أضواء
يوم جديد وعام جديد ومجزرة جديدة على الإنسان الفلسطيني المنهك منذ 60 عاما ويزيد، والشاشة المضيئة تنقل الأحداث والصراخ والبكاء، واللعنات تطال الجميع، وكل عربي يتهم الآخر.كانت الشاشة المضيئة في الغرفة الباردة تنقل الموت والزيف والهياج، والخطب العصماء، والانتهازية حاضرة بكل تجلياتها.كانت الشاشات العربية المناضلة بالكلام تنقل حرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية، وكانت الشعوب هائجة وغاضبة ومدجنة، كان الغضب واضحا والسذاجة واضحة، ويخيل لي بعد أن حرقوا الأعلام، أعني بعد هذا الانتصار العظيم، سيذهبون للبيوت يتكاثرون بعد أن أطمأنوا أنهم قاموا بواجبهم كما يجب.كان كل شيء متطابقا ومتشابها مع المجزرة التي سبقتها، وربما المجزرة التي ستليها، لا شيء مختلف سوى الموتى، فهم كانوا جددا، لكنهم يحملون نفس الأحلام بأوطان يمكن العيش فيها.ما أقسى الذاكرة حين لا تخونك فتحتفظ بالمجازر، فهي لن تتركك تتمتع بالأعلام المحترقة والمثيرة لغريزة التدمير، وبالتأكيد لن تصرخ من خلف الشاشة مخاطبا مناضلي حرق الأعلام الهائجين: «لا شلت يمينك دمر أعلامهم حتى النصر».وستحضر لك ذاكرتك حرب لبنان 2006م، لتؤكد لك أن لا شيء تغير، وأن لا أحد تغير، وأن العرب مازالوا يتهمون بعضهم البعض، ويحملون بعضهم البعض مسؤولية المجزرة، مع أن القاتل لم يتغير أيضا، وطائراته وصواريخه تحمل نفس العلم في حرب تدمير لبنان.تحاول تجاهل ذاكرتك لتتابع ما تقذفه الشاشات المضيئة من كلام : رجل عربي قيل إنه مفكر يحدثك عن المؤامرة، وأن ما تفعله إسرائيل ليس وليد اللحظة، وأن القضية لم تكن بسبب انتهاء التهدئة أو ردا على إطلاق صواريخ حماس، بل هي تخطط منذ شهور للقيام بهذا الاجتياح.فتستدعي ذاكرتك صورة نفس الرجل الذي قيل إنه مفكر في المجزرة الماضية بلبنان، والذي قال نفس الكلام في ذاك الوقت، إذ قال: «هذه ليست ردة فعل بسبب خطف جنديين، إنهم كانوا يخططون منذ أشهر لهذه الحرب، إنها مؤامرة حيكت ضدنا»، فتهجو ذاكرتك لأنها أحضرته، فلم تعد تؤمن بالمؤامرة، بل بأن العالم ينقسم لفئتين واحدة تفكر وتخطط للمستقبل، وأخرى لا يعنيها المستقبل لهذا لا تفكر ولا تخطط وكل مرة تفشل تحمل شياطين الجن والإنس مسؤولية ما يحدث لها، ويقسم الجميع أنها مؤامرة.تتساءل بينك وبينك : لماذا لا نخطط، أعني لماذا هم يخططون، أعني لماذا لم ننتبه أنهم يخططون، فنقع دائما في المصيدة، مع أننا دائما ومع كل مجزرة نؤكد أنهم يخططون لها؟يخيفك السؤال، فتتلفت حولك حتى لا تتهم بالخيانة، حين لا تجد أحدا تتذكر تلك المقولة الغبية «للجدران آذان» التي لقنت لك وأنت طفل فصدقت أنها حكمة، فتردد «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين».[c1]ً * صحيفة (عكاظ) السعودية[/c]