أن رواية الكبرياء والتحامل لجين اوستن هي قصة شاب وفتاة فالشاب بالرغم من دماثة خلقه يتصف بشيء من الغرور وبالرغم من انجذاب الفتاة له فهو يعتقد بأنه اعلى منها ومن عائلتها اجتماعياً ونتيجة لذلك تتحامل الفتاة عليه لغروره وتبدأ بتكوين فكرة عنه ترفض تغييرها.تقدم لنا الروائية جين أوستن في هذه الرواية انواعاً مختلفة للزواج فهناك الزواج القائم على الحب الحقيقي هو أجود أنواع الزواج بحسب رأي الكاتبة كما تقدم لنا زواجاً من نوع آخر قائماً على المصلحة؟ وآخر بسبب الخوف من العنوسة؟ وآخر ليس له أي أساس منطقي وليس قائماً على الحب بل انه زواج مستهتر ولا يقدر المسئولية؟ كما ان هذه الرواية تصور لنا بطريقة جذابة ساخرة في آن واحد كيف ينظر بعض الناس للزواج؟؟ الموضوع الرئيس في هذه الرواية الاجتماعية الشيقة يتمثل في سخريتها من طريقة تفكير بعض الناس في بعض الأمور خصوصاً في موضوع الزواج كما تمتاز هذه الرواية بان لغتها سلسلة وواضحة مقارنة ببقية الروايات الأخرى التي كتبت في زمن الكاتبة أي قبل أكثر من مائتي سنة؟ كما أن الشخصيات التي سخرت منها جين أوستن لتفاهتها وسطحية تفكيرها موجودة في كل زمان ومكان.كانت جين أوستن في طفولتها معروفة بشغفها في تقليد الآخرين في طريقة كلامهم وهيئتهم وبعد أن كبرت تفجرت موهبة التأليف فيها؟ فبدأت بكتابة المسرحيات ؟ لكنها كانت محدودة العدد كانت معروفة بولعها الوقوف على المسرح منذ سن مبكرة؟ فكانت تعد المسرحية وتقف للتمثيل فيها مع بعض أفراد عائلتها وأصدقائها وذلك على مبنى خشبي في حديقة منزلها في الصيف أما في الشتاء تعد المسرحية في غرفة لطعام.وجميع مؤلفاتها تقريباً مليئة بتقليد بعض الشخصيات السطحية والتافهة وكذا تقليد أسلوب طريقة كلامهم السخيف وفي روايتها الكبرياء والتحامل نجد بعض الشخصيات مثل السيدة (بانيت) و(السيد كولنز) كذا الليدي كاثرين دي بور) مثالاً صارخاً للتفاهة والسخف والتفكير الضحل.ولدت جين أوستن عام 1775م في قرية صغيرة تقع في جنوب انكلترا وكان والدها كاهن القرية مثله في هذا مثل الكاهن السيد كولنز في الرواية ولكنه يختلف عنه في طبيعة شخصيته فلم يكن سخيفاً مثله بل كان رجلاً شخصية وثقافة رفيعة وقد نقل ثقافته إلى جميع أبنائه وبناته السبع.وكانت جين- وهي أصغرهم- قد تعلمت اللغة الفرنسية وقليل من اللغة الايطالية كما تعلمت العزف على البيانو وكانت خبيرة في أعمال الحياكة ولكن الأهم من هذا وذاك كنت قد تثقفت وتشبعت بقراءة الأدب الانكليزي وكانت قد بدأت الكتابة وهي لا تزال صبية وقد أنهت كتابة عملها الأدبي الأول عام 1796م الذي تم إعادة كتابته وصياغته من جديد بعد ذلك ببضع سنوات فكان الكبرياء والتحامل وكان والدها يشجعها كثيراً على الكتابة ولقد حاول مساعدتها في إيجاد التمويل اللازم لطباعة روايتها لكنه لم يفلح في هذا وفي الواقع استمر هذا الحال حتى عام 1811م وفيه تم طباعة روايتها التي كانت أول عمل ينشر لها وكانت قد أكملت كتابة ست روايات قبل وفاتها في العام 1817م.