أقواس
نتفق جميعاً وبدون ريب على أن الاستعمار أي استعمار كان، هو أداة قهر ونهب لأي بلد يستعمر، وبأنه يستحوذ على كل شيء بدءاً من المصادرة والإلغاء لكل ما هو وطني وحضاري ليأتي بجديد حضاراتهم الغربية التي ما ظهرت إلى السطح إلا في القرن الـ (15) الميلادي وما بعده وهذه فترة لو قيست بتاريخ حضارتنا الإسلامية لكان الفارق كبيراً، أذ تساوي هذه الفترة القرن الـ(9) الهجري وهي فترة كانت كافية لإظهار المسلمين وحضاراتهم بما يعني أن الغرب قد استفاد .. ثم أعاد صياغة تلك الحضارات (وزهنقتها) وتم إكسابها طابعاً غربياً أوربياً لتأتي إلينا وكأنها مفاتيح التمدن والحضارة والرقي،أي أننا كنا بتاريخ عمره مئات السنين وكأننا قطعان من الخنازير في نظرهم .. وبئس الرؤية هذه! والاستعمار عندما حل ببلادنا العربية، تنوع ومارسوا صنوفاً من إذية الشخصية وكذا نزع اللسان والقومية، لكنه لم ينجح بذلك تماماً في الوقت الذي أثر هنا أو هناك ولكن بصور مختلفة،ولنر نموذجين الاستعمارين حلا بالمنطقة وتركا آثاراً وبصمات على مستوى الثقافة والوعي والسلوك الإنساني .. من خلال الاستعمارين الغربيين (البريطاني،والفرنسي) اللذين نعتبرهما اليوم أصدقاء وداعمين لتوجهات دولنا وأنظمتنا، لكنه لا يمكن نسيان ما حدث، على الأقل من باب الاتقاء للشرور، وعدم التسليم كلية بما يقدم وكأنه في ظاهرة العسل في حين هو في خفايا السم الزعاف! فالفرنسيون كانوا أبشع استعمار في ذلك الزمان، ومارسوا طمس الهوية ووأد اللسان وأدخلوا ثقافتهم بكل مافيها من (غث وسمين) .. وكان التأثير باد للعيان فيما حصل للجزائر، هذا البلد العربي الأصيل وما نراه اليوم من اعوجاج اللسان وثقالة الكلام، والأنكأ والمؤلم أن نرى جزائرياً يتحدث إلى الناس عبر الشاشة وتظهر ترجمة له عبر شريط متحرك على الشاشة يسمى (تليتكس) أو هكذا .. أليس ذلك ما يدل دلالة على طمس الاستعمار الفرنسي للهوية أو محاولته، لكنه فشل إلأ في اللغة وذلك لوجود بيئة خصبة مكنته من نيل مراميه وفي الأخير .. لا يصح إلا الصحيح، وخرج هؤلاء بثمن باهظ لهذه الحرية وانتهى الفرنسيون من الجزائر ولكن تأثيرهم السيئ لم ينته .. وبفعل ا لسنين سيزول ولكن بثمن ووقت... أما الاستعمار البريطاني وصولاته وجولاته وقصفه وعسفه بالشعوب المستعمرة ومنها أمريكا التي ذاقت بذلك، السم الزعاف .. إلا أنه استعمار أثبت حسن نيته في عدم طمس الهوية ولجم اللسان، بل ركز على المواقع الحربية والسيطرة الاقتصادية وتسيير شئونه، إلا أنه ترك الحريات والعبادات وشؤون الناس العامة ولم ينجح في ما نجحت فيه فرنسا.. وكان الجندي الانجليزي لا يدخل المسجد أبداً حتى ولو كان يبحث عن فدائي (عدو) لأن ذلك محرم عليه، وهو ما ترك أثراً ربما يكون قياساً بغيره، إيجابياً وهو ما لمسناه في جنوب اليمن (سابقاً) أن المعاناة حققت وقفة وصموداً وكان الثوار والقادة من عامة الناس وفقرائهم، ومن طبقات المجتمع العاملة حتى في مهن بسيطة..لقد أوجد المستعمر البريطاني أرضية لثقافة الوطن والتضحية والفداء وظل اللسان عربياً أصيلاً، لكن عكسه في الجزائر كان الوبال وهو الفارق بين استعمارين وثقافتين رغم أنهما غربيان! بقي أن أشير إلى فرنسا في عهد ما بعد فتح الأندلس (اسبانيا) كانت قد تعرضت لفتح إسلامي وصل إلى ثلثها الجنوبي .. وربما أن ذلك كان رد الفعل لما حصل في الجزائر كنوع من الانتقام ورد الصاع صاعين أو مئة حينذاك! لذلك نشير إلى أن الشعوب تصنع ثقافاتها بارادتها، مهما أثر هذا أو ذاك، ولا يبقى إلا ماهو أصيل وحضاري ووطني .. فهل وفقنا .. يا ترى؟!