أضواء
لا شك أن الناس يختلفون في نظرتهم إلى الأمور الحياتية وبإرهاصاتها فمنهم من ينظر إلى الحياة ويتفاعل معها بإيجابية فهو دائماً ينظر إلى الجزء المليان من الكأس ويفكر دائماً بأسلوب نسبي لذلك يكون حكمه على المحصلة، ومثل هذا الأسلوب يسمى بالنقد الإيجابي. وهذا الأسلوب بناء، أما تسليط النظر والنقد على الأمور السلبية فقط دون النظر إلى الإيجابيات المرافقة لها فإنه يؤدي إلى أن تتضخم السلبيات أمامه حتى لا يرى غيرها، لذلك تجده ينظر للحياة بعينين سوداويتين وبالتالي ينعكس ذلك على أسلوب حياته الخاصة والعامة. إن تعويد الإنسان نفسه وتربية أبنائه على التفكير الإيجابي، والدعوة إلى أن يتعلم الناس هذا الأسلوب في التفكير جزء لا يتجزأ من مهام مراحل التعليم المختلفة وهاجس يجب أن نوليه عناية خاصة فهو بذرة للحوار البناء والرؤية المتفائلة والطرح الموضوعي وعدم مصادرة آراء الآخرين لذلك أدعو إلى تكوين مهمة مادة التعبير في مراحل التعليم العام وغيرها من المفردات المناسبة زرع أسلوب التفكير النسبي والنقد الإيجابي كما أن ذلك الأسلوب لا يصلح أن يكون أحد محاور الحوار الوطني الذي يعقد بصورة دورية على مدار العام والذي كان ثمرة جهود ورؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -. نعم إن التفكير النسبي والنقد الإيجابي يريك محاسن الشيء قبل عيوبه، وهذا له ما يبعده، حيث إن معرفة المحاسن تمكن من معرفة أسباب النقص الحاصل وليس العكس في أي عمل يراد تقييمه أو مناقشته وانتقاده. وهذا بالطبع يؤدي إلى أن يتعلم الإنسان أسلوب النقد النسبي وهذا بدوره يعني أن يتم الحكم على الشيء بصورة عامة على أساس محصلة نسبة المحاسن إلى العيوب أو بعبارة أخرى نسبة الإيجابيات إلى السلبيات. من المعروف أن الاجتهاد وتحري الدقة والمصداقية جزء لا يتجزأ من أي عمل يراد له النجاح ويكمل ذلك الجهد عناصر ذات أهمية بالغة مثل التخصص والمشورة ووضوح الطريق، ثم بعد ذلك تأتي المهمة التي تشكل حجر الزاوية في الحكم على ذلك المنجز أو من قام عليه. وهذه المهمة تتمثل في التقييم الموضوعي من خلال التقييم الذاتي والتقييم الخارجي الذي لا بد وأن يكون للتفكير النسبي والنقد الإيجابي الأولوية القصوى في تحديد الحكم على نجاح أو فشل أي مشروع. إن التفكير الإيجابي جزء لا يتجزأ من حياة المسلم وممارساته وقد حثنا الرسول الكريم على التفكير الإيجابي من خلال تقديم حسن الظن. كما أن المجتهد الصادق البنية في اجتهاده يكافأ على اجتهاده حيث انه إن أخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران. والتفكير النسبي والنقد الإيجابي يجب أن يشمل كل شيء في حياتنا سواء كان ذلك يتعلق بالتعامل بين الناس وبعضهم البعض أو يتعلق بالأمور الاجتماعية أو الخدمية أو الاقتصادية أو السياسية والأمنية وغيرها من الأمور فالنسبية في حكم على الأشياء مفتاح الحل ذلك أن هذا الأسلوب يأخذ بعين الاعتبار وجهي العملة. فكل شيء في الحياة له وجهان، وجه مشرق إيجابي ووجه مظلم سلبي ومتى غلبت النسبة الإيجابية النسبة السلبية أصبح الشيء مرغوبا، ونسبة تفوق الأول على الثاني هي التي تحكم على الشيء بأنه ناجح بنسبة مقبول أو جيد أو جيد جداً أو ممتاز. إن صاحب ذلك الأسلوب في التفكير لا يصغي إلى الشائعات بل هو يستبعدها كمصدر لرواية الخبر ويعتمد دائماً على المصادر الموثوقة لأي رواية أو خبر يريد مناقشته أو الكتابة عنه أو طرحه للرأي العام من خلال وسائل الإعلام. أما أصحاب التفكير المشوش فإنهم يعتمدون على وكالة أنباء «يقولون» وهي وكالة تعتمد في رواية الخبر على المبني