أضواء
في كل مرة تنشر وزارة الداخلية السعودية قائمة جديدة بأسماء المطلوبين في التخطيط لأعمال إرهابية يقفز تفكيري على الفور إلى عائلاتهم الطيبة والمسالمة. أتخيل حزنهم وصدمتهم ومشاعرهم الممزقة وإحساسهم كذلك بالخجل من هذه الفضيحة التي تنتشر في كل مكان. ولكن في الحقيقة أن ما يحدث لا يخص هذه العائلات فقط، وإنما يخصنا جميعاً كمجتمع. لو تأملنا قوائم المطلوبين، وخصوصاً القائمة الأخيرة، سنرى الكثير من أسماء القبائل والعائلات التي تنتمي لنا وتعبر عنا. أسماء لأصدقائنا أو أخوتنا أو أقربائنا.في الواقع أن اسماء المطلوبين لم توفر أحداً من العائلات الكبيرة والصغيرة إلا وظهرت لتؤكد أن مشكلة الإرهاب ليست مشكلة تخص فئة أو منطقة معينة، وليست مختصة بهذه العائلات التي يجب أن لا تلوم نفسها كثيراً فالمشكلة مشكلتنا جميعاً كمجتمع وعلينا أن نتخلص منها نهائياً حتى لا يقع فيها أحد من أبنائنا من جديد. ولكي نحمي أبناءنا من اعتناق الفكر الإرهابي يجب أن نسد المنافذ الموصلة إليه. وللأسف على الرغم من بساطة مثل هذا الاستنتاج إلا أننا لم نقم خلال مدة طويلة إلا إلى فتح المنافذ التي تجهز أبناءنا إلى تبني الأفكار العنيفة والمتطرفة. لهذا من المهم أن نتعرف على الأخطاء الفادحة التي ارتكبناها حتى لا نقع فيها من جديد ونورط أجيالا جديدة من أبنائنا في الأفكار المتشددة التي تقودهم إلى المنظمات الإرهابية. وفي الحقيقة أعتقد أن التغيير يجب أن نقوم به كآباء وأمهات وأخوة وأصدقاء لأني لا أرى هناك أي تغييرات حقيقية تجري على الواقع من أجل محاربة انتشار الأفكار المتطرفة. [c1]كيف تمنع ابنك أن يكون إرهابياً؟! [/c]من المفترض أن يطرح الأب أو الأم هذا السؤال على نفسه وهو يشاهد أبناءه الوسيمين اللطيفين يتلاعبون أمامه ويجب أن يعرف الأب أو الأم أو الاخوة أن لا شيء يمنع أن يتحول هؤلاء الأطفال إذا كبروا إلى متطرفين أو إرهابيين إلا شيء واحد هو تحصينهم بثقافة فكرية قوية وعميقة تتسم بالعقلانية والتسامح وحب الآخرين ورغبة الاندماج معهم. وعليهم أن يفعلوا ذلك بأنفسهم وبشكل مستمر ومتواصل، وأن لا يعتمدوا على أحد، بل من الأفضل أن لا يعتمدوا على أي من الجهات التي تشكل العقول لدينا مثل المدارس والجمعيات فقد أثبت الواقع أنها كانت مضرة، وسبباً أساسياً في دفع الأطفال إلى التفكير العدائي الذي يؤدي إلى الإرهاب. غالبية العائلات التي تورط أبناؤها بالتطرف أو الإرهاب لم يجيبوا عن هذا السؤال المهم، بل للأسف هم شجعوا، بحسن نية بالطبع، أبناءهم على اعتناق الفكر المتطرف عبر تركهم فرائس سهلة للجماعات المتطرفة في بعض من المدارس والمساجد والشارع، أو عبر دعمهم أنفسهم لأفكار التطرف وهذا موجود لدينا جميعاً، حيث نشأ الكثير منا في بيوت لا تؤمن بقيم التسامح والتعايش، بل الكراهية والبغضاء لكل أحد يختلف معنا دينياً أو مذهبياً أو فكرياً. مع بيئة فكرية داخل وخارج البيت تشحن عقل الشاب بأفكار متطرفة فإن مسألة تحوله إلى إرهابي هي مسألة متاحة تماماً، ويصبح هذا الفتى جاهزا لأي تنظيم أو مجموعة يمكن أن