مهرجان عدن الثقافي
متابعة/ عبدا لله الضراسيشهدت قاعة ابن خلدون بكلية الآداب جامعة عدن بخورمكسر ظهر يوم الاثنين السابع من الشهر الجاري وقائع أول فعاليات مهرجان عدن الثقافي.. (عدن حنجرة الزمان والمكان) وهي ندوة حول (الأغنية والمكان).ترأسها وأدار وقائعها(باقتدار)الشاعر والناقد الأستاذ عبدالرحمن إبراهيم وقد شارك فيها الباحث والعالم الموسيقي والكاتب وطبيب المبدعين أ.د/ نزار محمد عبده غانم ببحث بعنوان(سالم بامدهف فنان يمني اخلصه لمشروعه الحداثي) حيث استهل بحثه بهذه (الإطلالة المقالحية) حيث أورد على لسان أ.د/ عبدالعزيز المقالح(صحيح إن شعر الغزل والأغاني الوجدانية لا تصلح لرصد الاتجاهات العامة والصحيح ايضاً أن شعر الغزل وأغاني العاطفة تعد مصدراً أساسياً للتعرف على معاناة الناس في عهود التحجر والانغلاق الاجتماعي.[c1]محطة غانم وبامدهف[/c]ويفتتح أ.د/ نزار محمد عبده غانم بحثه الموسيقي القيم بإضاءة حول الفنان الكبير سالم بامدهف عن نشأته ودراسته وكذا مواقعه العملية حتى (يصل) إلى المحطة (الغانمية) مع بامدهف إذ كتب مايلي:انضم سالم بامدهف إلى الندوة الموسيقية العدنية التي كان شاعرها الأول(الاستاذ محمد عبده غانم) لكنه عاد وترك الندوة إلى الرابطة الموسيقية العدنية ويفسر الفنان المرشدي هذه (الخطوة) بأن(سالماً) يئس من الحصول على منحة لدراسة الموسيقى فكان أن قرر تركها إلى الرابطة .. والسؤال هو هل(ظفر) بما أراد عند الرابطة إذا صح تخمين المرشدي؟ولربما كان لقاؤه بالشاعر الأستاذ محمد عبده غانم مطلع الخمسينيات من أهم( المحطات) في حياته، حيث اشتركا مع آخرين في تأسيس الرابطة الموسيقية العدنية التي رأت النور عام 1951م بعد أن كانت الندوة الموسيقية العدنية قد سبقتها إلى الظهور أواخر عام 1948م والفضل يعود للندوة الموسيقية العدنية ومطربها الأول خليل محمد خليل في إشراع قارب التلحين بنكهة غنائية مغايرة لما كان يعرف في المدينة(عدن) من نكهات غنائية مختلفة منها (المحلي) ومنها (الوافد) ولذا يعرف خليل بأبي الأغنية العدنية . نعم في ذلك الوقت لم يكن بالإمكان أن يغير ذلك إما الآن بعد انصرام السنين فيجدر بنا أن نسمي (خليلاً) أبا الأغنية الحديثة في اليمن.ولما شعر الشاعر محمد عبده غانم(بالحساسية) بين الندوة والرابطة وضع كلمات لحنها وغناها الفنان سالم بامدهف منها:-[c1]يا بدر في شعبانانثر على الأكوانشعاعك الفتان[/c]وكما حاول الشاعر محمد عبده غانم الذي كان (مهموماً) بوضع اللغة العربية في مستعمرة عدن كتربوي ومثقف آن يجر الفنان خليل محمد خليل إلى تلحين كلمات فصيحة ولكن مبسطة فكانت قصيدة وأغنية (ياحياتي) دون أن تلقى هذه المحاولة النجاح ليعود الأستاذ غانم الأب إلى كتابة كلمات لها سحر (العامية) غير المبتذلة فكانت أغنية (حرام عليك تقفل الشباك) من أكثر أغنيات خليل نجاحاً. أقول، كذلك فعل عام 1951م مع الفنان بامدهف فكانت أغنية (يازين المحّيا) أول سلسلة من الأغاني التي كتبها غانم لبامدهف وهي قصيدة فصيحة غير إنها جاءت على معمار( مذهب/كوبليه/كوبليه) وهو القالب المعروف في مصر بقالب(الطقطوقة) ما جعل إلباسها لحناً راقصاً ممكناً ومنها اقتبس:[c1]يازين المحيّالا تنظر أليافي طرفك حمياأفسدت قلبي عليا[/c]وبعدها كتب غانم لبامدهف أغاني ناجحة عديدة إلا إنها جاءت حمينية مثل (قولوا) و(يأبوا العيون الكحيلة) والملاحظ هنا أن بامدهف مضى بثقه أكبر واكبر في ابتكار الحان الطقاطيق مع ميل واضح لاستخدام مقام الراست والإيقاع المقسوم الذي يذكرك ببعض الغناء المصري الحديث.*رحلة بامدهف الغنائيةويواصل أ.د/ نزار محمد عبدا لله غانم قراءته البحثية الفنية والنقدية القيمة لفضاءات بامدهف الغنائية إذ رصد مايلي: “ ويمضي سالم بامدهف في معالجة عدد آخر من أغان اشتهر بها بل وسجلها على اسطوانات الفنان إبراهيم الماس، كما أشار الأستاذ محمد مرشد ناجي في كتابة( الغناء اليمني القديم ومشاهيره)مثل (قل لمن ملّ هوانا) و(بالله ماشان الجفا).