د . فهد محمود الصبري الحمل والولادة عملية طبيعية إلا أنها لا تزال في كثير من الدول النامية رحلة محفوفة بالمخاطر حيث يموت أكثر من نصف مليون أم كل عام لا سباب تتعلق بهذا الحدث الطبيعي ( الحمل والولادة) إذ تعتبر فترة الحمل والوضع وخلال 42 يوما بعد الوضع هي الفترة الأكثر خطراً وخلال العقد الماضي أوضحت الدلائل أن الأمومة يمكن أن تكون أكثر امانا لجميع النساء حيث وضعت مجموعة من الاستراتيجيات والتدابير تجعل الولادة آمنة يمكن تطبيقها حتى في البيئات والمجتمعات ذات الموارد المنخفضة ووضعت لذلك معاهدات دولية وقعت عليها جميع الحكومات في سائر أنحاء العالم وقد حققت الدول ومن بينها اليمن الكثير من التقدم في خفض وفيات الأمهات. إلا أن هذه النتائج ما زالت غير مرضية ولا يزال عدد الوفيات مرتفعاً بشكل غير مقبول ، إذ يقدر عدد وفيات الأمهات في العالم حسب الأرقام الصادرة من منظمة الصحة العالمية بحوالي 515 ألف امرأة تموت سنويا لأسباب تتعلق بالأمومة وتحدث 99 % من هذه الوفيات في الدول النامية . يعكس هذا المؤشر مدى التباين بين الدول النامية والمتقدمة وما يدعو للأسى أن هذه الوفيات ليست إلا جانباً واحداً من الصورة إذ أن مقابل كل امرأة تموت ، هناك 30 امرأة أخرى تعاني من الإصابات والعدوى وأسباب العجز أثناء الحمل أو الولادة بما يصل إلى 15 مليون امرأة سنوياً على الأقل ويقدر عدد النساء المصابات كليا بنحو 300 مليون امرأة سنوياً على الأقل وأكثر من ربع النساء البالغات في الدول الأقل نمواً وتشمل هذه المشكلات الصحية المتعلقة بالحمل مثل الأنيميا الحادة والعقم والأضرار التي تصيب الرحم والجهاز التناسلي أثناء الولادة . كما أن ناسور الولادة ( وهو تمزق بين المهبل والقناة البولية أو المستقيم تؤدي إلى عجز دائم عن التحكم في البول أو البراز إذا لم تعالج) إذ يعتبر مدمراً بصفة خاصة للمرأة وحياتها الزوجية والاجتماعية . ويجد الكثير من النساء حرجاً شديداً في الحديث عن هذه المشاكل أو حتى في طلب العلاج وتزداد هذه المشاكل في أوساط الأميات والأقل تعليماً .لهذا العدد الكبير من الوفيات أسباب كثيرة إذ تحدث غالبية هذه الوفيات بعد الولادة وغالباً خلال 24 ساعة من الولادة ويحدث تقريباً ربع الوفيات أثناء الحمل و 15 % من الوفيات أثناء الولادة وأكثر هذه الأسباب شيوعاً هو النزيف ، فقدان سريع وحاد للدم قبل الوضع أو أثناءه أو بعده ويعتبر النزيف سبباً مباشراً للوفاة لأنه مرتبط بصورة مباشرة بالحمل والولادة وتعود أربعة أخماس وفيات الأمهات إلى أسباب مباشرة مثل النزيف والعدوى والمضاعفات المتعلقة بالإجهاض غير المأمون والاضطرابات الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم وللتوضيح بشكل أدق يعتبر النزيف مسئولاً عن 34% من الوفيات و21% من الوفيات بسب العدوى و18 % بسبب الإجهاض و16 % بسبب اضطرابات ضغط الدم و 11 % من الوفيات يكون مسئولاً عنها عسر الولادة و20 % يكون سببها غير مباشر تتفاقم بسبب الحمل مثل الملاريا أو الأنيميا أو