هل سعت الإعلامية العراقية إلى حتفها وهل يسعى الإعلاميون العرب وغير العرب الذين اختاروا العمل في المناطق الساخنة أو ربما وضعتهم المصادفات والمقادير في مواجهة الموت اليومي في العراق وفلسطين وقبلها في الجزائر وفي كل مكان؟ هل عليهم أن يدفعوا حياتهم ضريبة للكلمة؟ أسئلة طالما طرحت ولم تجد من يجيب عليها سوى بسقوط قلم آخر أو ميكرفون آخر أو كاميرا أخرى في ذات المكان أو في مكان آخر لم أكن قد جففت دموعي بعد قراءتي أنباء المجزرة المروعة في مخيم بلاطة الفلسطيني التي سقط ضحيتها خمسة شهداء واثنان وعشرون جريحاً، وما في ذلك من تفاصيل يقف لها شعر الرأس، عن شباب يحمل نصف وجه لشهيد وعن آخر يحمل دماغ شهيد آخر وغير ذلك من المشاهدة التي تتكرر أثناء جمع أشلاء الشهداء والجرحى، جاء نبأ سقوط الإعلامية العراقية أطوار بهجت وزميليها من قناة العربية.نعم. ها هي أطوار تدفع ثمن حلمها ورغبتها الأكيدة وطموحها إلى "عراق تبكي على صدره" كما قالت مرة في لقاء أجرته معها صحيفة الوطن القطرية، هل قادها حلمها إلى موتها؟هذا السؤال كنت دائماً أطرحه كلما يسقط إعلامي في ساحة معركة. نعم استهدفها الأعداء كما أستهدفها الحاقدون، فكما كانت هدفاً لرصاص الأمريكان كانت هذه السامرائية هدفاً لأقلام أولئك الحاقدين الذين أرادوا إعلاماً يجمل وجه الاحتلال فطالبوا الفضائيات بـ "تنظيف نفسها من أسمتهم بـ "عملاء" النظام العراقي وكان اسم أطوار من بينهم".السؤال ذاته طرحته ذات مرة حين سقط الصحفي الفلسطيني عماد أبو زهرة في جنين برصاص المحتلين، التقيته في مدينة رام الله وكنت حديثة المعرفة به، طلب مني أن أساعده في البحث عن عمل إعلامي كان حزيناً لأنه عاطل عن العمل منذ مدة.. لم أستطع أن أعده بشيء يقلل من حزنه. فأنا لا أملك ما يؤهلني لأقطع وعداً من هذا القبيل، لكنني أخذت رقم هاتفه لاتصل به في حالة معرفتي عن أي جهة تحتاج لعمله.التقيته بعد فترة وكنت أشعر بالإحراج، كوني لم أستطع أن أقدم له شيئاً لكنه بدد حرجي حين قال: باركي لي لقد حصلت على عمل في وكالة الأنباء الفلسطينية وفا. شعرت بالارتياح وباركت له وتمنيت له النجاح. لم يمض طويل وقت على هذا اللقاء الذي تمنيت لو أنه لم يحصل لا هو ولا لقاءاته السابقة لشد ما حزنت لذلك.وجاء نبأ استشهاد عماد في اجتياح جنين!ترى هل كان أبو زهرة يبحث عن فرصة للعمل أم عن "فرصة" للموت؟ هل كان يبحث عن لقمة يلتقطها أم عن رصاصة تلتقطه؟لم يوفر أعداء الإنسانية وقتلة الحقيقة (الأمريكان والإسرائيليون وغيرهم) أحداً من هؤلاء الإعلاميين الذين يبحثون عن كلمة حق يقولونها، أو لحظة صدق يصورونها، أو جملة يكتبونها، كان الموت لهم بالمرصاد. لا يهمهم إن كان هؤلاء يعملون لصالح قناة عربية أو حتى وكالة أنباء حليفة، فقد مراسلون للجزيرة وسقط مراسلون لرويتر، مراسلون ومصورون وفنيون للعربية ولمحطات أو وكالات أجنبية وها هي أطوار آخر الضحايا حتى لحظة الكتابة هذه.لقد سبق واعتقل الأمريكان أطوار وزميلها المصور ياسر وشعرت أطوار في أكثر من موقع ومن مكان أنها محاصرة يحاصرها المحتلون ويحاصرها الكارهون الذين هاجموها وهاجموا مواقفها كثيراً وتحاصرها السياسات الإعلامية حين تحاول تحت أسم الحياد أن تجردها مما تحس انه يعبر عن حقيقة ما يجري في وطنها المحتل، كيف يمكن للقتيل أن يكون محايداً إزاء القتلة؟ أطوار بهجت التي كانت تبدو أمام الجمهور قوية متماسكة وتمارس هذا الحد الأدنى من "الحياد" المطلوب بعيداً عن الكاميرات والشاشات كانت تتألم تحس أنها لا تستطيع قول شيء من الكثير الذي ترغب في قوله إبراهيم إبراهيم في مقال كتبه على موقع شرق وغرب في 2 مايو 2004م:"على الهاتف من بغداد كانت أطوار أمس تحدثني باكية: لم أعد أستطيع أن أعيش في بلد كل ما فيه صار يدفعك للكراهية، أرجوك أكتب نيابة عني/ نفس لي غيظي، .... قل ما لا أستطيع قوله، أريد أن أخرج، أريد.....أين تخرجين يا أطوار؟ أمريكا تحتل الكوكب!!
|
ثقافة
اطوار بهجت الحالمة بـ "عراق تبكي على صدره "
أخبار متعلقة