تجنده وتتسبب بقتله داخل أو خارج السعودية. إذا أردنا أن نحمي أبناءنا الصغار من أن يكونوا في يوم متعصبين أو إرهابيين هو أن نزودهم بثقافة جديدة تماماً وتختلف جذرياً عن الثقافة الدينية والفكرية والاجتماعية التي سيطرت علينا ومازالت لعقود طويلة. بدل أن تعلم أبناءك، أو تترك أحدا يعلمه، قيم العداء للمختلفين معنا دينياً علمه قيم التسامح الديني التي تجعله يختلف مع هؤلاء دينياً ولكنه يشترك معهم انسانياً، واجعله ينبذ كل الأفكار البغيضةالتي تتمنى القضاء عليهم، وإذا استمع إلى دعاء إمام المسجد بأعلى صوته أن يهلكهم اطلب منه أن ينسى ما سمعه ويتذكر أن يحب الجميع، ولا يكن بغضاء أو كراهية لأحد، وان القيم التي تحركه قيم التعايش والمشاركة. العائلات التي تورط أبناؤها بالتطرف والإرهاب استجابت تماماً لمثل هذه الثقافة العدائية، وجعلت من الشخصيات المتطرفة نموذج أبنائهم في الخير والصلاح. إذا أردت أن تمنع ابنك أن يكون إرهابيا يجب أن تعلمه أن يقرأ النصوص الدينية قراءة غير متزمتة وغير حرفية ومحددة، وإنما قراءة عقلانية ومنفتحة على تغيرات الواقع. العائلات التي خسرت أبناءها بسبب الإرهاب تركتهم لمن يحقنونهم بالأفكار المتطرفة بناءً على رؤيتهم المتشددة والمؤدلجة لنصوص القرآن والسنّة، وبات حديث واحد أو آية واحدة تقرأ وتفسر بطريقة متشددة هي التي تعبر عن جوهر الدين، بينما جوهر الدين هو المحبة والتراحم والتواضع والحفاظ على مكارم الأخلاق.إذا أردت أن تمنع ابنك أن يكون إرهابيا يجب أن تجعله ينفتح على الثقافات الأخرى ويندمج فيها ويتعلم منها، ويتخلى عن كل أفكار الثقافة السائدة التي تضلل الآخرين وتحرض على الانعزال، سيتعلم من خلال ذلك أن يحترم معتقدات وأفكار الآخرين، ويتخلى عن رؤية نفسه المصيب والنقي الوحيد في العالم. يمكن أن تجعله يرى أن الواقع قائما على تعايش البشر والثقافات على اختلافها، وان العقائد والثقافات المنعزلة والمتطرفة التي أثبتت بالنهاية فشلها ونهايتها. يستطيع أن يلمس قيمة التواصل من خلال الدواء الذي يشفيه أو السيارة التي تقله أو حتى الأكل الذي يحبه.يمكن أن تحقنه بالمفاهيم التي تحترم قيمة الإنسان ذكراً أو أنثى، ومهما اختلف بلده أو دينه أو ثقافته، فمن المؤكد تماماً أن الأشخاص الذين يحترمون قيمة الإنسان وحريته لا يتحولون إلى إرهابيين. يمكن أن تجعله لا يقدس الأشخاص ولا ينخدع بأشكالهم، وأن يملك عقلية مستقلة وشخصية قوية تمنع المحرضين ورموز الإرهاب من قتل نفسه وإيذاء بلده بينما هم ينعمون بالراحة ويبعثون أولادهم للدراسة بالخارج، يمكن أن تجعله يرى قيمته كإنسان في الحياة والمحبة والبناء لا في الموت ولا الكراهية والتدمير. مثل هذه الثقافة التي تعتمد على التسامح والعقل واحترام قيمة الإنسان هي السبيل الوحيد لنا كعائلات طيبة ومسالمة لمنع أبنائنا من التحول ليكونوا متعصبين ومن ثم إرهابيين، وهي الطريقة الوحيدة التي لن تجعل الأم أو الأب يشعر بالصدمة والتمزق والخجل وهو يسأل نفسه: ابني إرهابي.. كيف حدث هذا؟![c1]* عن / جريدة «الرياض» السعودية[/c]