أحمد راجح سعيد ما أن يوشك العام الدراسي على الانتهاء إلا وتبدأ حالات من التهيؤ والترقب تتملك الطلاب والطالبات في مدارسنا لمواجهة شبح الامتحان القادم في عموم منازل الطلاب والطالبات، وتعلن حالة الطوارئ والاستنفار القصوى وتكون النتيجة أن الطالب المستهدف من هذا الامتحان نجاحاً ورسوباً قد أصبح فريسة القلق والخوف والاضطراب النفسي، والمعلم بدوره يحرص على أن يكون النجاح هدفه في مهمته التي تحمل أعباءها على مدى العام الدراسي المنصرم، خاصة حينما يعلم أن طلابه قد تحصلوا على أعلى الدرجات! والأسرة كذلك يهمها أكثر أن ترى أولادها في نفس المستوى وتخشى الصدمة في حالة حصول العكس، والمدرسة أيضاً لا تعيش خارج دائرة هذه الهموم فهي تسعى بشتى السبل لكي تثبت وجودها القوي بين المدارس، ولذلك فهي تعمل بكل دأب على أن ينجح أكبر عدد من طلابها ومن هذا المنطلق لمفهوم طبيعة الامتحانات السائدة في مدارسنا يتضح للجميع بأن هذه الامتحانات قد غدت تشكل قضية اجتماعية خطيرة تشغل الباحثين وعلماء النفس التربوي ومنذ القدم وهم يضعون في عقولهم هذا السؤال : "هل يمكن الاستغناء عن هذا الامتحات بأسلوبه التقليدي، وإلى أي مدى هو ضروري في تقويم مستوى الطالب؟".هذا التحليل قدمه المربي القدير والمحاضر اليمني الجامعي د. علوي عبدالله طاهر في كتابه الموسوعي "قضايا تربوية، مشكلات وحلول". والحقيقة التي لا غبار حولها هي أن الأستاذ د. علوي كان محقاً في تحليله الموضوعي حول هذه الامتحانات وما يترتب عنها من تداعيات خطيرة على نفسيات طلابنا ومستقبل حياتهم العملية، مستنداً إلى حيثيات ووقائع حية من الميدان..فلقد عمل مدرساً ،موجهاً تربوياً ثم محاضراً في مادة اللغة العربية بكلية التربية العليا، إضافة إلى العديد من البحوث والدراسات التي ألفها في مجالات تربوية عديدة.. وباعتقادي الشخصي فإن الفترة الزمنية التي كان قد أصدر فيها كتابه سالف الذكر لم تتح له فرصة التطرق إلى هذه القضية بالقوة نفسها وفي صدارتها ظاهرة الغش في الامتحان والتي أصبحت في عهدنا الراهن انعكاساً حقيقياً للتداعيات الحاصلة ومن ضمنها أن الكثير ما زال ينظر على أنها المقياس الأمثل لنجاح الطالب وفشله، وربما لأن ظاهرة الغش حينئذٍ لم تكن تتصدر قائمة المشاكل التربوية والتعليمية كما هي واضحة في الوقت الحاضر، وللتأكد من هذا الاعتقاد كان عليَّ أن اضعه بصيغة سؤال وأوجهه إلى أستاذنا القدير علوي عبدالله طاهر في أحد اللقاءات الذي جمعني به لعلي أعرف من خلاله كيف أصبح ينظر إلى ظاهرة الغش في الامتحانات وذلك من واقع تجربته الطويلة في سلك التربية والتعليم العالي فأجاب بصراحته المعهودة " الغش يا صديقي أصبح واقعاً معاشاً في مدارسنا يتسلح به الطالب إذا ما أحس أنه بحاجة ماسة إليه، خاصة بعد أن غدا الامتحان غاية وليس وسيلة لمعرفة مستواه العقلي والمعرفي! كما أن الامتحان بمفهومه التقليدي الحالي لا يعني إلا ما يحفظه الطالب وما تترسخ في ذاكرته من معلومات، ومع ذلك فإن هذا القياس حتى في المعلومات غير دقيق ولا يمكن الاعتماد عليه لاختلاف معدي الأسئلة ومقدري الدرجات في أذواقهم وميولهم وحالاتهم النفسية.. والغش يا صديقي ليس مقصوراً على طلاب التعليم العام وإنما أصبح يطال طلاب الجامعة بجميع تخصصاتهم، ولعلي لا أخفيك سراً إذا قلت لك أني قد شاهدت هذه الظاهرة بأم عيني في كلية التربية العليا، وتحديداً حينما كنت مكلفاً بمراقبة إحدى قاعات الامتحانات وفي مادة اللغة العربية، وأثناء وجودي في هذه القاعة كما هي عادة المراقبين وقع نظري على إحدى الطالبات (الملثمات) تزاول الغش فضبطتها بهدوء محذراً إياها من التكرار، غير أنها تمادت في الأمر ففكرت بطريقة أخرى تخفظ لها حياءها أي ألا ازجرها أمام زميلائها الطلاب الممتحنين وأسدي لها نصحاً من خلال الأبيات الشعرية التي خطرت في بالي من وحي اللحظة ومقدماً لها في وريقة صغيرة قائلاً لها :-[c1]أزرقاء اليمامة لا تغشيفليس الغش محمود العواقبتريدين درجات من غير حقبلا تعب لكي تصلي لأعلى المراتبلئن رفعت فالزملاء أولى فعندك من الأوائل ألف طالب[/c]فما كان من هذه الطالبة بعد أن قرأت الأبيات إلا الاحتفاظ بها حتى اليوم الثاني حينما سلمتني ردها القوي والرافض بقولها :[c1]قل للرقيب وللمراقب ماذادهاك.. ياأخا المتاعبأتعبت نفسك في الذهاب وفي المجيئ كالمحارببالغش وحده نرتقي لا بالأمانة يا مراقبسنغش رغم انوفناوانوفكم فالغش واجب[/c]صدقني يا عزيزي أن هذا واقع وليس تجنياً، ومن المؤسف والمحزن معاً أن مثل هؤلاء الطلاب سيغدون بعد أن يكملوا تعليمهم معلمين وقدوة لغيرهم فما بالك بالطالب نفسه الذي تعد طبيعة إعداده مرآة عاكسة لسلوك المعلم، فالغش في الامتحانات أصبح مشكلة اجتماعية خطيرة ولذلك يجب معالجتها من قبل كافة الأطراف المعنية بعمليتي التربية والتعليم، بما في ذلك الآباء والمجتمع.
ظاهرة الغش في الامتحانات
أخبار متعلقة