مع الأحداث
عند الحديث عن الأستاذ الفاضل عبدالله فاضل فارع (رحمة الله عليه) لا يمكن أن يغفل المرء ذكر دوره التربوي، ومساهماته في إرساء دعائم العملية التربوية في بلادنا خصوصاً وفي الوطن العربي عموماً، ذلك أنه كان قد عمل في سلك التدريس لمدة طويلة، بل معظم عمره قضاه في خدمة التربية، معلماً، فموجهاً، فقائداً تربوياً، وشغل خلالها عدة مناصب تربوية هامة، استطاع من خلالها أن يسهم في تطوير العملية التربوية، والنهوض بالفكر التربوي، مما يجعل آراءه في التربية ذات أهمية كبيرة ينبغي الوقوف عندها، والتعريف بأبرز معالمها.ويجدر بنا في هذه المقالة المتواضعة أن نحصر حديثنا في جانب واحد من جوانب مكونات العملية التربوية، وهي المعلم، باعتباره أهم مكون من مكوناتها، لذا علينا أن نستعرض رؤية الأستاذ عبدالله فاضل في حقوق المعلم، كونه يحمل رسالة هي من أقدس الرسالات وأشرفها، فهو مثقف العقول ومنشئ النفوس وباني الأجيال، والمربي الأمين الذي يسلمه الآباء بثقة واطمئنان فلذات أكبادهم، لإعدادهم للحياة إعداداً سليماً، مما يستوجب أن يكون أهلاً للأمانة الملقاة على عاتقه، من أجل ذاك قيل فيه :قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولاأعملت أشرف أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاًيرى الأستاذ عبدالله فاضل أن (المعلم ركيزة أساسية في العملية التربوية والتعليمية) جاء ذلك في المداخلة القيمة التي قدمها في (الندوة التربوية الوطنية التقويمية) التي عقدت في محافظة عدن، في الفترة من 15 - 16 إبريل 1996م، أي قبل أثني عشر عاماً من الآن. وقد ركز في مداخلته تلك على حقوق المعلم المادية والمعنوية.ويرى الأستاذ عبدالله فاضل أن حقوق المعلم المادية والمعنوية متداخلة ويمكن الفصل بينهما، وفي الوقت نفسه متدرجة في مراحلها.ويرى عبدالله فاضل أن المرحلة الأولى من حقوق المعلم تبدأ في أثناء التحصيل الدراسي، وقد سماها المرحلة الجنينية، وفيها يتم الكشف عن معلم المستقبل، من خلال رصد الطلبة المتميزين، وذوي المواهب، والاستعدادات، والقدرات القيادية، والنظر فيمن يمتلك القدرة والموهبة والاستعداد ليكون معلماً، والعمل على تحفيزه وتشجيعه للالتحاق بمعاهد تدريب المعلمين، بدلاً من ترك الحبل على الغارب، حتى لا يكون التدريس متاحاً لكل من هب ودب، بل محصوراً للمتميزين.وتبدأ المرحلة الثانية في نظره في المعاهد وكليات التربية، وهي التي يتم فيها إعداد المعلم وتدريبه للمهنة، وقد سماها مرحلة الإنشاء والتدريب، وهي ليست منفصلة عن المرحلة الأولى ولا هي معزولة عنها، بل هي مرحلة متداخلة مع المرحلة الجنينية، وتعتمد عليها كل الاعتماد، إذ أ نجاح المرحلة الثانية مرهون بنجاح المرحلة الأولى، لأن التداخل بين المرحلتين من شأنه أن يسهم في إعطاء مهنة التدريس قوة دافعة، لوجود مجموعة من المعلمين المتعطشين للمهنة، الراغبين في ممارستها، المستعدين للإخلاص والتفاني من