني في غربة عن المنتجات المحلية.فإقبال الكثير من المستهلكين على المنتج الأجنبي في ظل توفر سلع محلية بديلة، يعكس حجم المشكلة القائمة في وقت ما يزال البحث عن حلول مجرد توجهات نظرية تحتاج إلى وقت أكبر لترجمتها عملياً..فيما يتزايد اتساع الفجوة يوماً بعد يوم.يعتقد عبدالله با بحيرة (42) عاماً من سكان مدينة المكلا أن المنتجات الخارجية (المستوردة) أكثر جودة فهو يفضلها على نظيراتها المحلية وقال:» لست وحدي الذي يثق بالمنتج الخارجي أكثر من المحلي التي تنقصها الجودة».يزداد وضع المنتجات المحلية سوءاً يوماً بعد يوم أمام حالة من الإغراق التي تشهدها السوق المحلية ، خاصة مع مطلع الألفية الجديدة والتي ارتفعت فيها وتيرة الاستيراد لمختلف المنتجات بشكل كبير.ومن الصعب بمكان على الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة وضع قيود على عملية الاستيراد الكبيرة ..في ظل انتهاج سياسة السوق المفتوح والمساعي الحثيثة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والتي ستضع المنتج المحلي أمام مواجهة صعبة للغاية يفترض أن يكون المنتج المحلي قد استعد للمنافسة منذ وقت مبكر لتقديم منتجات على قدر كاف من الجودة وبأسعار تنافسية.لكن تزايد الإقبال على المنتج الأجنبي يتطلب البحث عن حلول ناجعة قبل ان تجد الكثير من المصانع نفسها مضطرة إلى الإغلاق.يرى مدير الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس المهندس احمد البشة أن عزوف المستهلك عن المنتجات المحلية ناتج عن تدني الوعي الاستهلاكي في اليمن نتيجة ضعف الوعي والثقافة المعرفية.وقال :« النمط الاستهلاكي الحالي يدفع المستهلك إلى تلبية رغباته من السلع الاستهلاكية من عدة مصادر منها المستورد دون معرفة ما اذا كانت هذه السلع ذات جودة مناسبة». وأضاف:«ليست كل سلعة مستوردة ذات جودة عالية ومطابقة للمواصفات والمقاييس ..كما أنه ليس كل منتج وطني رديء وذو جودة منخفضة ..فهناك الكثير من المنتجات الوطنية ذات جودة جيده مقارنة بمثيلاتها من السلع المستوردة ».تتباين الأسباب المؤدية إلى تفضيل الكثير للمنتج الأجنبي لكنها في الأخير تصب في بوتقة واحدة، خلاصتها أن المشكلة آخذة بالتوسع ما سيحتم على بعض المصانع تخفيض طاقتها الإنتاجية تدريجيا وصولاً إلى الإغلاق كما حدث لبعض المصانع ومنها مصنع بطاريات السيارات بمحافظة تعز الذي تم إغلاقه منذ ما يقارب الـ 15 عام.وفي حين يرى البعض أن هناك سلعاً محلية ذات جودة عالية لكن ذلك لم يكن مقنعاً لهم بشرائها والسبب كما يقول عبدالله دهشور أن أسعارها ليست اقل من المستوردة.. وإن وجد ففارق السعر بسيط رغم أن ما ينتج محليا يفترض أن تكون أسعاره أرخص.يرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور علي قائد سبب ارتفاع أسعار بعض المنتجات المحلية ، إلى أن المكون الأجنبي في السلع المحلية يشكل نسبة كبيرة وهو ما يؤدي وبالتالي إلى ارتفاع تكلفتها.وأضاف :«الغريب أنه رغم ارتفاع أسعار بعض السلع المحلية، إلا أن بعضها ذات جودة متدنية مثل بعض المشروبات والعصائر ..ولذا لا غرابة أن لا يقبل الناس عليها لانها لا تحقق لهم المنفعة». ، ويشير إلى أن تفضيل السلع الأجنبية ناجم أيضا عن يقين المستهلك بأن تلك السلع تتمتع بمواصفات وجودة عالية كونه مطمئن أن هناك رقابة في بلد المنشأ.