أقواس
عندما ننظر إلى ما خلفه لنا عمالقة الفن والطرب من مأثورات لا تزال خالدة حتى يومنا هذا، إنما نقف بإجلال وإكبار وعظمة واندهاش لذلك الأداء وخلوه من أي شيء يشوه أو يعكر صفو الذهن والوجدان، لأن الأداء المتقن بعد اختيار الكلمات واللحن على سبيل المثال للأغنية، يكون إما في علو وسمو ورفعة تجعله خالداً مدى الدهر، أو أن يكون في هبوط وترده لا يأبه له أي إنسان، وبذلك يذهب لا حسرة عليه أبداً..والأصل في أننا ننوه إلى الخلود – وهو لله سبحانه وتعالى – أي أننا ننوه مجازاً في ذلك لنقول إن الأغنية الفلانية خالدة لأنها احتفظت بمكانتها على مدى عشرات السنين ولم تفقد رونقها ولم تنحرف رسالتها.. من هنا يأتي الخلود الذي نزعمه، ولنرى أمثلة كثيرة كانت في خمسينات القرن الماضي، ولكنها اليوم أكثر قبولاً وتذوقاً لأصالتها شكلاً ومضموناً وذلك ما سنتناوله في السطور الآتية :* من منا يستمع أو يشاهد أغاني أم كلثوم – كوكب الشرق – أو فائزة أحمد، أو عبد الحليم أو فريد أو عبد الوهاب، ومحمد فوزي، وكارم محمود، وفهد بلان.. وغيرهم كثيرون.. عندما نستمع ونرى هذه الأعمال الفنية الخالدة.. تكبر فينا تلك الوجوه التي كرست رسالتها خدمة للفن والناس ولذلك يظل الذهب ذهباً، ولا يصدأ أبداً.. لكن بالمقابل.. ماذا سيكون موقفنا ونحن نرى بالشكل والمضمون، مقلدين لهؤلاء، ربما يكون البعض قد أتقن الحركات أو الصوت أو الغناء المتناغم، لكن ليس بشكل مقبول ويحاكي الشخصية المراد تقليدها حتى يتقبلها الناس بانسجام واحترام وحب..الخ!* كيف نقبل بشابة شبه عارية، تظهر مفاتنها – بصدر مكشوف ونهود نصف عارية وفستان لاصق مظهر المفاتن من أعلى إلى أسفل، كيف بهكذا مظهر تأتي لتغني لنا (أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدي) أو (حيرت قلبي معاك – هذه ليلتي.. الخ) كيف نقبل ذلك بهذه العصرنة التي تخدش الحياء وتبعدنا كثيراً عن كوكب الشرق التي كانت تظهر بحشمة وإجلال وعظمة، ترتسم وتنطبع في الذهن والذاكرة، كيف نقبل بمنظر كله إغراء يتهافت عليه المراهقون، ليس للسماع والتملي والانسجام، بل للمشاهدة وخلق سلوك منحرف، ثم لتمييع ذلك الأثر العظيم الذي هو فينا ما حيينا، ومن هنا ليس من المعقول أن يقبل المسؤولون عن الفن وتجديد الأغنية وتطويرها ليس من المعقول أن يقبلوا بسلوك هابط وأداء إغرائي ملهب للعواطف الحسية ومثير للغرائز الجنسية. لان ذلك فيه مضار جمة للمجتمع وللسلوك العام الاجتماعي ويؤثر على الشباب والأجيال.. وهو ما لا نريده أن يسود.. أبداً.ومع ذلك لهؤلاء الشباب المغنيين والمطربين أغانيهم المليئة بالرقصات والرفس والعري والخلاعة، لكن لا نقبل بانحراف التراث الخالد أيها السادة.. مهما كانت المبررات!