أضواء على ندوة عدن حول غسيل الأموال :
الدكتور/ جلال عبدالعزيز القباطي[c1]توطئة :[/c]على الرغم من أن جريمة غسيل الأموال حديثة العهد، ولكن عالمية انتشارها وبصورة متسارعةأضحى هو الأمر الذي يطرح على بساط البحث الضرورة القصوى التي لا بد منها في إطار التعاون الدولي والتصدي لها ومكافحتها حيث أن الظروف والمكونات التي تستوجبها لتحقيق ذلك فيما يتصل بمكافحتها في البلد الواحد لنفسه أمراً تتوفر له وسائل التحقيق الكامل والوفي بسبب بسيط هو أن المجرمين متى ما تبين لهم بأن هناك خللاً ما في بلد معين فانهم سرعان ما يلجأون إلى هذا البلد أو ذاك وعبره ينتقلون بحرية تامة ومن هذا المنطلق يستوجب الأمر تحقيق التكاتف للجهود الدولية حتى تتحقق بها المكافحة الكاملة والشاملة من خلال وضع وإرساء الضوابط والإجراءات القانونية والكفيلة بالمكافحة الفعالة لها كجريمة لغسيل الأموال والمجرمين بها في إطار مواكبة المستجدات العالمية في هذا الشأن مع الأخذ بعين الاعتبار بأن معظم العمليات المكتشفة هي بالأسواق الأمريكية والأوروبية كبؤر لذلك الأمر الذي يعني بضرورة اتخاذ خطوات جبارة من قبل السلطات الأمريكية والأوروبية بمجال مكافحة وسائل وطرق ممارسة جريمة تغسيل الأموال وفقاً للمتطلبات التي تتطلبها وسائل المكافحة العالمية لها وبخاصة إذا ما عرفنا بأن حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً بالعالم تصل إلى تريليون ونصف التريليون أي ما يوازي (1500) مليار دولار الأمر الذي يستوجب على الصعيد الوطني لكل دولة في العالم ان تتوسع في وسائل الوقاية من هذه الجريمة وطرق كشفها وأدوات القضاء عليها في إطار السياسة الوطنية والفاعلة لمكافحتها كما قامت بذلك بلادنا.[c1]المدخل [/c]وفي سبيل تحقيق ذلك فلقد اشاد صندوق النقد الدولي بالإجراءات التي اتخذتها بلادنا بشأن مكافحة غسيل الأموال وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي بهذا الشأن حيث صنفت اليمن ضمن (100) دولة ملتزمة بالمعايير الدولية في مكافحة تبييض الأموال من (111) دولة، حيث يسجل في ذلك للسلطات المختصة وغيرها اتخاذ عدد من الإجراءات لمكافحة تبييض الأموال والتي من أبرزها إعداد مشروع القانون الخاص في مكافحة غسيل الأموال والذي استغرق مناقشته في حينها لدى مجلس الإدارة في البنك المركزي أكثر من خمس مرات، وكذا إصدار المنشورات الخاصة بذلك إلى كافة البنوك وشركات الصرافة بشأن التحذير والتيقظ إزاء الأموال المشبوهة، وهو الأمر الذي يستدعيه وتتوجبه الإجراءات الملزمة لجميع البنوك ومنشآت الصرافة للتحقق من العمليات المالية التي تقوم بها مع العملاء لاحتمال أن تكون أمولاً ناتجة عن عملية غسيل أموال وذلك من خلال التحقق من شخصية العميل لاستيفاء الوثائق الشخصية والقانونية للأفراد والشركات والجمعيات وكذا منع فتح حسابات بأسماء مستعارة أو وهمية بالإضافة إلى التحقق من شخصية طالب التحويل الذي لا يوجد حساب بالبنك لديه ويرغب في تحويل مبالغ نقدية تزيد قيمتها عن مبلغ عشرة آلاف دولار أو ما يعادلها بالعملات الأخرى وضرورة التنبه والتأكد من شخصية المودع للمبالغ النقدية الكبيرة أو الشيكات السياحية في حسابات مفتوحة لشخص أو أشخاص آخرين لا تظهر أسماؤهم في طلب فتح الحساب أو التوكيل بالتوقيع أو الذي لا تتوفر له الصفة القانونية بإيداع أموال في ذلك الحساب.. كما ينبغي التشديد على أخذ الاحتياط والحذر واستيفاء كافة البيانات اللازمة في الحالات المتعلقة في تأجير الصناديق الحديدية وتحصيل شيكات من جهات خارجية مجيرة لصالح عملاء وآخرين أو إيداعات نقدية كبيرة