محسن أحمد عبدالله العنجري الهرو لي ثلاثة أطفال... من زوجة طيبة عندما حملت بأولهم توحمت على التفاح، في موسم غير موسم التفاح.. ومع ذلك سهل الله الأمر فوجدت من سيسافر إلى لبنان حينها، شرحت له محنتي ووعد بان يساعدني.. بعد عشرة أيام من غيابه عاد وبعودته عادت زوجتي من بيت أهلها بعد قطيعة خلاف ذات موقف متشدد لعدم قدرتي على توفير التفاح. شكراً لصديقي الذي جلب لي ثلاث تفاحات غير متعذر لضريبة الاستيراد الباهظة.. صدقته.. أو لم أصدقه لايهم.. فالمهم بأن زوجتي عادت - وعند حملها الثاني مسكينة زوجتي توحمت ولأول مرة دون غيرها على حزام ذهب عيار واحد وعشرين ((خليجي)) لتند المشكلة من فوهة وحامها الغريب، ولأني لم استطع شراء ذلك الحزام الباهظ ذهبت مرة أخرى إلى بيت أهلها.. وبعد أن تدخلت الأوساط القريبة والبعيدة لحل هذا الإشكال الوحامي المتعنت، وبعد تفكير شاق وجدنا الحل.. ولأني أستاذ قديم في إحدى المدارس الإعدادية.. سمحت الفرصة بأن يتفق الجميع على إقرار مشروع جمعية شهرية بمقدار خمسة آلاف عن الفرد الواحد لعدد جميع المدرسين في المدرسة على أن تمنح لي اولاً.- وجاء الفرج عندما جاءت مراسي الزمن بتاريخ ثمانية في الشهر على موعد دفع الرواتب وتم تجميع المبلغ ومن يد المحاسب فوراً إلى يد صائغ الذهب في الشارعً الرئيسي.. وأخذنا الحزام أخيراً وعادت زوجتي من بيت أهلها على بساط الفرحة مسرورة مجبورة طرحت يدها على صدرها وشهقت بقوة كأنها لم تصدق عيناها عندما جاء ناظرها على أول عقدة ذهبية منقوشة بشكل جذاب في الحزام المكلف بثمنه وبمعناه.- وقتها تحدثت بداخلي صامتاً وآمراً بأن تكف عن مشاريع إنجابها.. ولا بد من ذلك، خوفاً من المرة المقبلة تتوحم زوجتي على طن من الذهب، حينها لن تكفي رواتب وزارة التربية والتعليم كلها لتحقيق مطلب وحامها وعند مفاتحتها بذلك أصرت على أن تنجب قائلة دون تردد.- بأن الأولاد بركة من عند الله ورزقهم مسهل - قلت: إذن حبوب منع الحمل - قالت: إنها مضرة بسببها أغدو عصبية ويترهل جسمي .. وأصاب بعض الشيء بحال من الاكتئاب.- سألتها : ما هو الحل إذن؟- أجابت : إذن نصوم على بركة الله - قلت : إذن الأطفال بركة من عند الله يا ابنة الحلال أطفئت الإضاءة وتدفئنا بأنفاس الليل الهادئة- لتمر الأيام تلو الأيام فيأتي الوحام الثالث وحام غريب جداً وأغرب مما سبق توحمت زوجتي هذه المرة على جريدة وما أدراك ما جريدة فإنا لا أستطيع التعامل مع حياتي اليومية دون تناول وجبتي الذهنية والفكرية والإعلامية من وسط مشهيات ومسقعات ومكسرات وفواكه الأخبار الطازجة بين موائد صفحات جريدتي ومعشوقتي اليومية المفضلة فكل يوم أعود من موقع عملي وبطريقي أمر إلى المكتبة في الركن الأخر من الشارع أنقذف بداخلها ودون كلام يمد بها صاحب المكتبة بكل ثقة ((الجريدة)) والحساب آخر الشهر يحاول دائماً أن يعرض على اخذ جريدة آخرى إلى جانبها. أرفض ولا أدري لماذا؟ - وبعد أن تكون ملء راحتي أشعر بأنني محظوظ .. وفي منزلي كالمعتاد أتناول وجبة الغداء وأشرب بتلذذ الشاي بينما عيناي بكل قوة ناظرهما تبحران قرب شواطئ الصفحة الأولى لأصطاد بكل مهارة العناوين المثيرة والأخبار الأولى الملفتة للاهتمام .. وأتسلل بقراءتي صامتاً فوق جدران السطور لأجد بين الصفحات المليئة يما تشتهيه النفس التائقة للأخبار والثقافة.- وحين تراني زوجتي تصرخ دون سبب.. لا أريدك أن تقراء الجريدة.- اجلس معي وتحدث إلى وغض النظر عن قراءتها.. - أحاول أن أجاملها فأضع الجريدة برفق وأبدأ الحديث معها لبضع دقائق ودون شعور أعود لإقراء الجريدة من جديد فتصرخ وتصرخ في وجهي من جديد لتمنعني مرة أخرى وهكذا كل يوم، لقد توحمت زوجتي على جريدة هذه المرة.. -فكرت من سيخرجني من هذه المشكلة من هذا الوحام المرعب؟ - نعم أن أترك الجريدة يعني أن يمارس ضدي الرعب وأنا رجل لم أعهد الرعب منذ زمن بعيد قررت قراءة الجريدة سراً في الحوش وفي الممر وتحت السرير وخلف الستائر، لكنها دائماً ما كانت تكشفني وتعلن حرب الوحام الغريب ضدي إلى أن ضاقت بنا الحياة، تركت المنزل كعادتها وذهبت إلى بيت أهلها ومع ذلك فقد كان الخوف يداهمني كثيراً .. لأني سمعت بأن وحام النساء عند الحمل شيء مهم يؤثر في ولادة الطفل حيث أن زوجتي دائما ما تقول وتردد فارحة قائلة :- أنظر لو أنك لم تحقق مطالبي في وقت الوحام ما كنت أنجب أولادي بهذه الحلاوة والصحة والعافية فكرت بذلك وخفت بينما الأيام تمر وأنا في منزلي لست وحيداً رغم غيابهم جميعاً عني ((أسرتي)) فأنا مع الجريدة لا أعاني من الوحدة .. أخبار .. ثقافة .. تاريخ .. رياضة.. لكنهم غير موجودين ((أسرتي)) وماذا كان سيحدث لو أن الجميع موجودون؟أسرتي والجريدة .. ياريت .. ياريت .. وفجأة دقات الباب تعلو ومن خلفه صراخ شديد هذا صوت زوجتي لعلها أسقطت الطفل.. هرعت أفتح الباب خائفاً ومندهشاً فإذا بها زوجتي فعلاً تصرخ وتبكي في أن واحد حملتها من على الأرض وأدخلتها إلى صالة المنزل دون شعور سألتها ماذا جرى؟ أجابت بكل صعوبة قائلة ..- لقد ضاع حزام الذهب وأغمي عليها مرة أخرى.. وبذلك عشنا ثلاثة أيام في حالة استنفار، كنا في حال لا حسد عليه لكني كنت أثق في جريدتي ومعشوقتي ، لهذا أنا أعشقها دون سواها بعد أربعة أيام فقط من نشر خبر الضياع والإعلان عن ذلك جاء في ركن صغير أسمته زوجتي فيما بعد الركن الذهبي خبر مفاده بأن هناك من أبلغ الجريدة عن العثور على حزام ذهب خليجي عيار واحد وعشرين بين حلقاته سجلت وحامات زوجتي، وانتصرت بفضل الله هذه المرة وكل مرة فرحة زوجتي لذلك ومن يومها إذا راتنى أدخل المنزل دون الجريدة عدا يوم الجمعة فإنها تهددني بترك المنزل.. حتى أنها أسمت المولودة الجديدة (( ......)) ودائماً ما دعوها يا أبنت الجريدة.
أخبار متعلقة