في تصريح صحفي لرجل الأعمال الراحل محفوظ شماخ يرى أن الناس عندهم عقدة عجيبة من المنتج المحلي ، حيث قال :« لو جئنا بمنتج ايطالي او ماليزي ويمني فإن المستهلك سيفضل الايطالي بدرجة أولى يليه الماليزي». يعتقد شماخ أن هذا وضع طبيعي بسبب أن تلك الدول تطبق معايير عالية في مستوى الجودة والناس واثقون من جودة تلك السلع لذلك يقبلون عليها.. مشيراً إلى أن مزاحمة المنتج الأجنبي للمحلي من حيث السعر والجودة أدى إلى زيادة هذا الضغط كون الاستيراد يحظى بتسهيلات جمركية وغيرها بينما لا تحظى المنتجات المحلية باي دعم او حماية كافية .عكس معرض الصناعة اليمنية الذي عقد وتم افتتاحه على هامش مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن الذي عقد بمدينة المكلا مؤخرا أن ، محدودية القاعدة الصناعية في اليمن والتي تنحصر في صناعة المياه المعدنية وزيوت الطباخة والمنظفات والبسكويت والعصائر والبلاستيك والأسماك.والسبب في رأي الدكتور قائد ، أن القطاع الخاص المحلي لا يزال تقليدي الثقافة الاستثمارية والصناعية وغير مؤهل التأهيل الكامل لدخول ميدان الصناعات الرفيعة لأنه يبحث عن الربح السريع.وأضاف:«القطاع الخاص في اليمن ينظر إلى تحت قدميه ولا يمتلك رؤية مستقبلية وخطط وتصاميم للمنتجات او مسايرة ما ينتج عالميا والالتزام بالحد الأدنى من مواصفات السلع.. وهو ما جعل أيضا تواجد السلع الغذائية المحلية في السوق محدود لأنها مقتصرة على سلع تقليدية جدا ». ولأن كسب ثقة المستهلك يتطلب الكثير من الجهد حتى وإن كانت تمتاز بمواصفات جيدة كون ذلك يحتاج إلى خطط تسويقية وترويجية كبيرة كونها تلعب في الوقت الراهن حجر الزاوية لتحقيق أعلى نسب النجاح في المبيعات وهو ما أكده مهندس معجزة الاقتصاد الماليزي ورئيس وزرائها السابق الدكتور مهاتير محمد في المحاضرة التي ألقاها على هامش انعقاد مؤتمر «الصناعة مستقبل اليمن » بالمكلا حيث أكد الدكتور مهاتير على أهمية التسويق لكن تنفيذه يتطلب كفاءات عالية المهارة والتأهيل ، وأضاف قائلاً:«لا بد من عمليات تسويق شامله وبصورة منظمة للسلعة وهذا لن يتحقق إلا بوجود كفاءات عالية المهارة والتمرس».وأضاف :«هناك الكثير من السلع يتطلب التسويق لها تكاليف تزيد عن تكاليف الإنتاج».يقول سامي عبدالله والذي يعمل في مجال التسويق أن منتجات أي مصنع تحتاج إلى عمليات تسويق مستمرة وبحرفية كبيرة إذا ما رغب المنتج في حجز حصته من السوق الذي يكتظ بالعشرات من المنتجات المشابهة في الغالب.وأضاف :«بعض منتجات المصانع في اليمن لم تخضع لعمليات تطوير وتحسين منذ عدة سنوات كما هو الحاصل في البلدان الأخرى التي يتنافس فيها المصنعون على تقديم الأفضل الامر الذي يجعل من المستهلك محافظا على ثقته بتلك المنتجات».كما يرى المهندس البشة أن الكثير من المنتجين لا يقوم بدورهم في الترويج لمنتجاتهم والتوعية بمواصفاتها الجيدة لأن كسب ثقة المستهلك يتطلب من المنتج القيام بعملية التوعية للمستهلك والترويج لمواصفاتها وطرق تغليفها وتخزينها انتهاء باستخدام المنتج.وأضاف :«تقاعس المنتجين عن تلك الأمور ينعكس سلبا على إقبال الناس عليها ..