بسبب الضغط النفسي وما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي
غزة / ايلاف / نجلاء عبد ربه: يمكن الربط بشكل واضح بين الاحتلال والسحر والشعوذة، فالضغط النفسي وما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، دفع شريحة معينة منهم إلى اللجوء للسحر والدجل هربا نحو المجهول، ولعل عامل اليأس والقنوط الناتج من استمرارية الصراع أدى بهذه الفئة إلى الهروب إلى هذا النوع الباطل من الشعوذة، كما أن بعض الناس حاولوا من أجل المادة والربح تلبيس الدجل والشعوذة بلباس الإسلام، وابتدعوا في الرقية الشرعية، وكذبوا على الناس بادعائهم أنهم يعالجون الناس بالقرآن. لكن ما يذكر أن الشعوذة بدأت تتفشى بشكل غريب في المجتمع الفلسطيني بشكل عام والغزي على وجه التحديد، وقد كثرت القصص والحكايات التي تؤكد ذلك في ظل غياب واضح للسلطة التشريعية والتنفيذية في غزة التي تسيطر عليها حماس منذ منتصف العام الماضي.في المقابل فإن النساء يلجأن اكثر من الرجال إلى طرق أبواب هؤلاء المشعوذين, خصوصاً النساء اللواتي يعانين ظروفا حياتية خاصة تجعلهن اكثر إقبالاً من غيرهن لطرق مثل هذه الأبواب. ولأن النساء بطبيعتهن “قليلات الحيلة” كما تقول إحدى السيدات لـ إيلاف “فهن يصدقن كل شيء رغم أن العديد منهن يدركن تماماً أن هؤلاء المشعوذين, لن يغني الذهاب إليهم, ولن يسمن من جوع”.“دينا” تبلغ من العمر “28 عاما “ لم تنجب حتى الآن .. الهاجس الذي يراودها هو خوفها من زواج زوجها عليها بحجة الإنجاب , لذلك اضطرت للذهاب إلى احد المشعوذين في قطاع غزة بعد أن نصحتها صديقة لها بذلك، لاسيما أن المشعوذ يروج عن نفسه بأنه مختص بإجراء عمليات جراحية للعقم والولادة . تكشف دينا عن أسرار زيارتها لهذا الدجال فتصفه قائلة, “رجل في العقد الخمسين من عمره، يحمل مسبحة في يده ويطلق لحيته، عيناه تميل للون الأحمر ووجهه مائل للسواد، آثار التدخين ظاهرة على أسنانه ،قصير القامة، ويبدو أنه لا يجيد الكتابة ولا القراءة، عصبي المزاج، يفرض ما يريد على زبائنه بالصوت العالي، في غرفة صغيرة عبق البخور فيها يثقل حاسة الشم”.وتقول دينا وهو اسم مستعار لها، والحسرة تعتصرها “ لم يكن أمامي أي طريق غير اللجوء لهذا الرجل، لاعتقادي انه رجل دين حقيقي، ولم أكن أسمع أن الكثير من الرجال لجأوا لهذا العمل الدنيء”.. وتقف دينا برهة من الوقت وتسيل دموعها خجلاً وندماً قبل أن تستمر قائلةً “قبلت أن يفحصني، فكشفت له عن صدري ومكان عفتي وقام بقراءة طلاسم غريبة حتى وجدته يمد أصابعه بحجة فحص الرحم.. وطالت فترة فحصه حتى انتابني شك كبير في تصرفه، وبعد نصف ساعة من الفحص ، قال لي إن “سحرا” عُمل لي ومزروع داخل “الرحم” ولا بد من إخراجه بعملية جراحية سيقوم بها “الجن” ولكن العملية تكلف ألف شيكل أي ما يعادل “250دولارا” ، ما جعل “دينا” تتردد في الموافقة على إجراء العملية. تكمل “دينا” قصتها قائله “صارحت زوجي في لحظة سعادة بيننا بالموضوع”، إلا أن الغريب كما تقول دينا ، أن زوجها قبل بالعرض ووافق على إعطائها المبلغ. وتضيف “دينا” ذهبت ومعي المبلغ المطلوب وقام “الشيخ” بفحصي مرة أخرى بالطريقة الأولى نفسها وبعد الفحص ، دهن على جسدي ما يشبه اللبن وشعرت بغيبوبة ولم أشعر ما حدث لي ولم أدرك ما حولي حتى أيقظني “الشيخ” وقال لي “مبروك” عمليتك نجحت”، مؤكدة أنها لم تحمل رغم مرور 5 أشهر على الحادثة.وتؤكد هذه المرأة التي خُدعت أنها في غاية الندم، خصوصاً وأنها كشفت جسدها لدجال وأعطته مالاً، إضافة إلى إعطاء زوجها سببا قويا في تدمير حياتها. وتقول “ أمري واقف على الطلاق فمنذ شهرين وأنا في بيت أهلي”.