( 14 أكتوبر ) تنشر نص كلمة وزيرة حقوق الإنسان في قمة اليوم العالمي للمرأة بأنقرة
متابعات / عادل خدشي:ألقت الدكتورة هدى علي البان وزيرة حقوق الإنسان كلمة الجمهورية اليمنية في قمة المرأة التي عقدت في العاصمة التركية أنقرة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس الماضي هذا نصها :يسعدني التواجد بين هذه الصفوة المرموقة من المتخصصين والمسؤولين في شرق العالم وغربه، الذين يلتقون في هذه التظاهرة العالمية للإسهام في مواجهة قضايا أساسية لم تعد تهم المرأة فقط بل تهم البشرية بأسرها، وإنها لمناسبة سارة أن يتزامن التئام هذا الملتقى المهم مع احتفاء البشرية باليوم العالمي للمرأة الثامن من مارس الذي يقترن باحتفاء دول الشرق العربي بعيد الأمومة أو الأسرة.. إن التوافق بين هاتين المناسبتين في رحاب هذا الصرح العريق يدعونا إلى التفاؤل ويبعث في نفوسنا الأمل، ويدعونا أيضاً إلى أن نتوجه بفيض من الشكر والتقدير إلى حكومة تركيا وشعبها الشقيق لاستضافته هذا الحوار الحيوي وتوفير كل عوامل نجاحه، بما يتيح لجميع المشاركين توجيه جهودهم في هذا المناخ المفعم بالود والشفافية، لإجراء مناقشة موضوعية حول القضايا التي تثير اهتمامنا المشترك وتؤثر في مستقبل الأسرة الإنسانية ككل. “إننا نعيش اليوم عصراً لم تعد مشاركة المرأة فيه تتعلق بالمساواة الاجتماعية أو الديمقراطية السياسية أو التنمية الاقتصادية فحسب بل أصبحت هذه المشاركة تمثل ضرورة حتمية من أجل بقاء الحياة الإنسانية على كوكبنا، وبالتالي تمثل مطلباً عالمياً، باعتبار أن المشكلات الأساسية التي تهدد العالم اليوم هي مشكلات لا يمكن حلها إذا لم تشارك المرأة بفعالية وجهد وكفاءة وعلم وتسهم في تقديم حلول لها، ومنها مشكلات الانفجار السكاني وتلوث البيئة وإهدار الموارد والاستنزاف ومشكلات الإدمان والانحراف والتطرف والإرهاب، وكلها أشد خطورة من الحروب والمنازعات السياسية والمنافسات الاقتصادية.“إذا كان الهدف الرئيسي لهذا الملتقى الدولي هو فتح قنوات التواصل والتعاون بين نساء الشرق والغرب ، والنهوض بأوضاعهن وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات التي تهيئ الدور الواجب عليهن في التنمية والسلام ، فإني أؤكد أن كفاح المرأة للحصول على حقوقها هو جزء من كفاحها لتطوير المجتمعات وتغيير مفاهيمها نحو الأفضل ، ومقاومة الأفكار المحنطة التي لا تعبر عن روح العصر وتتنافى مع رسالة كل الأديان السماوية. . موضحة في كلمتها : “إننا نؤمن أن المرأة يجب أن تسهم في كل ميادين الحياة بالتعاون مع أخيها الرجل، فكلاهما أساس المجتمع، ولا يجوز النظر إلى العلاقة بينهما على أنها علاقة مواجهة أو صدام، بل هي في جوهرها علاقة تكامل وترابط والتقاء . إن المرأة في كل مجتمعات الشرق والغرب تشكل نصف المجتمع أو أكثر، ولا يمكن أن يتقدم مجتمع بجهود نصفه والنصف الآخر معطل أو مشلول . والمشاركة المطلوبة لا تقتصر على إدراك الحقوق وحدها بل تمتد أيضاً إلى الاضطلاع بالواجبات، وقد أثبتت المرأة في كل المجتمعات قدرتها