الإسلام وقضية الزواج المبكر وتنظيم النسل
عرض / أماني العسيري قضية تنظيم النسل من القضايا الرئيسية ذات الاهتمام العالمي، مع أنه لاتزال هناك بعض العوائق والتخوفات في العالم الإسلامي بخصوص هذه القضايا ، فهناك بعض الأفراد في المجتمعات الإسلامية والعربية يرفضون فكرة عدم الإنجاب المستمر و يرون أن البركة تكمن في زيادة عدد الأولاد داخل الأسرة . يجب أن نعرف أن الإنجاب وظيفة فطرية أوجدها الله في كل الكائنات الحية وأنها الوسيلة لحفظ النوع واستمراره في الحياة ، بقدر ما هي غريزة عند الكائنات الحية الأخرى فقط ، إلا أن الإنسان يتميز بأن له نوعا من القدرة على التحكم في ممارستها حتى لا تصبح غريزة دون ضوابط وهذا ما يحقق الأفضل له ولمجتمعه وللبشرية . لذا فإن قضية الإنجاب وتنظيم النسل أصبحت في العصر الراهن من القضايا التنموية والصحية ذات الاهتمام الواسع ، وخاصة لما للإنجاب المتكرر من تأثيرات على حياة المرأة والطفل . ويؤثر الإنجاب المتكرر على صحة المرأة باعتبارها المعني الأول بقضية الإنجاب لأن الحمل غالبا ما يتضمن عددا من المخاطر على صحتها ، و هناك حالات تكون خطيرة إلى حد الموت سواء على المرأة الحامل أو الجنين ، لهذا جاء الدين الإسلامي بضوابط تنظم النسل وعني بصحة المرأة وجنينها وأسرتها ، ومن خلال دراسة أقامها مركز البحوث والدراسات بوكالة الأنباء اليمنية سبأ ، تم تناول هذه الضوابط وما قامت به الدولة من أجل قضية تنظيم الأسرة في مجتمعنا اليمني حفاظا على صحة الأم والوليد . [c1]الحمل المبكر [/c]يؤثر الحمل المبكر تأثيرا سلبيا على صحة الأم والطفل لان نضوج المرأة الجسماني يعتبر شرطا أساسيا حتى يكون الحمل سليما أو بالأصح اقل خطورة فالاستعداد الجنسي والنفسي يمثلان العامل القوي في التقليل من مخاطر الحمل. وتقارب الحمل له علاقة كبيرة بصحة الإنجاب بالنسبة للمرأة فهي تحتاج إلى فترة معينة لتعود إلى وضعها الطبيعي بعد التغيرات التي رافقت الحمل والولادة ، أما بالنسبة للجنين أو المولود فهو لا يحصل على كفايته للنمو في البطن وقد يخرج ضعيفا وأقل من وزنه ويعاني من متاعب أكثر بعد ذلك لقلة العناية لان أمه أصبحت متعبة بحمل جديد .وقد وردت الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تبين مشروعية تنظيم الأسرة .. من هذه الأدلة : قال الله تعالى في كتابه الكريم : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فيبين الله هنا أن الحولين (عامين) هي المدة المناسبة للرضاعة ما يتيح إعطاء الفرصة للمباعدة بين الولادات . من الأدلة أيضا الضرورة :وهي من القواعد الفقهية المشهورة المعتبرة لدى العلماء :منها (لا ضرر ولا ضرار وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات ) فهذه القواعد تتعلق بتنظيم النسل من باب إذا رأى الأبوان ضرورة ملحة لان يباعدا بين المواليد خاصة إذا وجدا مشقة شديدة في كثرة الأبناء . [c1]مبررات تنظيم الأسرة القديمة والمعاصرة [/c] إن الغاية من تنظيم النسل تكمن في عدد من المبررات ونستطيع أن نوضحها من خلال ما قاله بعض العلماء القدماء والمعاصرين ومنهم : ابن حجر العسقلاني الذي برر الحاجة من تنظيم النسل وذلك لــ :1ــ الفرار من كثرة العيال والتضرر من صعوبة تحصيل رزقهم، 2 ــ الخوف من دخول الضرر على الرضيع ،3ــ وأيضا الخوف من الولد الرقيق (أبناء الجواري ) وهذا لم يعد له وجود . ومن مبررات ابن الجوزي لتقليل العيال-1ضعف التكافل في المجتمع بين أبنائه ،فالفقير ذو العيال لايجد حتى من يقرضه . 