مؤلفات الأستاذ محمد علي لقمان
نجمي عبدالمجيدصدرت عدة مجلدات من أعمال الرائد السياسي والصحفي وحامل مشعل التنوير في عدن والجزيرة العربية الأستاذ محمد علي لقمان أشرف على إعدادها وجمعها وتقديمها الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها هذه الأعمال منذ رحيل صاحبها في 22 مارس 1966م. هذه الأعمال تؤرخ لمراحل من تاريخ عدن في مجالات الصحافة والسياسة والأدب وتعطي قراءة لأفكار وتصورات أفرزتها أحوال هذه المدينة والتي كان لشخصية محمد علي لقمان مكانتها ودورها في صنع الكثير منها. كتاب “ رجال وشؤون وذكريات “ نشر باللغة الانجليزية في صحيفة ( إيدن كرو نيكل) (Aden chronicle) في الفترة 10 نوفمبر 1960م حتى عام 1963م وقد أعاد نشر هذه الذكريات باللغة العربية في صحيفته فتاة الجزيرة بعنوان ( ذكرياتي - أناس عرفتهم وأحداث خبرتها) وكان ذلك في الأعوام 1963م و1964م و 1965م ويشير الدكتور الهمداني الى أن لقمان بدأ هذه الذكريات عربياً في 28 نوفمبر1963م وانتهى منها في عام 1965م وهي من الناحية الموضوعية تؤرخ وتسجل لصور من عدن بعضها يعود إلى فترة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) وهي تعد أول محاولة تكتب عن عدن في تلك الحقبة ، فنحن حتى الآن لم نسمع عن يوميات لعدن أثناء تلك الحرب ، لذلك تكون هذه الصفحات ذاكرة لتلك الحقبة يرجع إليها.عدن في تلك الأزمنة كانت قد أصبحت مدينة لها مكانة بين مدن العالم وبحضورها المتواصل عبر البحار وملتقى التجارة العالمية وشبكة الاتصالات التي دخلتها في عام 1862م و أول اتصال عبر البريد فيها يعود إلى عام 1839م وأول مطبعة تدخلها عام 1853م وأول صحيفة تصدر عام 1900م ( جريدة عدن الأسبوعية) وكانت قد عرفت بعض الألعاب الرياضية مثل التنس وكرة القدم عام 1905م وافتتح رصيف السياح في التواهي بتاريخ 21 - ابريل 1919م وفي العام نفسه أسست مصلحة الهجرة والجوازات في عدن وفي أغسطس - سبتمبر 1915م استطاعت قوات الانجليز الاستيلاء على الوهط والفيوش من الأتراك ، أما عام 1870 فقد شهد دخول خدمات التلغراف الى عدن ، الفترة (1890 - 1900 م) هي الفترة التي أسست فيها البيوت التجارية في عدن أما كمب هينس فقد بني عام 1845م وفي عام 1856م أسست أول مدرسة فنية في عدن وعام 1846م قرر قادة الجيش البريطاني ان تكون عدن مكاناً محصناً وتظل منطقة عسكرية والفترة (1893 - 1932) مرحلة خضوع عدن لرئاسة بومبي وكانت بريطانيا في عام 1857م قد توقفت عن دفع مبلغ من المال وقدره 65 ريالاً سنوياً لسلطان لحج.وصدرت عام 1897م وثيقة تاريخية لمركز عدن التجاري، وكل هذه الأحداث وغيرها الكثير تدل على أن عدن قد أصبحت مدينة في قلب العالم (العالم مر من هنا) لذلك تؤرخ ذكريات محمد علي لقمان أحداثها جزءاً من تحركات العالم ومساره التاريخي.في بداية عام 1918م والحرب العالمية الأولى في أشدها عين الأستاذ محمد علي لقمان، مديراً ممثلاً للسادة كلايتون غالب وشركائه المحدودة، وهي شركة لبنانية إنجليزية ومقرها الرئيسي في مانشتر، وهذه الخاصية الإدارية في العمل تدل على أن عدن في تلك الأزمنة قد امتلكت القدرة على التعامل مع النظام المؤسسي القائم على الرؤية البريطانية.أما توسع العلاقات التجارية لهذه المدينة، فهي من صنع الجغرافيا التي جعلت من عدن ملتقى الطرق التجارية نحو العالم. وعلى هذه الخلفيات جاءت كلمات محمد علي لقمان تستعيد ما مر على عدن من حكايات وذكريات بعضها يذهب إلى عمق الحياة والناس وما كان من أمورهم، وأزمات المراحل ومنها ما يقدم الوضع السياسي لعدن أو ما جاورها، وهذه الذكريات لا يقف امتداد معلوماتها عند حدود عدن، بل تتجاوز تلك الحدود مع تواكب مسار الحدث وتنقل الشخصية من مكان إلى آخر وما يتصل بها أو بما يحيط بها من حدث.