أضواء
خلال زيارة عمل إلى مدينة لندن دعاني الصديق “بلمبرج” رئيس “مركز الدراسات الشرقية” لحضور حلقة نقاشية حول أزمة الديمقراطية في البلاد العربية، وتزامن ذلك مع إعداد اللقاءات الصيفية التي ينظمها الدكتور علي الكواري مع جامعة أكسفورد حول الديمقراطية، والمقررة في شهر أغسطس من كل عام. في حديثي مع طلبة الدراسات العليا بينت بأن الديمقراطية ارتبطت بالغرب وبثقافته وانتقلت إلى بلدان أخرى كفكرة ولكن لم تنتقل ثقافة الديمقراطية بل تحولت الديمقراطية إلى وسيلة للانتقام على الطريقة العربية وفشلت النخب العربية في تكريس الفهم الثقافي لمعنى الديمقراطية وسعت الجماعات الدينية، سواء السنية أو الشيعية، إلى تسخير الديمقراطية لتحقيق مكاسب غير ديمقراطية، وربما في الحالة الكويتية واللبنانية أصبحت تداعيات الديمقراطية واضحة حيث عجزت عن خلق اندماج اجتماعي بل عمقت الانقسامات الاجتماعية وفارقت بين الناس ولم تحقق مشروعها الحضاري. النخب الحاكمة تخاف من الديمقراطية لأن فيها تهديدا لمكتسباتها ومن ثم تتحول المعركة إلى محاولات لنشر الفكر المضاد للديمقراطية، وهذا ما حدث في الحالة الكويتية حيث نجحت السلطة في تكريس فكرة مجلس الأمة باعتباره مؤسسة معطلة للتطور وتحول الناس مع فكرة التخلص من الديمقراطية، وهكذا نجد أنفسنا نواجه تناقضات عديدة تلف فكرة الديمقراطية؛ فالبعض ينظر لها باعتبارها وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية وليست عامة وأنها لم تعد مجدية على أمل أن تحقق السلطة ما عجزت عنه الديمقراطية. بكل تأكيد هناك دول حققت تطوراً وهي ذات صبغة دكتاتورية، وغياب الديمقراطية لم يعطل مسيرة التطور، والخلاف هنا أن هذه الدول لديها زعامات أرادت أن تحقق التميز والتطور الاقتصادي، كما حدث في سنغافورة على سبيل المثال، وفعلاً وصلت هذه الدول إلى غاياتها ولم تكن الديمقراطية هي الحكم في تاريخها ولكن كانت هناك إرادة سياسية، وهذا غير متوفر لدينا في أكثر البلاد العربية حيث انحرفت المؤسسة التشريعية مثلها مثل المؤسسة التنفيذية، وتعطلت مسيرة التطور. القيادة السياسية غير مؤمنة بفكرة الديمقراطية ومازالت غير قابلة لها وغير قادرة على قبول فكرة المشاركة في صنع القرار، إضافة إلى أن النخب الحاكمة غارقة في الفساد المالي وهي ترى في الديمقراطية تهديداً لامتيازاتها التاريخية، وهكذا نجدنا أمام مشكلة حقيقية وقياديا في قضية الديمقراطية. لو أخذنا الحالة الكويتية وراقبنا الصراع على تسمية من يتولى مسؤولية ديوان المحاسبة، سنجد أن قوى النفوذ الحكومي وحتى التشريعي، تخاف من الشخصية المستقلة وصاحبة الرأي ومن ثم دخلنا في صراع على أهمية تسمية شخصية تحافظ على قوة شبكة النفوذ وتمكنها من الاستمرار في عملها دون كشف سجلاتها في التلاعب بالمال العام. إذن مازلنا في مرحلة المخاض ومازالت المسيرة طويلة والطريق شاقة في التحول نحو الديمقراطية. وربما هناك الآن من يحاول التخلص من فكرة الديمقراطية، باعتبارها جزءا من هذا الصراع، فهو صراع المصالح وصراع قوى الفساد والاستحواذ على السلطة. الديمقراطية عملية بحاجة إلى فهم أعمق وإلى تفاهم على أهميتها في حل الصراع بين مختلف القوى، وهي بحاجة إلى قوى سياسية ناهضة مؤمنة بالأدوات الديمقراطية نفسها، وليس إلى قوى مستفيدة من الديمقراطية في تحقيق مكاسبها الخاصة. الديمقراطية قضية اجتماعية وهي مرهونة بثقافة كل القوى السياسية الفاعلة والمهمشة، وهي بحاجة إلى نهوض جماعي لنشر الثقافة الديمقراطية لكي نستطيع أن نحقق القليل من مرتكزات الفكر الديمقراطي. نعتقد أن الدول التي لديها نماذج ديمقراطية سوف تشهد مزيداً من المواجهات، وهو المخاض الذي ربما يقود إلى تحقيق الجديد في العمل السياسي العربي.[c1]*عن /جريدة (الاتحاد ) الإماراتية [/c]