تبدو غير طبيعية وكذا في حال تضخم في الودائع النقدية بدون سبب واضح أو تحويل مبالغ كبيرة إلى الخارج لصالح أشخاص غير مقيمين أو في حالة فتح حسابات متعددة لشخص واحد بدون مبرر كما ينبغي بشكل دائم ومنظم التعميم للبنوك بالمحافظة على السجلات والمراسلات وكشوفات الحسابات المتعلقة في المعاملات المصرفية والاحتفاظ بها لمدة لا تقل عن عشرين عاماً وكذا إبلاغ الإدارة العليا للبنك المعني في حال الاشتباه أو اكتشاف عمليات مشبوهة دون لفت نظر صاحب الشأن حتى يتم التحقيق في ذلك والتحقق من صحة العملات وأخذ الحيطة والحذر من العملات المزيفة.. وبذلك تغدو القوانين التي تأخذ دوراً اساسياً في مكافحة غسيل الأموال من أفضل التشريعات الفاعلة في ظروف البلدان النامية وبخاصة أن مثل هذه البلدان النامية مطالبة في إصدار التشريعات الخاصة في مكافحة تبييض الأموال وبخاصة المنطقة العربية، حيث هي مطالبة بإصدار التشريعات الخاصة بمكافحة غسيل الأموال على الأقل من باب الحيطة والحذر والتحوط من توغل هذه الظاهرة في مصارفها ومرتكزاتها المالية.. الخ. إننا نرى انه بالقدر الذي تصدر فيه موضوع مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب مؤخراً أجندة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة خصوصاً بعد أحداث سبتمبر 2001م فقد أثار اهتمام مؤسسات الرقابة المالية بما فيها الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي وغيرها.. الخ.ولقد فرض قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1373) الصادر في مايو 2002م والذي يفرض على جميع دول العالم مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بالرغم من أن هذا القرار لايزال يثير حفيظة عدد من الدول خصوصاً الدول العربية والإسلامية فيما يتعلق بالإرهاب حيث لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول تعريف محدد للإرهاب فإننا كمختصين بالمصارف نرى أن الترتيبات المقترحة من المصادر المختلفة لمكافحة غسيل الأموال والتي تصل في العالم أحياناً سنوياً ما بين (خمسمائة مليار واثنين وثمانية من عشرة تريليون دولار) تتركز أماكن غسيلها في داخل الدول الغربية فإن ذلك يطرح على بساط البحث مسؤولية تلك الدول في البحث واتخاذ الوسائل والإجراءات الفاعلة للوقاية منها وكشفها والقضاء عليها بشكل كامل ونهائي.إزاء ذلك وفي إطار كل ما سبق يبرز السؤال حاداً وقوياً هل بإمكان دول العالم التي تتجه إلى مكافحة أو الحد من جرائم غسيل الأموال تحقيق ذلك؟ ولماذا لم يتم لها ذلك خلال السنوات الماضية؟ .. في هذا الإطار يغدو الأمر الذي يندرج فيما يتصل في مكافحة غسيل الأموال ما يعدو ان يكون سوى محاولة إخفاء وتغيير للأموال العائدة من الاتجار المحظور أو التي تعود ملكيتها مصدرها إليها والتي بها تغدو العملية هي تلك التي يتم بموجبها إدخال الأرباح المتولدة عن التجارة غير المشروعة التي تقوم بها وفقاً لمعطيات وأنظمة نظام النقد الدولي الذي يساهم في تعميق الأزمة من جهة ومن جهة أخرى يفاق ويقوي غسيل الأموال كشكل من اشكال العمل غير المشروع للأموال التي توضح بذلك الاتجاه كإنتاج لأزمة ذلك النظام الذي يقوم عليه النظام المالي النقدي العالمي الذي يقوم عليه .. وهذا ما سنعرض عليه في فقرة قادمة.. حيث سنعرض الآن إلى التحقق الدقيق والشامل من واقع الدراسات التي أجريت بواسطة برنامج الأمم المتحدة لمراحل غسل الأموال ومكافحتها والتي تؤكد ان دورة غسيل الأموال تتكون من ثلاث مراحل تبدأ المرحلة الأولى بإحلال أموال الإيداع النقدي حيث يتم إدخال الأموال القذرة إلى النظام