أما عن رأي رجال الدين في مثل هذه الحالات فيؤكد مفتي غزة الشيخ “عبد الكريم الكحلوت” أن هذا دجل وسحر يقوم به المشعوذ من أجل هتك أعراض النساء وجمع المال بطرق حرام، مشيراً إلى أن إجراء عمليات جراحية من قبل الجن للإنسان، هو كذبة كبيرة وباطلة، معتبراً أنها من “طرق تلبيس جني في جسد الإنسان ليسكن الجسد ويشارك صاحبه حياته”. وأكد الشيخ الكحلوت أن الشرع نهانا تماما عن الذهاب إلى السحرة والمشعوذين، وقد اعتبره الدين الإسلامي “كفرا”، إذا ما ذهب المسلم إلى الساحر وصدقه، وأما إذا لم يصدقه فلن تقبل منه صلاة أربعين يوما حسب ما ثبت عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، و أن الجني يسكن الإنسان حقيقة موجودة فقد جاء الجن على صورة إبل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهناك سورة في القرآن الكريم بإسم سورة “الجن”.وحادثة “دينا” ليست الوحيدة ولكنها مثل بسيط عن ضحايا كثر سقطن بأيدي المشعوذين والدجالين ، أما عن أهم أسباب انتشار ظاهرة الشعوذة في فلسطين فيؤكد مفتي غزة أن الجهل بأمور الدين عند البعض يعتبر سببًا حاسمًا في انتشار الشعوذة والسحر، موضحا “ولو أنهم رجعوا إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأدركوا خطأ ما يفعلون”.واستشهد مفتي غزة بالحديث النبوي الشريف عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أتى كاهنًا أو ساحرًا وصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد”. وأضاف الكحلوت أن الخوف من وهم المرض النفسي من الأسباب المهمة، حيث إن كثيرًا من الناس يلجأ للدجالين خوفًا من أن يوهم هو أو أحد أبنائه بأنه مجنون، وهذا يؤثر في مستقبله -أو مستقبلها- من ناحية الزواج والعمل والحياة الاجتماعية، فمن السهل القول إنه تلبس فلان أو فلانة جني، ومن الصعب القول إنه مريض نفسي، فالجن قوة خارقة تستطيع أن تفعل ما تريد أما المرض النفسي فهو الجنون. وأكد مفتي غزة أن الأدلة على وجود السحر في الكتاب والسنة ثابتة وواضحة، ويصف علاج السحر بقوله: إن القرآن الكريم شفاء وهدى للناس، قال تعالى: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا”، وقد عالج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالقرآن من كثير من الأمراض كالسحر والصرع والمس والحسد، فالقرآن الكريم خير حافظ للإنسان من السحر، فعلى من أصابه السحر أو غيره من الأمراض النفسية قراءة القرآن الكريم والاستعانة بأشرطة الرقية الصحيحة بحيث يقرأ هو ذلك أو أحد أقاربه، كما أن هناك علاجًّا ماديًّا كالخرائط القرآنية وطرق أخرى وردت في شرح البخاري كالاستعانة بورق السدر أو الحبة السوداء وغيرها كثير، وكل ذلك لا يحتاج بالطبع للذهاب للمشعوذين الجهلة. وأوضح الكحلوت أن الاستعانة بالقرآن الكريم من قبل الشخص المصاب أو ذويه لا يتعارض بتاتًا مع الطب النفسي البشري؛ لأن الأصل في الطبيب المسلم الاستعانة بالله وكتابه في علاج المريض، كما ينتقد الذهاب للعيادات القرآنية من أجل العلاج. ويتساءل: هل تصعب قراءة القرآن الكريم والقيام بذلك بأنفسنا دون الاعتماد على ناس أغلبهم يتظاهر بأنه يستعين بالقرآن، مضيفا أ ن ظروف الانتفاضة القاسية أثرت في الكثير من الناس، فهناك العديد من المشاكل التي قد تواجه الناس طبقًا لتلك الظروف؛ لذا أدعو الجميع إلى التمسك بكتاب الله سبحانه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعدم التوجه للدجالين والمشعوذين؛ لأنهم حتى إذا كانت نوايا البعض منهم صادقة فنحن لسنا بحاجة إلا لعلاج أنفسنا بأنفسنا.ويرى العديد من المحللين والمهتمين بهذا الشأن أن المسؤولية تقع على كاهن الدولة أو الحكومة في أي بلد من البلدان التي يحكمها القانون، بالإضافة إلي المؤسسات غير الحكومية, حيث إن ممارسة أي مهنة يحتاج إلى أصول وقوانين، وممارسة الدجل والشعوذة والسحر أمر خارج عن القانون، هذا من جانب،ومن جانب آخر فالمسألة ترتبط كذلك بمدى ثقافة المجتمع والوعي، حيث إن الدجالين والمشعوذين يمارسون ألاعيبهم؛ لأن هناك من يشتري بضاعتهم ويعزز سلوكهم الخاطئ عن طريق الاستمرار في الذهاب إلى أماكنهم، وكلما زاد الوعي قلّ تعزيز سلوك هؤلاء الدجالين، فالمسؤولية أيضًا تقع على المؤسسات غير الحكومية والتي لا بد أن تلعب دورًا لتوعية أفراد المجتمع وبيان خطر هؤلاء الدجالين.