الأغنية اليمنية
اليمن .. بلد خصه الله بكثير من الجمال ومنحه من التنوع البيئي والتعدد المناخي ما أسهم في إعادة صياغة نمط علاقة الانسان فيه بالارض على أسس حسية جمالية ، كان لها دورها في التأسيس لفعله الحضاري الموغل في القدم ، والذي تجلى في إنشاء دولة مستقرة والتأسيس لحياة متمدنة أرتقت بالتقاليد والمهارات والفنون .وإذا كانت الكثير من الدلائل تقطع بعراقة الحضارة اليمنية فإن شواهد كثيرة تؤكد أن هذه الحضارة لم تكن حضارة ممالك وإنما حضارة مدنيات عبرت عن نفسها في دولة مستقرة ومجتمع متمدن سجل تطوره في مختلف مناحي الحياة ، ففي البعد الثقافي عبر هذا المجتمع عن نفسه بمنظومة من التقاليد المعيشية والمهارات المهنية وعلاقات التعامل المجتمعية القائمة على قيم الاحاسيس والمشاعر الانسانية ، والتي عبرت عن نفسها في أشكال فنية مختلفة تجلى في مقدمتها الشعر الذي عزفت ايقاعاته الاوتار ، فكان الغناء والموسيقى مكوناً اصيلاً ضمن صيرورة الثقافة اليمنية غير التاريخ .في هذا التحقيق نحاول فهم المستوى الذي شغلته الموسيقى في التاريخ اليمني والمراحل والمحطات التي مرت بها عبر التاريخ ومجالات التأثر والتأثير الذي لعبته مع موسيقى الآخرين بما فيها الموسيقى في دول الخليج .. لعلنا نصل في النهاية الي فهم سمات وخصائص الموسيقى والغناء اليمني .أول مشكلة سيفاجأ بها من يحاول القراءة في سفر الموسيقى اليمنية هي الندرة القائمة الى حد الغياب في الدراسات والابحاث في هذا المجال .. وقبل كل ذلك سيجد نفسه أمام تراث موسيقي ضخم زاخر بعدد لا حصر له من الاشكال والالوان والانماط التي تختلف من منطقة الى أخرى وهو تعدد عكسه التنوع البيئي والجغرافي الذي تتمتع به اليمن .. وهذا ليس المشكلة : فالمشكلة هي في أن هذا التراث لم يتم توثيقه وجمعه ورصده الامر الذي صار يتهدده بالضياع والتلاشي ..وإن كانت الحكومة اليمنية ممثلة في وزارة الثقافة قد تنبهت لهذا الامر فبادرت في الفترة الاخيرة - بدعم فرنسي - تأسيس مركز للتراث الموسيقي الذي بدأ بممارسة مهامه إلا أنها مهام تتطلب إمكانات كبيرة تمكنه من القيام بمسح ميداني لكافة ألوان هذا التراث وتوفير مادة معلوماتية شاملة عنه تكون المقدمة لحل إشكالية ندرة الدراسات والمراجع المتخصصة في هذا المجال وهي ندرة الدراسات والمراجع المتخصصة في هذا المجال وهي ندرة تغذيها ندرة أخرى في الباحثين والدارسين الموسيقيين .في ظل هذه الندرة في الباحثين يظهر الفنان جابر على أحمد واحداً من أهم الاسماء في الساحة الموسيقية اليمنية أداءً وبحثاً .. تخرج عام 1982م في معهد الموسيقى العربية في القاهرة وشغل العديد من الوظائف في الفرق الموسيقية الوطنية وقدم العديد من الاعمال وله مجموعة من الدراسات والابحاث إضافة الى ثلاثة كتب في الموسيقى والغناء اليمني .. ويعمل حالياً في وزارة الثقافة مديراً لمركز التراث الموسيقي ، إضافة الى كونه عضواً عن اليمن في المجمع العربي للموسيقى .. لكل ذلك أخترناه لنناقش معه محاور هذا التحقيق .