المالي في دولة ما بهدف تهريب الأموال من تلك الدولة التي تم فيها الخطوات اللاحقة لعملية غسيل الأموال.. وتتمثل المرحلة الثانية في توطين تلك الأموال بالدول المستقبلة من خلال تحويل واستثمار تلك الأموال بصفة مستمرة لإخفاء وقطع العلاقات بينها وبين مصدرها من خلال إجراء العديد من الطبقات المقعدة والمختلفة بشكل محافظ الاستثمارات للأوراق المالية الحكومية أو أسواق العملة والمواد الأولية أو المعادن أو تحويل الأموال بين فروع المصرف الواحد أو تحويلها بين مصارف مختلفة في بلدان مختلفة.. أما المرحلة الثالثة فتشمل الاندماج أو التكامل والتي يتم فيها تجميع الأموال من مصادرها المختلفة وتسيير الأصول غير النقدية مثل الأوراق أو الاستثمارات في حساب واحد يأخذ الطابع القانوني لصالح العميل صاحب الأموال المغسولة لحساب واحد.. ومن خلال المراجعة والمراقبة الدقيقة يتأكد لنا من واقع البيانات الدولية والتي تتعدد فيها التقديرات الدولية بحجم الأموال المغسولة سنوياً حيث تقدر الهيئة الدولية المعنية بمكافحة غسيل الأموال وتبييضها (fatf) حجم الأموال ما بين (خمسمائة وتسعين مليار دولار) إلى (تريليون ونصف التريليون دولار) بينما يشير تقرير آخر صادر في استراليا إلى أنها تصل إلى (285 تريليون دولار) فيما يقدر صندوق النقد الدولي حجمها بـ (53% من الناتج اليومي العالمي) الذي يصل ما بين (600 إلى 1600 مليار دولار) أما برنامج الأمم المتحدة لغسيل الأموال فقد قدرها بنحو (500 تريليون دولار) سنوياً إذا ما تم الأخذ بالاعتبار كافة قنوات الكسب غير المشروع مثل الأموال التي تنتج عن عملية التهريب والاتجار في الرقيق الأبيض والتهرب الضريبي وتقاضي العمولات والفساد الإداري وتزوير العملة والاتجار بالمخدرات والسلاح وعملية الغش التجاري .. ذلك يطرح على بساط البحث قضية بنيوية خطيرة وهامة تتمثل في أزمة ومخاطر النظام المالي والنقدي العالمي الذي يسهم في دوره بهذا القدر أو ذاك في تفشي وتعمق جريمة غسيل الأموال وتبييضها التي تمارس من قبل العصابات الدولية للمافيا وخلافها من المنظمات التي تمارس الجريمة المالية الدولية في هذا العالم .. وفي هذا الإطار سوف نعرض دراسة وتحليل مساوئ وأخطار النظام المالي والنقدي العالمي القائم حالياً في إطار دعوتنا وتحليلنا الدوليين المتمثل في دعوتنا نحو هيكلة عالمية جديدة ونظام مالي ونقدي عالمي جديد يتجاوز كافة سلبيات وأخطاء النظام المالي والنقدي العالمي القائم حالياً والمتهاوي يوماً عن يوم.لندن التي توجد فيها أكبر قدر من التحوط مليار دولار كعائد لمبلغ عشرة ملايين دولار كان يستثمرها في المضاربات داخل سوق لندن العريق، وبذلك يتأكد لنا بأن العولمة الاقتصادية من خلال عمليات التحرير الاقتصادي للتجارة وانسياب رؤوس الأموال وتدفقها هي التي قادت إلى عمليات المضاربة التي أدت بدورها إلى تفجر الأوضاع في آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية وإمكانية انتقالها إلى جميع البلدان التي تتواجد على أراضيها صناديق الاستثمار أو الأموال الساخنة أو التي تتحول الكترونياً والذي سهل ذلك كان سببه بالأساس المطالبات بفتح الأسواق أو التحرير المالي والتجاري إزاء استراتيجية معينة تؤدي إلى تمدد العالم والتي تقدمها الولايات المتحدة وصندوق النقد الذي تسيطر عليه وتلك الرؤية أو الاستراتيجية قد تكون وراء وقوع العالم الصناعي الغربي ذاته في مشكلات اقتصادية ومالية جمة، ولا يحمد عقباها وهذا ما سنتناوله في تناولاتنا القادمة لأن كل ذلك يعكس حقيقة الأزمة البنيوية للنظام المالي والنقدي العالمي وتهاويه.