عدن والأمير عين الزمان
[c1]في بيت كريم [/c]تروي الحكاية الشعبية أنه كان في عدن , حاكمً يسمى الأمير عين الزمان ، شهدت المدينة في أيامه العدل , والأمن , والأمان ، والازدهار . كان فارسًا شجاعًا لا يشق له غبار في القتال والنزال , وكان إلى جانب رباطة جأشه , وقوة بأسه ، ورعًا , زاهدًا . وتمضي الحكاية الشعبية ، فتقول : تربى في بيت كريم وهو بيت خاله الناصر صلاح الدين بن أيوب ، الذي جعله واحدًا من أبنائه بعد أن فقد والده الذي استشهد في ساحة الوغى ضد الفرنج الصليبيين في فلسطين . وتشربت روح الصبي عين الزمان بخصال خاله الحميدة . وأهم الدروس الذي استقاها من خاله صلاح الدين الأيوبي هو أن العدل أساس المُلك . وفهم وحفظ ذلك الدرس جيدًا , وغُرست تلك القيم والخصال القيمة والمبادئ المُثلى في نفس الغلام عين الزمان , وكلما كبر الغلام ، كلما كبرت تلك المعاني السامية في نفسه . وكان الغلام عين الزمان متعطشًا لقراءة التاريخ ، فتعلم من التاريخ الدروس والعبر ، فقرأ عن حكام وأباطرة طغاة كيف طغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد ثم اختفوا , وصارا أثرًا بعد عين ولعنهم شعوبهم والتاريخ . وفهم من التاريخ أن الأمة التي تدافع عن كرامتها وعزتها أمة تستحق الحياة .[c1]مع الحملة الأيوبية [/c]وعندما شب عين الزمان عن الطوق , وصار شابًا يانعًا يافعًا ، وفارسًا مغوارًا ، رافق خاله السلطان توران شاه الأخ الأكبر للسلطان صلاح الدين الأيوبي في حملة عسكرية إلى اليمن لتأمين سواحل البحر الأحمر وخصوصا بلاد الحجاز من هجمات الفرنج الصليبيين الذين كانوا يفكرون بالزحف على مكة المكرمة ، والمدينة المنورة . وأعادت اليمن إلى حظيرة الخلافة العباسية السًنية بعد أن سيطرت عليها الدولة الفاطمية الشيعية في مصر فترة من الزمان من خلال الصليحيين الذين كانوا على مذهب واحد معها . وزيادة إيرادات الخزانة المصرية لمواجهة نفقات الحروب الصليبية الضخمة وذلك بالسيطرة على عدن ثغر اليمن المشهور بحركة التجارة التي يموج بها حيث كانت تأتيها السفن من كل مكان من الهند ، والسند , والصين , ومن مصر ، وشرق أفريقيا . كانت عدن ملتقى التجارة العالمية حينئذ . وكانت من أغراض الحملة الأيوبية على اليمن هو نشر الاستقرار في ربوعه أن بعد أن اشتعلت الفتن فيه في كل مكان من مدنه . [c1]في زبيد [/c]ويروي صاحب سيرة الأمير عين الزمان ، أنه أبلى بلاءًا حسنًا في القتال في اليمن, وطبقت شهرته الأفاق في اليمن بأنه فارسًا صنديدًا يخافه أشجع الشجعان . وكان يقود الجند من نصر إلى نصر بسبب شجاعته , ومهارته في إدارة فنون الحرب . وعندما أقتحم مدينة زبيد وسقطت بيده ، أصدر أوامره الحازمة إلى جنده بعدم النهب والسلب وترويع الأهالي ومكث فترة من الزمن في مدينة زبيد يرتب أمورها ، ويعيد لها الأمن والأمان . وبدأت الحياة فيها تعود إلى طبيعتها وآمن الناس على حياتهم وأموالهم . [c1]في عدن [/c]وقاد الأمير الشاب عين الزمان جنوده إلى مدينة عدن دُرة المدن اليمنية , ومثلما أصدر أوامره الحازمة والقوية إلى جنوده في مدينة زبيد ، أصدر تعليماته إلى جنده بعدم المساس بأموال وأعراض أهل عدن , فكان يقول لجنده أنهم جاءوا إلى المدينة لنشر السلام والأمان والطمأنينة في المدينة . ويسترسل صاحب سيرة عين الزمان . بعد دخوله مدينة عدن ، أتخذ لنفسه دار المنظر في حقات بالقرب من جبل صيرة مقرًا لحكمه . وكان عين الزمان حريصًا كل الحرص أن ينشر رداء العدل على العباد والبلاد . وكان يمشي بنفسه في شوارع ، وأحياء عدن القديمة ، يتفقد أحوال الرعية وعندما يمد الليل ستاره على المدينة ، يخرج من دار المنظر مقر حكمه إلى جبل صيرة دون أن يعلم به أحد , يتعبد فيه ، راكعا ساجدًا قارئًا للقرآن ويستمر في عبادته حتى يتسلل الليل من أصابع الفجر . [c1]وزلزلت المدينة [/c]وتعاقب الليل والنهار ، ومضت الأيام ، والشهور ، والسنون والأمير عين الزمان ساهر على خدمة الرعية باذلاً كل جهده بأن يسود العدل بين الناس , لأن العدل أساس المُلك كما علمه خاله القائد العظيم محرر بيت المقدس من مخالب الفرنج الصليبيين صلاح الدين الأيوبي . وازدهر ميناء عدن ازدهارًا كبيرًا ، وزادت إيراداته بشكل كبير. وفي يوم من الأيام ، زلزلت عدن زلزالاً عنيفًا , وخيم الليل الحالك عليها , ولبست المدينة رداء الحداد الأسود . فقد مات الأمير عين الزمان الذي أحبه أهل عدن حبًا كبيرًا لعدله ورحمته بهم , وورعه وزهده ، حقيقة كان أميرًا ولكنه كان متواضعًا في لبسه ، وأكله ، وشربه . كان زاهدًا ورعًا بكل معنى لهذه الكلمة . ويقول صاحب سيرة ألأمير عين الزمان أن هناك عدة روايات منها أنه دفن في جبل صيرة بالقرب من البحر , ورواية أخرى تقول أن دفن في حي أبان حيث توجد فيه الكثير من أضرحة شيوخ الصوفية . ورواية تشير أنه دُفن في سفح جبل الخساف بالقرب من العقبة .