على المشاركة الايجابية ، وقد رأينا جميعاً أن المجتمعات التي أدركت هذه الحقيقة حققت تقدماً ملموساً على الأصعدة السياسية والاجتماعية الثقافية والحضارية، وإذا نظرنا إلى وضع المرأة في الإسلام، نجد أن الإسلام قد كرم المرأة ورفع مكانتها، وأزال مبدأ التفرقة بينها وبين الرجل في القيمة والكرامة الإنسانية،وكفل لها مساواة تامة مع الرجل من حيث الكيان ، ومنحها حرية اختيار الزوج وأكسبها شخصية قانونية كاملة كالرجل تماماً، واحتفظ لها بذمتها المالية الخاصة واسمها العائلي بعد الزواج وحقها في الملك وإدارة ممتلكاتها،والتصرف بها دون وصاية، كما حث الإسلام على ضرورة تعلم المرأة وتسلحها بالمعرفة والارتقاء بوضعها الفكري والاجتماعي وتنمية قدراتها الذهنية لتكون قادرة على المشاركة في صنع القرار وتقديم الرأي والمشورة، كما أراد لها أن تكون عنصراً منتجاً وفاعلاً في المجتمع قادرة على الكسب والعطاء، وأن تكون أماً صالحة مؤهلة لتنشئة جيل قوي مسلح بالعلم والإيمان.أن مسار المرأة اليمنية عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر قد تعرض لتعرجات لافتة ومفارقات مدهشة بين صعودها إلى قمة صنع القرار وإدارة شؤون الحكم، في العصر القديم، وبين الهبوط إلى مستوى التبعية والانقياد السلبي في العصر الحديث،بفعل الاحتلال الأجنبي ونظام الحكم الإمامي المستبد، ثم الصعود مجدداً في التاريخ المعاصر إلى مستوى المشاركة الفاعلة في كل مناشط الحياة العامة بفضل النهج الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية، واحترام حقوق الإنسان الذي اتخذته الجمهورية اليمنية منذ إعادة وحدة الأرض والإنسان اليمني قبل عشرين عاماً خياراً استراتيجياً للتنمية الشاملة. ففي العصر القديم عرف العالم نساء حكمن اليمن أمثال الملكة بلقيس والملكة سيدة بنت أحمد وغيرهما من النساء اللواتي كان حكمهن يتصف بالديمقراطية والعدالة والحكمة وبالإنجازات السياسية والثقافية والاقتصادية، وفي التاريخ المعاصر أضحت اليوم المرأة اليمنية عنصراً فاعلاً في المجتمع وشريكاً أساسيا للرجل في عملية صنع القرار وفي انجاز المشاريع التنموية خاصة بعد أن أصبحت وزيرة وسفيرة ،ووكيلة للوزارة وعضوا في مجلسي النواب والشورى وأستاذة في الجامعة وسيدة للأعمال ورئيسة لتحرير الصحف وغيرها من المهن التي كانت قبل الوحدة اليمنية وقفاً على الرجل فقط.إن الواقع يقول إن المرأة اليمنية لا تزال في أول الطريق في استخدام حقوقها المكفولة، قياساً بتطلعاتها المنشودة، كما أن انتشار الفقر والأمية وسطوة موروثات الماضي وبعض العادات السلبية تمثل عائقاً كبيراً أمام انطلاقتها وإسهامها في عمليات التنمية المختلفة في عالم متطور يتعامل مع أحدث وسائل العصر والتكنولوجيا.. مشيرةً إلى أن المساواة الدستورية والقانونية التي نالتها المرأة اليمنية ليست هي كل ما تتطلع إليه، ولكن المطلوب أن تسود المجتمع روح جديدة تتناسب مع مقتضيات العصر وضرورات الحياة، وما أدركته من إنجازات في مجال التعليم والصحة والعمل السياسي والنقابي لا يزال