2ـ خوف اللجوء إلى مداخل رزق غير لائقة . 3ـ خوف الوقوع في مكسب لا يصلح إما لحرمته أو لعدم إحكامه . وتظهر مبررات ابن الجوزي لتنظيم النسل واضحةُ في حياتنا اليوم .ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي يرى أن تنظيم الأسرة مباح إذا وجدت الأسباب ومن المبررات المقبولة عنده:1ـ صيانة صحة المرأة والمحافظة على جمالها لاعفاف زوجها .2ـ ضيق المسكن مع عدم القدرة على توسيعه . ويرى شيخ الأزهر الأسبق(رحمه الله ) الشيخ محمود شلتوت أن أسباب تنظيم النسل ترجع إلى الآتي :1ـ إذا كانت المرأة سريعة الحمل ولا يوجد الفصال المناسب بين حملين .2ـ إذا خيف نقل مرض ، حتى يذهب الخوف والمرض .3ـ عند العجز عن القيام بمسؤوليات العيال ولا يوجد من يمد يد العون .وفي إطار موضوع تنظيم الأسرة وجدت كثير من المجامع الفقهية واجتماعات العلماء في كثير من الدول الإسلامية وصدرت فيها قرارات وتوصيات عدة ، ففي اليمن حصل لقاءان للعلماء في هذا الشأن أولهما في عام 1989 تحت مسمى (ندوة السكان في إطار الإسلام ) أما اللقاء الثاني فكان في شهر مايو عام 1999 م تحت مسمى ( الملتقى التشاوري لقادة الرأي من علماء الدين والبرلمانيين والإعلاميين ) وقد نص البيان الختامي لهذا الملتقى على أن تنظيم الأسرة ــ بمعنى التحكم في مواعيد الإنجاب تعجيلا أو تأجيلا بما يتفق مع الأسرة ، أمر مشروع لا تحرمه الشريعة إذا تم بضوابطه الإسلامية . [c1]حق الأمة في تنظيم النسل [/c]بما أن الزوج والزوجة هما الشريكان في إنتاج الأولاد فمن الأصح أن يكون لهما الحق في تحديد النسل أو عدم تحديده ، ولكن هناك من يرى أن حق تحديد النسل هو مسؤولية مشتركة بين الوالدين والدولة (الأمة) معا ، ويقصد بذلك أن للوالدين الحق في أن يضبطا نسلهما لأي اعتبار من الاعتبارات الصحية والاقتصادية والاجتماعية فيحدداه بعدد من الأولاد أو يتوقفا عن الانسال عن طريق استعمال موانع الحمل المؤقتة دون أن يترتب على ذلك أي مسؤولية شرعية ، فلهما أن يستمتعا بهذا الحق أو لهما أن يتركاه . ويعني بحق الأمة في الولد لأنه عضو فيها يأخذ منها ويعطيها ، لذا فإن للسلطة القائمة على شؤون الأمة ورعاية مصالحها أن تتخذ من تحديد النسل سياسة عامة تفرضها بطريق ممارسة السلطة إذا لم يثبت أن للأمة مصلحة في الإكثار من النسل ، لكن إذا ثبت عكس ذلك فلابد للسلطة من اتخاذ الوسائل المؤدية إلى ذلك دون أن تمس حقوق الوالدين في الحد من نسلهما ،إلا إذا اتخذ الحد من النسل بين الأزواج طابعا عاما وتيارا جارفا في الأمة فللسلطة حينئذ أن تتخذ الوسائل الكفيلة للحد من هذا التيار عن طريق التحكم في تيسير الوسائل المؤدية إلى منع الحمل .