أضواء
اعتدال عطيويفي زمن استحل فيه أقرباء الدم مال القريبات بسهولة شربهم للماء، إلى مَن تلجأ النساء المتضررات من ذلك؟إلى المحاكم.. إن قال قائل فنرد عليه مرحبًا بهذا الحل الذي نعرفه جميعًا، فهو أول الطريق الطويل ذي المنعطفات المتشعبةالتي قد تصل إلى العديد من السنوات بدون نتيجة! وماذا تفعل النساء بقريب مماطل لا يأتي إلى الجلسات التي لا تقل مدة الواحدة عن الأخرى عن شهرين أو أكثر؟ وكيف يتمكنّ من إعالة أنفسهنّ طوال هذه المدة؟ ليتكرّم علينا أحد بإجابة شافية، وقد كثرت حالات استحلال أموال الوارثات من الأمهات، والأخوات، ودفعهن للركض في أروقة المحاكم، الأمر الذي جعل مستحلّي الأموال يجاهرونهنّ بصفاقة غريبة تدعوهنّ إلى المحاكم، لمعرفتهم بطول هذه الدروب ووعورتها.فكم من امرأة طُردت من منزل والدها الذي عاشت وتربت فيه؟ وكم من امرأة لم تعدْ تجد حتى كفاف يومها؟ وأخرى أضحت وأطفالها في عهدة وصيّ على رزقهم لا يرمي لهم الفتات الزائد عن حاجته، هذا إن فعل، وإن اعترضت عليها بالمحاكم التي تتطلب مراجعات مستمرة منها شخصيًّا؛ ممّا يعني أن تترك منزلها وأولادها، وتركض في المحاكم لتنال حقها الشرعي الذي وهبها إيّاه الخالق جل وعلا. وضمن لها بحدود الشرع القويم الحصول عليه بسهولة ويسر لا تخرجها من منزلها، أو عملها، أو تلقي بها بين فكي الفاقة. وإن لم تستطع المرأة على تلك المراجعات، عليها أن توكّل محاميًا جهبذًا أمينًا لا يخاتلها ويتفق مع الخصم، وهم كثر إلاَّ من رحم ربي وهنا يبرز تساؤل هام: لماذا تدفع المرأة من مالها الكثير لتأخذ حقًّا شرعيًّا لها ضمنه لها ولي الأمر؟ ثم من أين لبعض النساء اللاتي قد لا تجد طعامها ودواءها أن تدفع مقدمًا أتعاب المحاماة مبالغ طائلة وقد لا تملكها؟وإن فعلت ودبّرت أمرها بقرض، أو رهن، أو غيره، فمَن يضمن عدم طرد محاميها من حضور الجلسات نيابة عنها، باعتباره أمرًا عائليًّا، كما حدث مع كثير من الحالات، وهو ليس كذلك، وإلاَّ لما وصل إلى المحكمة.ولا يدّعي أحد ما أن ذلك نادر لا حكم له، فلسنا في زمن المثاليات؛ لأن هذه الحقيقة لا تصفع إلاّ تلك النسوة اللاتي يتعرضنّ لضيمها وقسوتها، وهن كُثر -على حد علمي واضطّلاعي- بالقضايا المطروحة في الصحف، وفي المنتديات، وتتناقلها المجالس، ولا يقتصر ذلك على فئة دون أخرى.فقد أنبتت شهوة المال ديناصورات مخيفة، كلما كثر إرثها كلّما زاد الطمع والتعسف تجاه نسائها. وكلنا نحتفظ بالكثير من حكايات الأسر الثرية العريقة التي أصبح الأبناء فيها من بعد رحيل الأب من فئة المليارديرات، أمّا النساء فعلى الحديدة.. هذا إن وجدنها.وأقترح في هذه الجزئية أن تستعين المحاكم بمحامين متطوّعين في بعض القضايا التي تعجز النساء فيها عن دفع الأتعاب إذا احتاج الأمر لذلك.ونتحدث هنا عن النساء اللاتي يعرفن حقوقهنّ وينافحن عنها، فما بالك بالبسيطات (القارّات) في المنازل التي أخرجتهن منها الفاقة التي واجهنها بعد وفاة العائل، ليطاردن لقمة العيش التي اغتصبها شركاؤهنّ في الإرث، ولا أستطيع أن أتناسى الكثير من الحالات التي مرّت عليّ خلال العمل، وحفر كل منها في نفسي أسىً كبيرًا، وتساؤلات أكبر عن حق القوارير الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وإحداها لامرأة مسنّة وأرملة تعول ثلاثة من أبنائها المرضى عن طريق تنظيف دورات المياه في أحد المولات الشهيرة، ومغتصبو إرثها من الإخوة متنعمون في قصورهم ومناصبهم، وقد اضطرها المرض الشاق إلى ملازمة الفراش.وأخرى حرمها الأخ وأولادها إرثهم الشرعي، وتركهم على استدرار الصدقات، وكلّما طالبت الأم بما يسد الرمق توعدها بحرمانها من الأولاد بصفته وليًا شرعيًّا، كما نامت إحداهن على سجادة قديمة في منزل شقيقتها المتزوجة؛ لأنها وشقيقاتها وثقن في الأخ، فلم يبق لهنّ سقف يعشن تحته، أو مال يقيم أودهنّ.إن هذه القصص الدامعة وكثيرًا غيرها ليست ابنة الخيال أو الصدفة، بل هي أوجاع حقيقية ما زال أصحابها يدورون في فلك الألم .إن على النساء دائمًا البحث عن مخرج للأمر بجهودهنّ الذاتية، وفقًا لما تمليه ظروف كل واحدة منهنّ، وما أدراك ماهية الظروف التي قد تضطر المرأة أن تشكو مَن شاركها اللقمة والطفولة وسنوات العمر.إذًا لمن تشكو النساء، وهذه الحال تجري في استمرارية وتفاقم؟ ولماذا لا تنظر المحاكم لمثل هذه القضايا بطريقة مختلفة، فتضع لها نظامًا خاصًّا يعتمد على (سرعة البت) الذي لا يبقيها لسنوات عديدة بين أخذ ورد، وقدوم وغياب.آخذين في الاعتبار مماطلة الخصوم من الذكور اعتماداً على ظروف المرأة الاجتماعية والصحية وأدوارها المترتبة، فقد تكون أمًا وأبًا ومعيلاً في نفس الوقت، وخصومها بالطبع أعرف الناس بحاجتها وظروفها وواقع الضرر عندها.والمال عصب الحياة، وعدم وجود الكفاف منه يمس بكرامة الإنسان، ويعجزه اجتماعيًّا وصحيًّا ونفسيًّا فإذا كانت في نظر الكثيرين مكسورة الجناح، فلماذا لا تُعامل كذلك في التقاضي؟ ما زال السؤال قائمًا: إلى أن نجد إجابة.. ولنا حديث آخر.[c1]*عن / صحيفة “المدينة” السعودية[/c]