فكلما تأخر المنتج عن الترويج لمنتجاته الموجودة في السوق كلما كانت عملية الاقناع صعبة وتحتاج لوقت أطول ، لان المستهلك يتشكك من جودة هذه السعلة».وإدراكا لحجم المشكلة وإن بطريقة غير مباشرة فقد شددت إحدى توصيات مؤتمر«الصناعة مستقبل اليمن» على وضع سياسة لحماية الإنتاج الصناعي المحلي من الممارسات الضارة في التجارة والعمل على زيادة القدرة التنافسية للصناعة اليمنية وفتح الأسواق أمام السلع والمنتجات اليمنية والاهتمام بالاستثمار الصناعي الموجه للتصدير وإعطاؤه مزيدا من الدعم والرعاية وتسهيل عملية إعادة التصدير للمنتجات المستوردة بعد إعادة تعبئتها وتغليفها وذلك بهدف التنمية الاقتصادية.فيما يرى بعض المختصين أن الدولة إذا ما أرادت حماية المنتج المحلي فلا بد من اتخاذ خطوات حماية كما عملت كثير من الدول العربية ومنها سوريا التي وصل فيها نسبة الحماية إلى 100 بالمائة.لكنهم يؤكدون أن الحماية يجب أن تكون صحيحة وليس حماية غبية كالتي طبقت في فترة الثمانينيات والتي لم تحم المنتج بل حمت المصنع حتى لا يعمل احد مصنع آخر منافس وهو ما كان له تأثير سلبي كبير وجعل ارباب المصانع تتضخم.إلا أن البعض يعتقد أن هذا الحل لم يجد نفعا عندما طبقت في أوقات سابقة كونه جعل الكثير من المنتجين مطمئنين من عدم وجود المنافس الأجنبي ولذا لم يعملوا على تطوير وتحسين منتجاتهم ما اكسبها سمعة سيئة كون السوق اليمنية عندما فتحت أمام المستورد دخلت السلع الأجنبية باسعار منافسة وجودة أفضل.وفي ظل الصعوبة التي تواجها الحكومة في حماية الحدود اليمنية الطويلة فإن عملية التهريب ستظل هاجس يؤرق الجميع فالكثير من السلع المهربة ذات جودة متدنية لكن تدني الثقافة الاستهلاكية لدى الكثير من الناس وضعف قدرتهم الشرائية تجعلهم يقبلون عليها.يقول مدير الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس أن المواصفة القياسية تحدد الحد الأدنى من الجودة ..لكن الشروط المطلوبة تعتمد في الأساس على الصحة والسلامة والحد الأدنى من الجودة.وأضاف:« هناك الكثير من السلع التي تدخل إلى البلاد البعض منها لا يخضع للفحص ويتم تهريبه ..ناهيك عن السلع التي يتم احتكارها وتخزينها بطريقة سيئة يؤدي إلى تلف هذه المنتجات ونظراً لانخفاض التكلفة الشرائية للمستهلك يشتريها البعض لأنه لا يستطيع أن يشتري السلع الجيدة لان أسعارها في الغالب مرتفعة.والغريب أنه مع تفاقم المشكلة فثمة أمور تؤكد حالة التوهان سواء لدى القطاع الخاص ام الحكومة حيث لم يتطرق لهذه المشكلة في مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن الذي عقد مؤخرا بمدينة المكلا ، سوى بإشارات سطحية بعيدة عن جوهر المشكلة مكتفيين في جلسات عمل المؤتمر بمناقشة الصعوبات التي تعيق قيام صناعة في اليمن أما الحفاظ على الصناعة الحالية فكان الغائب الأبرز إستثثاء توصية يتيمة في البيان الختامي.ورغم أن المؤتمر متعلق بالصناعة في اليمن إلا ان الملاحظ أن العصائر التي كانت تقدم للمشاركين خلال فترات الاستراحة (صناعة سعودية) وهو ما يثير التساؤل والتناقض في نفس الوقت ، فإذا كانت ثقة النخبة متدنية بالمنتج المحلي فلماذا يلام العامة من الناس على سلوكهم الاستهلاكي ..ولماذا قدمت العصائر السعودية وخاصة ثاني أيام المؤتمر للمشاركين؟..يجيب عنوان هذا التحقيق على هذا التساؤل.