[c1]أصالة الموسيقى اليمنية [/c]بلاشك فإن الحديث عن الاصالة في حضارة اليمن ينسحب على الموسيقى باعتباره مكوناً مهماً قي صيرورة الفعل الثقافي اليمني عبر التاريخ حتى وإن لم تتوافر الى اليوم دراسات يمنية تتبع مار هذه الصيرورة وتثبتها بالدلائل المادية .. ومثل هذه المشكلة كما يعتقد الفنان جابر علي أحمد هي مسؤولية اليمنيين فهم المقصرون في رصد وجمع ودراسة موروثهم الموسيقي .. ويقول : تبدأ هذه المشكلة من غياب الباحث الممتلك لأدوات البحث الموسيقي ومثل هذا الباحث من الصعب أن يوجد قبل أن توجد المؤسسات التعليمية الموسيقية العليا في اليمن والتي من مهامها تخريج مثل هؤلاء الباحثين .وعلى الرغم من أن ندرة المراجع والدراسات الموسيقية اليمنية تمثل مشكلة المشكلات في هذا الجانب إلاّ أنها - حسب الفنان جابر- لا تقلل من حقيقة أصالة الموسيقى في هذا البلد وهي أصالة وإن لم تثبتها دراسات يمنية فقد اثبتتها - للأسف - دراسات غير يمنية تأتي في مقدمتها كتب تاريخ الموسيقى العربية، فهذه الكتب لو استعرضناها عامة سنجد أنه ما من مؤلف استعرض تاريخ الموسيقى العربية إلاّ ووقف عند الحضارة اليمنية القديمة مؤكداً أنه كان هناك موسيقى وأنه كان هناك غناء .. وأن الغناء في اليمن قديم وكان له من الذيوع والانتشار ، وخصوصاً في أوائل القرن السادس الميلادي ، ما أضطر ذوي السلطان الى سن القوانين المنظمة له .لكن ما جاءت به كتب تاريخ الموسيقى العربية يبقى كلاماً عاماً من وجهة نظر الفنان جابر علي أحمد مؤكداً أن دراسة أثرية للباحث اليمني محمد عبدالله باسلامة أخيراً قد استفلتته بما قدمته - كما يقول - من استنتاجات مهمة تتعلق بمكانة الموسيقى في الحضارة اليمنية القديمة وفي مملكة سبأ تحديداً .. حيث كشفت الدراسة الستار من خلال قراءة في بعض النقوش والشواهد الاثرية عن وجود فرق موسيقية في مملكة سبأ حيث قدمت تلك؛ النقوش صورة واضحة لنساء يعزفن على آلات موسيقية متنوعة ( وترية وإيقاعية وغيرها ) .. واللافت للنظر هنا أن اللاتي يعزفن هن نساء وليس الرجال وهذا بحد ذاته ملمح حضاري مهم ، ومن واقع تلك الدراسة - يضيف الفنان جابر نتعرف الى الآلات الموسيقية التي كانت سائدة في تاريخ مملكة سبأ وهي الهارب والعود والطبلة والصلاصل والطنبور والصنج والمعزف والطوس !وبالنسبة الى العصر الاسلامي يقول الفنان جابر علي أحمد عندما ظهر الاسلام اعتنقه اليمنيون وانشغلوا بالفتوحات الاسلامية لكنه لوحظ أنهم لم يكونوا يحملون معهم الى البلدان المفتوحة مفاهيم الاسلام وحسب وإنما حملوا معهم أيضاً الاشكال الادائية الموسيقية اليمنية والتي تركت أثرها في الفعل الموسيقى في تلك الامصار ومن الاسماء الغنائية اليمنية التي نزحت من اليمن الى تلك الامصار يبرز المغني مالك ابن أبي السمح الذي ظهر في العصر الاموي بعد أن تتلمذ على يد ( بن معبد) ومثلما استقبلت الامصار الاسلامية فنانين يمنيين استقبل اليمن فنانين من غير ابنائه ومن هؤلاء يأتي ذكر المغني مالك ابن ابي السمح الذي ظهر في العصر الاموي بعد أن تتلمذ على يد ( بن معبد) ومثلما استقبلت الامصار الاسلامية فنانين يمنيين استقبل اليمن فنانين من غير ابنائه ومن هؤلاء يأتي ذكر المغني ( الغريض) الذي استوطن اليمن بعد أن وجد من أهلها كل ترحيب.