ملامح الموروث الشعبي في القصة اليمنية ( 2 - 2 )
الحديث عن كتاب القصة الشباب وخصوصاً اولئك الذين ينتمون للجيل التسعيني الذي يمكن القول انه الجيل الذي اعاد الحياة للمشهد الثقافي الذي وصل الى مرحلة من السكون حتى ظننا انه قد مات .. الحديث عن هذا الجيل يختلف بطبيعة الحال عن الحديث عن جيل الرواد وخصوصاً اولئك العمالقة الذين تحدثنا عنهم سلفا والاختلاف يعود لكون الحديث عن تجربة الرواد يكون نابعاً من رؤيه شاملة على مشهد ابداعي قد اكتملت صورته ، وهو الامر الذي لانجده عند التسعينيين الذين مازالوا يتلمسون طرقهم ولم تكتمل بعد مراحل طموحاتهم الابداعية التي لم تبدأ الا للتو .وهذا الامر وان كان يضع الكثير من العوائق امام الراغب في استخلاص رؤية معينة عن طبيعة هذا الابداع الا انه ليس من المستحيل التقاط بعض التفاصيل في طبيعة مشهد كائن بعيداً عما سيكون عليه بعد ذلك .وفي موضوعنا هذا الذي نحن بصدده يمكن ان نقسم القصة التسعينية الى ثلاثة اصناف من حيث استخدام رموزها للتراث الشعبي واثره في نصوصهم .. وانا بالطبع اسرد هنا رؤيتي الخاصة التابعة من قراءاتي واحتكاكي بالجيل التسعيني والتي خلصت من خلالها الى وجود الثلاثة الاصناف من الكتاب في تعاملهم مع عناصر ومفردات الموروث الشعبي والبيئة الشعبية . < الصنف الاول : مسرفون في استخدام عناصر الموروث الشعبي .. وان كنت اصفهم بالاسراف فربما يعود ذلك لنظره احصائية اكثر منها نقدية ، وهي الاقدر بالطبع على تحديد مدى انعكاس ذلك الاسراف على القيمة الابداعية للنص . وعلى رأس هذا الصنف تقف القاصة المبدعة / اروى عبده عثمان .. والتي لاتخفي ولعها الشديد بالتراث الشعبي ومحاولتها جمعه وتدوينه وربما يكون ذلك سبباً واضحاً لتفسير المكانة الكبيرة التي يحتلها الموروث الشعبي في كافة نصوصها التي تنحاز بشكل كبير وحاد للبيئة التي نشأت فيها القاصة . وبدرجة اقل يمكن ان نشير لابداعات القاص المقالح عبدالكريم التي يعج معظمها بروح الموروث الشعبي وهو الامر الذي يمكن ان نفسر من خلال المساحة الكبيرة التي تحتلها الهوامش في قصص المقالح الذي ينحاز هو كذلك للبيئة المحيطة التي يبدو وفيا لها في كل نص من نصوصه المختلفة ، غير انه يمكن الاشارة الى التفاوت في استخدام عناصر الموروث الشعبي في قصص المقالح عبدالكريم من نص الى آخر على العكس من القاصة اروى عبده عثمان التي يغلب ذات الطابع على معظم نصوصها . < الصنف الثاني الذي يمكن الاشارة اليه في هذا السياق هم الكتاب الذين يستخدمون الموروث الشعبي ويوظفونه لخدمة النص مع كبحهم جماحه في الكثيرمن الاحيان وهو الامر الذي لا يجعله يبدو كالنص الشعبي او الحكاية الشعبية ويقف على رأس هذه الفئة القاص المبدع محمد الغربي عمران في معظم اعماله منذ ( الشراشف ) وحتى (المنارةالسوداء ) .. ففي قصة ( مريم ) على سبيل المثال نجد الغربي يحاول رسم صورة كاملة ودقيقة للمشهد لذلك فهو لايتردد في الاقتباس المفيد من التراث والذي يصب في خدمة النص وليس العكس كما في حالة القاصة اروى عبده عثمان التي تحاول ان تجعل النص يصب في خدمة الموروث سواءاً عن عمد او عن غير عمد ، ففي حالة الغربي نقرأ في رائعته ( مريم) : تجمع المصلون في دائرة باتساع ( ميدان الحوطة ) ارتفعت المباني القديمة في صفوف عشوائية .. اطل الاطفال من المباني كطيور معلقة ! الكل ينتظر تنفيذ العقوبة بعد صلاة الجمعة كالعادة ! وصل عسكر الحاكم ، يتقدمهم آدم .. ساحباً مريم بحبل متسخ !! وهي تجاهد للحاق به .. تحت ثوبها الاسود ، والعسكر يرددون زاملهم المعتاد عند كل جمعة تسبقهم اصواتهم الجميلة : ( بسم الله الرحمن مفتاح السماء من فوق خلق الله . دليتنا وهديتنا لاحسن طريق سلام يبن المام يالي طلعتك جنب امظلام ياذروة الباهوت يا دولة عليه سلام يالي في مقام السيف منا بالسلام الاف ما هبت الريح في غصون أمقات .تبلغ ولي العهد ذي هز المشارق واليمن والشام . سيف الخلافة ذي له الرايات طاعت لسدي عصمرة ، وسلمت إبن الامام لأحمد ولي العهد تهناه الخلافة ما قاله البداع ، انا من جنبكم لأذلكم حل الحضى واحنا نيبس كل ريق ) استمرت اصواتهم تتشعب مخترقة الازقة الترابية .. يحفها الغبار ونظرات الصبية ، استقر عسكر الحاكم في قلب الميدان ، وبعد دقائق من الانتظار عادوا بمريم من حيث اتوا دون عقوبة !! لم يصدق الناس مايشاهدون في هذه الجمعة .. لتطير الاخبار الى ( تفارط ) النساء ، ومقايل القات ، الجميع يسرد حكاية عودة مريم من الميدان !! يبحثون عن سر نجاتها من حد السيف وانياب عزرائيل ! انها اول جمعة تفر فيها نفس !! . ويمكن الملاحظة بكل يسر لمدى دقة توظيف الموروث الشعبي لايصال رسالة معينة اخذها الكاتب من الواقع ليدين بها ذلك الواقع في نهاية المطاف .وهناك بلاشك كتاب كثر يندرجون تحت هذا الصنف ، وان كان بشكل اقل وبتفاوت واضح من نص الى نص آخر ومن قاص الى آخر كذلك . ويمكن ان نشير لعدد من التسعينيين الذين لاتخلو نصوصهم من ملامح الموروث الشعبي مثل زيد الفقيه ومحاسن الحواتي وناديه الكوكباني ووجدي الاهدل ومنير طلال وغيرهم .< اما اخر تلك الاصناف التي يمكن ان نشير اليها فهم اولئك الكتاب الواقعون تحت سحر وانهار الاداب العالمية ، فعلى الرغم من تأثرهم الشخصي بالبيئة التي ولدوا ويعيشون فيها ، الا انه لا تربطهم ابداعيا اي صلة بهذه البيئة ، فهم يكتبون نصوصهم وعيونهم وافئدتهم على القارئ الغربي وكأنهم يترجمون نصوصهم من العربية الى العربية. وربما يعود ذلك لغياب النضج الابداعي وقصر النظرة الثقافية ، ويقف على رأس هؤلاء الكتاب القاص سمير عبدالفتاح والذي تجده يكتب نصوصه من واقع آخر لايمت بصلة للواقع المحلي عوضاً عن الموروث الشعبي .. ففي نصوصه الاقرب للواقع المحلي لايستخدم حتى الاسماء اليمنية ففي ( حفارة القبور ) نجده يتحدث عن ( عبدالموجود ) كما هو الحال في سائر نصوص مجموعته ( رنين المطر ) التي يكتب نصوص اخرى فيها من واقع دول مثل ( الصين ) عندما يستخدم الثقافة والموروث الصيني .. وعبدالفتاح وان كان يمثل جيلا من الكتاب ( يستحي ) ان صح التعبير ان يقدم للقارئ العربي شيئاً بلغة البيئة التي ينتمي اليها الا انه النموذج الاشد تطرفاً في هذا الجيل وان كانت هناك الكثير من النماذج الاخرى في هذا التيار مثل جمال جبران على سبيل المثال .