السكر. حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. والمؤسف أكثر انه يمكن تجنب غالبية هذه الوفيات الناتجة عن الأسباب المباشرة إذا تلقت النساء رعاية من قبل متدربة ماهرة في اللحظات الحرجة من الحمل وأثناء الولادة ومن المحزن أن كثيراً من النساء يلدن بدون مساعدة أو رعاية إذ أن حوالي 15 % من الولادات تواجه مضاعفات تستلزم تدخل طبيبة ماهرة وفي اليمن تزداد هذه المخاطر بسبب انخفاض معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة الذي يؤدي إلى ولادات متقاربة وولادات متكررة يزيد من وفيات ومرض الأمهات ويضاف كذلك الزواج المبكر الذي ينتج عنه الحمل المبكر ، إذ تعتبر الأم صغيرة السن ( 15 - 19 سنة) مهددة هي وطفلها حيث كشفت الدراسات أن الفتيات تحت سن 17 سنة يكن أكثر عرضة لآلام المخاض المبكر والإجهاض ووضع مولود ميت واحتمال وفاتهن لأسباب تتعلق بالحمل تزداد أربعة أضعاف على النساء اللاتي تجاوز أعمارهن 20 سنة. وتقدر وفيات الأمهات في اليمن بـ ( 365) امرأة لكل مائة ألف مولود حي وهو عدد مخيف وكبير جداً مقارنة بدول المنطقة إذ تؤثر عدد الوفيات بالسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ونظام الرعاية الصحية والتعليم وحتى الجانب الجغرافي لعب دوراً في رفع عدد الوفيات في اليمن ولكن هذا كله يجعلنا أمام تحد اكبر ومسؤولية أعظم ولا يعطينا مبررا لهذا العدد المخيف من وفيات الأمهات إلى جانب المسؤولية عن حياة هؤلاء النساء وهناك عواقب وخيمة من ارتفاع وفيات الأمهات .. عواقب اجتماعية واقتصادية على الأسرة والمجتمع على حد سواء إذ تفقد الأسرة دور المرأة الحاسم في إدارة البيت ورعاية الأطفال وباقي أفراد الأسرة وبذلك فإن الأسرة التي تفقد الأمهات تعاني على الأرجح من تدني الوضع الغذائي وتتأثر معدلات التحاق الأبناء الباقين بالمدارس وحتى الأمراض التي تصيب الأم مثل الأنيميا وسوء التغذية تؤثر وبشكل مباشر على الأطفال المولودين ويعانون من أمراض سوء التغذية ويكونون اقل وزنا عند الولادة وهو ما يرتبط بإعاقات أثناء النمو ويعد من أسباب العجز والموت المبكر حيث أوضحت الدراسات أن الأطفال الجدد الذين يولدون وتموت أمهاتهم اقل احتمالاً للبقاء على قيد الحياة وتعتبر الرعاية أثناء الحمل والولادة غير الكافية مسئولة إلى حد كبير عن وفاة ما يقدر عددهم بثمانية ملايين من الأجنة والأطفال حديثي الولادة في العالم كل عام. ويتأثر الأطفال الأكبر سناً بوفاة أمهاتهم حيث أن الأطفال تحت سن العاشرة والذين تتوفى أمهاتهم يكونون أكثر عرضة للموت عشرة أمثال أولئك الذين تعيش أمهاتهم كما يخسر المجتمع بالمقابل عضواً منتجاً كما تفقد عملها المدفوع الأجر أو غير المدفوع الأجر وتخسر الاستثمار في صحتها وتعليمها ومساهمتها في الاقتصاد والقيام بدورها في الولادة والإنجاب وصناعة المستقبل ولهذا يجب أن نقوم نحن بواجبنا في الحفاظ على حياتها والعمل من اجل ضمان قيامها بدورها بقيامنا بواجبنا نحن كمجتمع وحكومة ومؤسسات وبرامج صحية وأفراد لتتمتع كل أم بحقها في أمومة آمنة وسليمة.
أمومة آمنة
أخبار متعلقة