لكي ندرك مجتمع الكبرياء والتحامل نحتاج نحن القراء إلى ان نفهم ونعي المجتمع الذي عاشته مؤلفة الرواية ففي تلك الفترة كانت جنوب انكلترا عبارة عن ارض يقوم بزراعتها العديد من العمال الذين بدورهم يعملون لحساب المزارعين وهؤلاء المزارعون كانوا لا يملكون هذه المزارع بل كانوا يدفعون إيجار هذه المزارع أربع مرات في السنة للملاك وكان ملاك المزارع من الطبقة العليا إذ كانوا يحيون حياة مرفهة بالغة الثراء وفقد كانوا يعيشون في قصور فخمة محاطة بحدائق كبيرة أو مروج بها بعض الأشجار هنا وهناك وقد تحتوي على بحيرة وبعض الشخصيات - مثل السيد بانيت- في هذه الرواية يحيون حياة كريمة وميسورة الحال ولكن دون ثراء فاحش أو فقر مدقع وآخرون يمتلكون العديد من المزارع والمنازل في لندن ولديهم ألقاب نبلاء بما إنهم كانوا يمتلكون الأراضي والمزارع فبالتالي كانت لهم منزلة اجتماعية رفيعة في مجتمعهم لكن كان اغلب الناس في ذلك الزمان يعيشون على الكفاف في صيد الحيوانات البرية والأسماك وكانت كنائس القرى وكهنتها مدعومين بامتيازات خاصة يوفرها لهم النبلاء كما كان كثير من الكهنة يعيش حياة مرفهة بفضل دعم النبلاء لهم على هذا الأساس كان النبلاء هم الذين يعينون الكهنة والقساوسة كانوا عادة مايختارونهم وفق رغباتهم ومصالحهم الخاصة ولهذا كان معظم القس الذي عينته الليدي كاثرين دي بور وفق مصالحها الخاصة وأهوائها كما لدينا ايضاً بكل الرواية السيد دارسي الذي اعتقد بان ويكهام لم يكن الشخص المناسب الذي يصلح لوظيفة كاهن عموماً في جميع الحالات كان الكهنة من الطبقة المثقفة وكان ينظر لهم على إنهم ينتمون إلى طبقة النبلاء أما عائلة جين أوستن فكانت تنتمي إلى الطبقة الوسطى فلم يكن والدها بالشخص الغني أو النبيل كما لم يكن ايضاً فقيراً ومن هذه الطبقة انطلقت جين بكتابة رواياتها.كان العالم الخاص لجين اوستن صغيراً فلم تكن تسافر كثيرا، كما كان لها عدد محدود من الأصدقاء لم يظهر أي شيء غير عادي في حياتها كما انها لم تتزوج فقد عاشت مع عائلتها في منزل ابيها في القرية حتى وفاة والدها عام 1805 وبعدها انتقلت جين للعيش في مدينة باث ساوثامبتون واخيراً عادت للعيش في قريتها مع والدتها وأختها.ولكن المقابل لايعني هذا ان حياتها كانت خالية من التشويق والإثارة ففي معظم حياتها كانت بلادها انكلترا في حرب طاحنة مع جارتها فرنسا بما كان يعرف بحرب الوردتين تلك الحرب التي استمرت مائة عام وقد تم جز راس زوج ابنة عمها وذلك لانه فرنسي كان ذلك في عام 1789 وكان اثنان من اخويها يعملان كضباط عسكريين في البحرية البريطانية وقد تقلدوا اوسمة ونياشين رفعية لدورهم في تلك الحرب ولم تكن حياة الريف التي عاشتها جين حياة هادئة او مسالمة كتلك التي كانت تصورها في رواياتها .. بمعنى اخر كانت جين اوستن تخلق عالمها الخاص في ورايتها وهذا ماكان يعمله كثير من الروائيين العظماء.
|
ثقافة
جين أوستن وروايتها « الكبرياء والتحامل »
أخبار متعلقة