للمجهول وهي متخصصة في بث الشائعات والتحاليل المغلوطة والأنباء المغرضة التي تخدم توجهات فئات إما حاقدة تسعى إلى التشويش وإحداث الفوضى، أو ذات نفوس شريرة تشبع رغباتها خلال المغالطة والعبث والتشفي من المجتمع عن طريق تبني وبث الشائعات المغرضة. والبعض الآخر لديه مركب نقص يحب أن يكمله عن طريق رواية أخبار من صنعه يعتقد أنها تُكبِّره في عيون الآخرين وتجعله يظهر بمظهر العارف ببواطن الأمور المطلع على الأسرار وقد ينسبها حتى يظهر بأنه ذو صلة ومكانة. وكل هؤلاء ليس لديهم عقل راجح يردعهم أو ثقافة عامة يتحدثون بها وبالتالي تغنيهم عما يقومون به من تزويد للاشاعات والأخبار المغلوطة ناهيك عن عدم وجود تميز يفتخرون به يغنيهم عن تلك الأساليب الملتوية التي قد تلحق الضرر بالأفرادأو الأسر أو المجتمع أو تخدم الأعداء كوسيلة أو غاية. إن مثل هؤلاء هم من يشكل الطاقم الفني والإداري لوكالة أنباء «يقولون» لذا تجدهم ينعقون كما ينعق الغراب ويستعملون المبني للمجهول لبث أخبارهم وشائعاتهم من خلال قولهم يقولون. إن المؤسف أن مثل هؤلاء لا يشكلون فئة متميزة ومحددة لذاتها حتى يمكن الحذر أو التخلص منهم بل هم فئة لا يحكمها مستوى اجتماعي أو اقتصادي أو تعليمي أو وظيفي معين لذلك يصعب التعامل معهم. إلا أنهم يدخلون مهما اختلفت مستوياتهم ضمن الفئة الرابعة من تصنيف صعصعة بن صوجان للناس حيث قال: خلق الله الناس أطواراً، فطائفة للسياسة والإدارة، وطائفة للفقه والسُنَّة، وطائفة للبأس والنجدة، وآخرون بين ذلك يكدرون الماء ويغلون السعر ويضيقون الطريق. وقد قام أحد المهتمين بمتابعة مصدر الشائعة وطريقة انتشارها بعمل تجربة ميدانية تتمثل في بث عدد من الأخبار الكاذبة وأخذ يرصد ردود الفعل عليها في أحد المجالس العامة ومتابعة دقة نقلها. فوجد أن بعضا منهم قد قرأ عنها في إحدى الصحف وآخر سمعها في نشرة إحدى المحطات الفضائية وثالث نسبها إلى أحد المسؤولين. بينما متابعته لطريقة نقلها فقد أشار فيها إلى أنه تمت إضافة تفاصيل لم تكن من ضمن النص الأصلي ويشير إلى أن الجميع قد بهتوا عندما أخبرهم أن الخبر ليس صحيحا وأنه من صنعه. وقال لقد كانت الغالبية ممن لم يشارك مبهوتة بين مصدق ومكذب لكثرة الرواة وتعدد مصادر نشره، ثم أضاف قائلاً: إنني أستطيع بحكم التجربة معرفة أولئك المهرجين بمجرد دخولي إلى أي مجلس بحكم التجربة والمتابعة ومن خلال أسلوب طرحهم المعوج وغير القويم. وعلى أية حال فإن الموضوعية في التقييم والمصداقية في رواية الخبر عامل مهم وأساسي في عمليتي الإصلاح والتطوير. كما أن اختيار الاكفأ للقيام بتلك المهام يجب أن يوكل إلى من يتمتع بالتفكير النسبي والنقد الإيجابي، أما التقييم الفردي أو من خلال الشفاعة الحسنة فإنها تؤدي إلى روئية جانب واحد من جوانب المعادلة وهي أسلوب اكل عليه الزمن وشرب. إن التقييم الموضوعي يأخذ بعين الاعتبار مجمل الحالة والمنجز، ومن قام عليها من خلال تواتر التفوق وتواضع الاخفاق. لهذا نجد أن التقييم الموضوعي يوكل في الغالب إلى من عنده حسن النية والمقدرة على التحليل الإيجابي لمجمل المهمة الموكلة إليه وهذه عناصر التفكير النسبي والنقد الإيجابي. نعم إن أهم مقومات النجاح في الأمم المتقدمة اليوم هو سلوكية التفكير النسبي واعتماد النقد الإيجابي في أي إنجاز أو عمل أو تقييم وبالتالي فإن المحصلة والرؤية تصبح واضحة المعالم. وهذا الأسلوب هو الذي يجعل تلك الأمم تبني قراراتها على أساس صحيح ومتين يضمن تعزيز الإيجابيات والحد من السلبيات مما يضمن الجودة والتفوق. والله المستعان.[c1]* «الرياض» السعودية[/c]