لم يكن يدور في خلد أحد أننا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نمارس العبودية ونشتري الناس ونبيعهم ونورثهم لأبنائنا كجزء من ممتلكاتنا . محض الصدفة جعل المرصد الوطني لحقوق الإنسان يعلم بالمشكلة ليثير الانتباه إليها ، والتقط المبادرة صحيفة (المصدر) التي غامر أحد صحفييها بالوصول إلى شعاب وجبال وسهول كعيدنة والزهرة في محافظتي الحديدة وحجة ليكشف عن هول الفاجعة التي حلت بالإنسان في تلك المناطق المنسية التي تعيش خارج الزمان والمكان.عمر العمقي الصحفي الشاب، البسيط المغامر صُدم وصدمنا معه، ولكنها الصدمة الضرورة إذا جاز لنا التعبير ، وفي الطب تستخدم الصدمات لإعادة إنعاش القلب الخامد والدماغ الهامد لتعود إليهما الحياة . وفي هذا الأمر فإننا خجلون قبل «العبيد» الذين أصر شيخ المحامين الأستاذ محمد ناجي علاو أن يسميهم المستعبَدين حفاظاً على ما تبقى من كرامتهم الإنسانية التي أماتها وسحقها من يفترض أنهم إخوتهم في الإنسانية والدين والمواطنة . ولإعادة الأمور إلى نصابها حسب المصطلح الذي فضل الأستاذ علاو مخاطبتهم به، فهم حقاً ليسوا عبيداً في أصل جيناتهم أو بسبب أحكام إلهية صنفتهم في هذا المستوى ، فحاشا وكلا أن يكون هذا ناموساً أو سنة إلهية أو طبيعية والله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه « ولقد كرمنا بني آدم» وفي آية أخرى يقول تبارك وتعالى « إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ولعل هولاء النفر عند الله أحسن مني ومنكم ومن مستعبِديهم عند الله بسبب تقواهم . الآن الجميع وفي مقدمتهم كل أجهزة الدولة من الرئاسة إلى مجلس النواب والقضاء والحكومة والمؤسسة الدينية والمجتمع المدني والإعلام مسؤولون مسؤولية مباشرة أمام الله وأمام ضمائرهم الإنسانية للتحري والضبط والوقف الفوري للاستعباد في البلاد وتبصير المستعبِدين بفظاعة الفعل وحجم الإثم الذي ارتكبوه للتخلي عن امتلاك البشر وإذا أصروا على غيهم فيتم محاسبتهم ومعاقبتهم وتقييد حرياتهم ليستشعروا ولو قليلاً من معاناة المستعبدين. هذه مناشدة علينا جميعاً رفعها للمعنيين للقيام بواجبهم الشرعي والدستوري والأخلاقي والإنساني وإلا اعتبروا مساهمين بالإثم من خلال السكوت أو التواطؤ. وإذا كان المجتمع المدني مُمثلاً بالمرصد الوطني لمراقبة حقوق الإنسان وهود والإعلام مُمثلاً بصحيفة (المصدر) قد قاموا بالخطوة الأولى وأماطوا اللثام عن هذا الفعل اللا إنساني ، فإننا ننتظر وبفارغ الصبر الإجراءات والتدابير الفعلية لمعالجة المشكلة من جذورها وتوقيف الرق والاستعباد. كما إن علينا جميعاً واجب الاستمرار بالتنبيه والتذكير، وطلب معونات الدعم الإنساني لهذه الفئة وتعويضهم عما لحق بهم من حيف وظلم وغبن خاصة النساء قليلات الحيلة والأكثر عرضة للامتهان لعل أسوأه أن تُسحب من شعرها وتوثق بالحبال ليواقعها حيوان بشري لا يخاف الله ولا رسوله وغير عابئ بنتائج فعله الدنيء لأنه سيسلم ضحيته لطابور طويل بعده معتقداً أنه يمحو آثار جريمته. إن قناف العبد سابقاً الحر راهنا وبالرغم من الهدوء الظاهر الذي يبدو على قسماته إلا أنه ما زال مسكوناً بالخوف من أن يعود إلى حظيرة العبودية يُجلد ويُلعن ويُشتم ويُركل ويُصفع ويتناوب المستعبِدون على مواقعة أمه لتستمر في إنجاب أطفال تحاول أن تجتهد في معرفة آبائهم ويستطيع العلم ببساطة وخلال دقائق في المختبر بواسطة فحص الحمض النووي ( DNA) أن يحددهم لينسبوا إلى آبائهم ويتمتعوا بحقوقهم الشرعية شأنهم شأن إخوتهم الآخرين من أبناء السيدات اللاتي يرفلن بالحرير وينعمن بالفراش الوثير.نحن أيضاً مسكونون بالخوف - وقد أخذنا علماً بالمسألة - ألا نستطيع فعل أكثر مما فعلنا وكأننا قد قمنا بما يجب علينا أن نقوم به . ولا أعرف كيف يمكن لنا أن نهنأ بعيش ونحن نكاد نسمع أنينهم ونحيبهم.
عبيد اليمن .. وماذا بعد ؟
أخبار متعلقة