يقول الأستاذ محمد علي لقمان في هذه الذكريات: ( في عام 1908م كان عدد سكان عدن 35.000 نسمة تقريباً ولم تكن هناك مبان جذابة وكان أجمل البيوت هو المملوك لشركة لوك توماس وشركائه المحدودة بالتواهي حينها. وحقق التجار العرب تجارة مزدهرة. وقد كان السيد طه الصافي واحداً من كبار المتعاملين في تجارة الجلود والقهوة “البن” واللبان المستوردة من اليمن والحبشة واستورد الشيخ بكار باشراحيل التبغ “التمباك” الحمومي ماركة أبو سبعة من الشحر والمكلا. بينما كرس الشيخ صالح بالكسح ثروته كلها في محاولة افتتاح أعمال الملح في أبين وبناء خزانات للمياه في شقرة. أما الشيخ أحمد عمر بلفقيه، الشيخ بايوسف، الشيخ أبوبكر مسلم والشيخ باشعيب وحضرميون آخرون فقد قاموا بالتصدير إلى البحر الأحمر وأفريقيا وبلاد الصومال. بينما أقام الشيخ علي العمودي علاقات مع كل من السودان وإريتريا. وقد كان ميناء سواكن السوداني ميناءً مهماً).ضم المجلد المؤلفات التي لم تفقد للأستاذ محمد علي لقمان، وقد ذكر الدكتور الهمداني في مقدمة هذا المجلد هذه المعلومات عن كتب الأستاذ لقمان، حيث يقول: (ترك المجاهد محمد علي لقمان المحامي مجموعة كبيرة من الأعمال الفكرية - السياسية والاجتماعية - التاريخية التي تشكل تراثه الإبداعي في مختلف مجالات الحياة وهي على النحو الآتي:هل هذه قصاصة ورق؟ عام 1923م.بماذا تقدم الغربيون؟ عام 1932م.رسالة رجب.رواية (سعيد) 1939م.الشعب البريطاني.أرض الظاهر عام 1945مكملاديفي (رواية) 1947م.انتصار الفكر عام 1947م.قصة الدستور اللحجي عام 1952م.عدن تطلب الحكم الذاتي.قصة الثورة اليمنية.جولة في بلاد الصومال 1934م.وهناك عدد كبير جداً من المقالات والمذكرات التي كان ينشرها تباعاً في صحيفة فتاة الجزيرة، وهي لم تصدر حتى هذا الوقت في كتاب).وقد أشار الدكتور الهمداني إلى إن هناك بعض مؤلفات الأستاذ محمد علي لقمان قد فقدت، أما المقالات الصحفية فقد صدرت في أكثر من مجلد، وكل هذا يدل على أن المستوى الفكري الذي وصل إليه هذا الرائد قد بلغ مكانة قادة الفكر الذين يساهمون في قيادة المجتمع والأمة من خلال تنوير العقول وقوة الإرادة.من كتب الأستاذ لقمان التي ناقشت مفاهيم التقدم والرقي عند الشعوب والحضارات، كتابه المهم (بماذا تقدم الغربيون).وهو دليل على وصول رؤية الكاتب إلى مستوى الفكر العالمي، وتطور حاسة القراءة عنده لمفهوم الرقي والتقدم عند الأمم ومعرفة الأسباب الذاتية والموضوعية المساعدة في تجاوز مراحل التراجع والقصور إلى مستويات أعلى من درجات المعارف.يقول الأستاذ محمد علي لقمان حول نظام المدارس في أوروبا: ( من أهم أسباب رقي أوروبا نظام المدارس ووسائل التربية فيها وتعليم البنات على وجه الخصوص وإن أعظم ما يؤثر على الإنسان في حياته هو خلق والديه والمدرسة التي ينشأ فيها، ثم البيئة التي يسكنها والعقيدة الدينية التي تتغلغل في أعماق نفسه. وأما عند ولادته فإن دماغ الطفل يكون عبارة عن صحيفة بيضاء تنطبع فيها وترتسم جميع حوادث الحياة من أفراح وآلام، وأوروبا تجعل بينها يعتمد كل فرد منهم على نفسه، ولهذا فإن أكثر الأطفال يدخلون المدرسة في عهد الطفولة ولا يفارقونها إلا إلى ميادين الكفاح).إن العلامة التي تربط بين مكانة الفرد ونهضة المجتمع يجدها الأستاذ لقمان في محيط الأسرة والمدرسة، وتلك هي البدايات الأولى في تكوين الشخصية. فهي المنطلق والمساحة الأولى من الإدراك التي يقف عليها عقل الفرد، لذلك نجد الجانب المعرفي هو ما يشغل فكر الأستاذ لقمان ليس في هذا الكتاب فقط بل في كل كتبه.معارف الشعوب هي من تحدد مستقبلها وتوضح أهدافها وتعطي لها حقوق السيادة وملكة القيادة في مسار التاريخ، وتلك عوامل أدركها الأستاذ لقمان منذ أن أدرك معرفياً أن الشعوب لا ترتقي إلا إذا كان لديها من المعارف القوة والمقدرة في صنع الأحداث وتغيير مجرى الأمور، وذلك ما أدركه العقل الغربي عندما جعل من المعرفة المنطلق الموضوعي في صناعة القرار، وهنا نجد الفارق بين مجتمعات تمتلك المعرفة وأخرى لاتزال تعاني من انغلاق الرؤية.إن الأفكار التي تطرحها علينا كتابات الأستاذ لقمان، لاتزال حتى الآن قادرة على قراءة الغد.