أجلها، فهو لذلك يطالب القائمين على مؤسسات إعداد وتدريب المعلمين العناية بهؤلاء المتميزين وأعدادهم إعداداً شاملاً ليكونوا معلمين مؤهلين تأهيلاً كافياً، للقيام بمهامهم على النحو الأفضل، وينصح بتزويدهم بالعلوم التربوية والنفسية، والمواد التخصصية، وغيرهم، ويوصي بإعطاء هؤلاء المتدربين مخصصات مالية تصرف لهم في أثناء عملية التدريب لتكون حافزاً لهم، وعاملاً مشجعاً للاستمرار في التدريب، وتمكينهم من شراء متطلبات عملية التدريب، وتوفير مقتضيات المعيشة.أما المرحلة الثالثة فتبدأ في أثناء الإسهام في العملية التربوية، والبدء بالممارسة العملية للمهنة، وهي التي يصفها بأنها محطة إكمال إعداد المعلم للدخول في المهنة بروح معنوية عالية، واستعداد كامل للأداء، لذلك لابد أن يلج حرم المهنة وهو راغب فيها، ومعتز بممارستها، وفخور بها، ويرى أن هذه المرحلة هامة في حياة المعلم، وهي حق من حقوقه، كونها تساعده على إظهار قدراته، وإبراز مواهبه، ومعالجة أخطائه، ومناقشة خططه.ويرى الأستاذ عبدالله فاضل إن هذه المحطة لا غنى عنها لأي معلم متدرب، باعتبارها مصنعاً للنفوس والعقول، ولابد أن يجتازها بنجاح كشرط أساسي من شروط الالتحاق بالمهنة، ولذا يجب أن تعتبر هذه الفترة خدمة محتسبة للمعلم يستحق عليها العلاوات، عند اشتغاله بالمهنة وكأنه قد انضوى فيها عند التحاقه بالمعهد أو الكلية، ويوصي الأستاذ عبدالله فاضل بمنح المعلم المتدرب علاوة خاصة أو راتب خاص يتميز به عن سائر الموظفين في الجهاز الحكومي، واعتبار ذلك حقاً من حقوقه، حتى يشعر المعلم بتميز مهنته ويفخر بالاشتغال بها، ويجعل غيره يتمنون الاشتغال بالتدريس لما فيها من امتيازات مادية ومعنوية.وينصح الأستاذ فاضل القائمين على شؤون التربية والتعليم باتخاذ الخطوات اللازمة لجعل مهنة التدريس مطمحاً، بحيث يكون المعلم موجهاً لكل أفراد المجتمع في مسيرة حياتهم من المهد إلى اللحد، ويرى أنه من الإنصاف الاعتراف الحقيقي بمنزلة المعلم في الحياة، وجعله يعيش حياة هادئة مستقرة، لأن ذلك حقاً من حقوقه، وشرطاً من شروط نجاحه في عمله.ومن أجل تحقيق حياة مستقرة وهادئة للمعلم يقترح عبدالله فاضل ضرورة إعطاء المعلم قروض ميسرة تتولاها وزارة التربية والتعليم باعتبارها الجهة الضامنة لدى البنوك، يتم تسديدها بأقساط مريحة، لتلبية حاجاته الضرورية، لحاجته إلى الزواج والسكن والآثاث والعلاج وغيرها.أما المرحلة الرابعة هي مرحلة التقاعد والتي سماها مرحلة الخلود المهني، وهي متصلة بالمراحل السابقة، ومرتبطة بها ارتباطاً وطيداً، وتتميز بالوفاء للمعلم، وتقديره، وتكريمه، والذكر الحسن لما قام به في عمله، وليس ذلك فحسب بل الاستفادة من خبراته والانتفاع بعلومه، واستشارته في مجالات تخصصه، وإشراكه في الحياة العامة، وعدم تهميشه أو تجاهل قدراته، وضرورة تحسين معاشه التقاعدي ليتماشى مع متطلبات الزيادات المتصاعدة في الأسعار ومستلزمات الحياة المعيشية.