رغم شهرة سور صنعاء القديم والذي مازال أجزاء منه ماثلة للعيان حتى يوم الناس هذا. فإننا ـــ مع الأسف الشديد ـــ لا نعرف تحديدًا من بنائه ؟ و تاريخ بناءه ؟ . والذي يعد معلماً من معالم صنعاء القديمة أو بمعنى أخر هويتها الأصيلة والحقيقية . ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ صنعاء صاحبة الطراز الفريد المعماري الجميل لا تعرف إلا بسورها ، ولا يُعرف سورها إلا بها . فإذا وقفت أمام باب اليمن الذي يخترق سور صنعاء القديم متأملاً فيه لشعرت من الوهلة الأولى إنك تنفض وراء ظهرك الحياة المادية الصماء الصاخبة وتدخل عالم يعود إلى العصور الإسلامية الذهبية الباهرة . فتتراءى أمام عينيك دمشق الفيحاء في عصر الدولة الأموية , وبغداد عاصمة الرشيد في أوج ازدهارها وقوتها . والقاهرة المعزية في عصر الخلافة الفاطمية والتي مازالت عمائرها الإسلامية الزاهية تطل من سورها العتيق . ومدينة القيروان في تونس المتلفعة برداء العلم والمعرفة . ومراكش البهية عاصمة المرابطين في المغرب وغيرها من مدن الحضارة الإسلامية الرائعة . [c1]الملك طغتكين الأيوبي[/c]ويذكر بامخرمة المتوفى ( 947هـ / 1540م ) في مؤلفه المشهور ( تاريخ ثغر عدن ) يقول إنّ السلطان الملك طغتكين بن أيوب المتوفى ( 593هـ / 1199م ) الذي امتد حكمه في اليمن قرابة 14 عامًا أنه : “ هدم سور صنعاء وأعاده ـــ أي أعاد بناءه “ . ويفهم من تلك العبارة أنه كان يوجد سور لمدينة صنعاء قبل أنّ يهدمه طغتكين الأيوبي ، ويعيد بناءه من جديد ـــ على حسب قول بامخرمة ــــ ولكن المعطيات التاريخية تصمت عن الحديث عن شيد هذا السور القديم . وأغلب الظن أنّ الملك طغتكين لم يهدم السور القديم بل قام بترميمه نظرًا أنّ الظروف والأوضاع السياسية في كثير من فترات حكمه ، كانت تمور بالاضطرابات ، والقلاقل ، والفتن في كثير من أقاليم اليمن وخصوصًا المناطق القريبة من صنعاء بسبب سياسة الجور والظلم اللذين سادا حكمه ، فإنه من البديهي أنّ تستنزف تلك الحروب الذي خاضها الملك طغتكين في اليمن الكثير والكثير جدًا خزانة الدولة فيكون من الصعوبة بمكان أنّ يهدم سور صنعاء القديم الذي كان قائمًا من قبل لأن هدمه يعني تكليف الدولة مبالغ طائلة لا طاقة لها بهذا العمل الضخم الذي سيكلف الدولة الكثير من الجهد ، والمال . ويقول القاضي المؤرخ الشماحي في كتابه ( اليمن الإنسان والحضارة) أنّ طغتكين الأيوبي “ بنى سور صنعاء “ . وفي اعتقادنا أنّ عبارته لم تكن دقيقة ، كان من الأجدى والأجدر إذا قال : “ أنّ السلطان طغتكين قام بترميم سور صنعاء أو أعاد بناء بعض الأجزاء المتهدمة والمتآكلة والآيلة للسقوط منه “ . [c1]الرحال نيبور[/c] ويذكر الرحال والمهندس الألماني ( نيبور ) أحد أعضاء البعثة الدينماركية التي زارت اليمن تقريبًا في سنة 1761م أنه شاهد سور صنعاء القديم ، وذكر أيضًا الأبواب الرئيسة التي تخترق جدران السور وهى باب اليمن ، باب السبح ، وباب شعوب ويضيف أنّ سور صنعاء ، كان يكتنفه عددٍ من القلاع الحربية بينها مسافات محددة ، وأنها ترجع بناءها إلى الحكم العثماني الأول لليمن . وبعد أنّ تولت دولة القاسمية الحكم في اليمن بعد خروج العثمانيين منها اعتنوا بترميم السور من جهة والقلاع الحربية من جهة أخرى بصورة دائمة . نظرًا لكونها ، كانت تحرس المدينة من أية خطر قد يهددها . [c1]المدينة المقدسة[/c]و يقول الرحال الألماني هانز هولفريتز في كتابه الشيق ( اليمن من الباب الخلفي ) الذي زار اليمن سنة 1934م ، وأنه وقف أمام أحد أبوابها العملاقة قبل أنّ يدخل المدينة المقدسة ويقصد بها صنعاء ، ويقول إنّ السبب الذي جعله يسميها تلك الصفة : “ لأنها تضم ثمانية وأربعين مسجدًا ، وثلاثين كنيسًا لليهود ... “ . ويلفت نظرنا أنّ هذا العدد الكبير من المعابد اليهودية في مدينة صنعاء القديمة لدليل واضح وقاطع على مدى التسامح الديني الرائع الذي ، كان يتحلي به اليمنيون المسلمون إزاء يهود اليمن في التاريخ البعيد .[c1]أقدم أجزاء السور[/c]ويقول الدكتور الأثري أحمد فخري في مؤلفه ( اليمن ماضيها وحاضرها ) الذي زار اليمن عام 1947م أنّ أقدم أجزاء سور صنعاء يعود إلى أكثر من ستمائة سنة ، ويشير إلى أنّ بعض أجزاء من هذا السور يرتفع إلى ثمانية أمتار , وفيه أبواب عديدة . وفي تلك المنطقة توجد أهم المساجد وفيه بقايا من قصر غمدان . ويصف فخري سُمك السور أنه “ يختلف باختلاف الأحياء فتارة لا يزيد عن مترين وتارة أخرى لا يقل عن أربعة أمتار . ويوجد في كل 50 مترًا تقريبًا جزء مستدير بارز في السور إلى الخارج ويسمونه النوبة ، ومجموع عدد هذه الحصون الصغيرة 128 حصنًا “ . ولكنه لم يذكر الدكتور أحمد فخري عن أول من شيد السور حول مدينة صنعاء القديمة . ومتى كان تاريخ بنائه ؟ . [c1]إلى الجهات المعنية بالأمر[/c]وكيفما كان الأمر ، أنّ من يشاهد سور صنعاء القديم الذي قامت منظمة اليونسكو بترميمه بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحفاظ على المدن اليمنية التاريخية بصورة تدعو إلى الإعجاب يشعر المرء أنّ صنعاء العريقة تتجسد أمامه تجسيدًا حيًا وأنّ تلك المدينة الرائعة التي لم يشاهد التاريخ ولادتها لقدمها ـــ كما تقول الأسطورة ـــ يجب ويتوجب أنّ نعتني بها اعتناءً كبيرًا ومستمرًا ونحفظها ونحفظ سورها العتيق من تلوث البيئة وخاصة من تلوث عادم السيارات . وأنني أكاد أجزم بأنّ المسؤولين في الجهات المعنية في الحفاظ على المدن اليمنية التراثية سيعملون دومًا على الحفاظ على رونق ، وبهاء سور صنعاء القديم ومن ناحية أخرى العناية أيضًا بعمائر صنعاء القديمة البديعة الشكل الفريدة في طرازهاً .
|
تاريخ
سور صنعاء !
أخبار متعلقة