رمزياً قياساً بقوتها العددية وقدراتها العلمية والعملية، ولكننا نؤمن رغم كل المشاكل التي تعانيها المرأة اليمنية والمتناقضات التي تعيشها أن الخير ما زال موجوداً، والعطاء ما زال مستمراً والإنجازات وقصص النجاح متعددة والرغبة في التعاون والتصدي الجاد مازالت تعبر عن نفسها، وما لقاؤنا اليوم إلا تعبير صادق عن ذلك. كما أن النهوض بأوضاع المرأة اليمنية في ريف البلاد وحضرها يعتمد على آليات مؤسسية حكومية وغير حكومية، حكومية مثل اللجنة الوطنية للمرأة، المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الإدارات العامة لشئون المرأة المنشأة في كل الوزارات والأجهزة الحكومية والدوائر المختصة بعمل المرأة في وزارة حقوق الإنسان ، رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، وزارة العدل، وزارة الداخلية ووزارة الخارجية وغيرها من المنشآت الحكومية العاملة في مجال حقوق المرأة وتطوير أوضاعها ، أبرزها اتحاد نساء اليمن الذي يضم في عضويته ملايين النساء اليمنيات من إحدى وعشرين محافظة في الجمهورية اليمنية . لقد حققت المرأة في كل دول شرقنا العربي تقدماً في كثير من جوانب الحياة ، وهناك رصيد هائل من الخبرات لا يجوز أن تترك دون استثمار، وأملي أن يكون اللقاء بداية لتبادل الخبرات بين نساء الشرق والغرب والاستفادة منها بأسلوب علمي، لرسم خطى المرأة في الشرق والغرب في مسيرة دولية متضامنة تتجاوز الحدود الجغرافية وتباين وجهات النظر من أجل مستقبل يليق بالمرأة شرقاً وغرباً. ومن المفيد أن نهتدي في رسم سياساتنا بمبادئ أهمها :أن تكون سياساتنا واقعية نابعة من مجتمعاتنا ، ونستثمر ما لدينا من قيم أصيلة وتقاليد ايجابية .إننا ندعو إلى إنشاء مؤسسات في دولنا تتولى تدعيم ومتابعة وضع المرأة على نحو شامل، وتحديد أسباب التفرقة التقليدية أو المستحدثة والمساعدة على صياغة سياسات متقدمة وسبل فاعلة لتطبيق الإجراءات الرامية إلى وضع حد لهذه التفرقة بين الرجل والمرأة.ولا يمكن أيها الأعزاء أن يكتمل حديثنا عن المرأة في أي مكان من العالم دون الإشارة إلى نضال ومعاناة المرأة الفلسطينية التي أثبتت للعالم كله صمود وإصرار المرأة العربية الشرقية وعطاءها من أجل الوطن والحرية والكرامة الإنسانية. وأود هنا باسم كل نساء العالم أن أبث إلى كل امرأة فلسطينية تحية تقدير وإعجاب، ونؤكد لها بأننا جميعاً نشاركها آمالها في السلام وتحرير الوطن المحتل.إن هذا التجمع الفريد بين الشرق والغرب يدفعنا إلى تأكيد ضرورة انتظام العمل النسائي العالمي ودورية انعقاد مثل هذا اللقاء لتبادل الخبرات والتشبيك وتدارس مشكلات قضايا المرأة، وتكوين قوة عمل تسعى لصالح النساء في العمل، وإنشاء كيان مؤسسي عالمي يُعنى بمهمة النهوض بقضايا المرأة ويستند إلى الشرعية تحت مظلة الأمم المتحدة.تهانينا القلبية لكل نساء العالم بيومهن العالمي الثامن من مارس، آملة أن يخرج هذا التجمع العتيد بالتوصيات التي من شأنها ضمان التقاء الشرق بالغرب، وصياغة إستراتيجية دولية للارتقاء بقضايا المرأة حاضراً ومستقبلاً.