وبالنسبة للأغنية الأولى يجدر أن نقول انه لا يعرف قائلها ولكن الرحالة اليمني الشرواني الذي سافر إلى الهند في مطلع القرن التاسع عشر أوردها ضمن مختارات شعرية نشرها في كتابه (نفحة اليمن) وهذه الأغنية لقيت رواجاً كبيراً في مجالس الطرب في عدن بحيث عارضها عدد من شعراء المدينة منهم(خالي الشاعر الراحل علي محمد علي إبراهيم لقمان (توفي 1979م) وكذا (والدي الشاعر محمد عبده غانم توفى 1994م) وأيضاً (الشاعر عبدالمجيد محمد سعيد الاصنج) الذي أهدى تلك المعارضة لوالدي وفيها يقول: يا أخا (الإصلاح زدنا نغمة تجلو صدانا).أما الأغنية الأخرى، اقصد (بالله ماشان الجفا) فتخلط شعراً فصيحاً وعامياً ولا يعرف لها شاعر إذن فان بامدهف لم يكثف بتقديم طقاطيقه العديدة من كلمات غانم الأب ( يازين المحيا، قولوله ليش مايكلمنا) وقد غناها بعده الفنان أبوبكر سالم بلفقيه،كما قدم الموسيقار احمد غوذل (توزيعاً) لها اغنتة فرقة الإنشاد قبل إعادة توحيد التراب اليمني ويابو العيون الكحيلة ومين علمك ياكحيل العين وقد غناها بعده الفنان ابوبكر سالم بلفقية(مغيراً) كلمة (يشتوا) إلى (يبغوا) ليحضرمها! وكذا أغنية أنا قلبي مع الخلان ويابدر في شعبان وحبيتك حبيتك (وقد منعتها لجنة مراقبة النصوص بإذاعة عدن ومالك كده مالك غيرت أحوالك) وقد عاد الفنان حسين فقيه(رحمة الله) فوضع لها لحناً مختلفاً غنته الفنانة اليمنية أمل كعدل في الثمانينيات وعلى ايش على ايش، وهذه الأغنية كتب معارضة ساخرة لها الشاعر الراحل عبدا لله غالب عنتر ونشرها (بمساعدة مالية) من رجل الإعمال أمين قاسم سلطان الشميري في كتيب بعنوان( اكديش الفن) صدر في القاهرة في الخمسينيات).وأغنية (بايطير ياناس يشتي بايطير) وكانت (مسك الختام للثنائي بامدهف وغانم الأب) وكان قد وضع لها لحناً الفنان اليمني (في جيبوتي) الاستاذ ابوبكر المعنى، وحتى بعد لحن بامدهف الذي جاء عام1975م قام الفنان فرسان خليفة بتلحينها لحناً ثالثاً.[c1]انجازات بامدهف الموسيقية[/c]ويخلص الباحث الموسيقي د. نزار غانم في بحثه القيم (عوالم الفنان الكبير سالم احمد بامدهف) في آخر نقطة بحثية إلى انجازات بامدهف الموسيقية واللحنية مع القصيدة إذ( يقفل) بحثه بهذا ذاكراً “ وما من شك أن القارئ المتابع لعطاء بامدهف يتساءل متى (ستصل به) هذه السطور إلى (أهم انجاز موسيقي) لبامدهف؟ وهو تناوله قالب (القصيدة الفصيحة) المغناة الذي اقتبسناه من مصر حيث كان قالب القصيدة قد جاء مغايراً للقوالب الغنائية الأخرى من (موشح)و(دور)وطقطوقه فضلاً عن القوالب الآلية.وقالب (القصيدة) الغنائي في تراثنا الموسيقي الشرقي يقوم على استخدام إيقاعات وقورة متعارف عليها ومقدمة موسيقية تمهد لتناول كل بيت من القصيدة تقريباً بلحن مختلف عن الذي يليه وهلم جرأ، وإذا جاء في اللحن تلوين مقامي فانه لا يجيء على حساب الوحدة العضوية الذي يفترض فيه أن يبرع في الترجمة النغمية لصور ومعاني الأبيات على حدة وكذا القصيدة بأكملها.والواقع أن الفنان الأصيل محمد مرشد ناجي قد دشن هذا الطريق(بأول لحن) له على الانطلاق وهو تلحينه قصيدة (هي وقفة أنا والحبيب) شعر المرحوم محمد سعيد جراده(توفى 1991م) ثم أتبعها بعدد من الدرر المماثله، وقد خصه الفنان اليمني جابر علي احمد بدراسة منشورة اسماها (المرشدي وقالب القصيده في اليمن).وفي هذا الإطار نجد أن بامدهف قد لحن على قالب القصيده عدداً من القصائد اليمنية المعاصرة مثل:( نم على صدري فأنت الأمل) شعر محمد سعيد جراده والملاحظ أن في القصيدة تلويناً مقامياً وتلويناً إيقاعياً كما أن لحنها يمتد عبر (أوكتافين)ما يدل على قدرة بامدهف الصوتية.(الهوى والليل) شعر محمد عبده غانم وفيها مقامي بين المقامات ذات بعد ربع التون (البياتي/الصبا/الراست).(عرائس اللحن) شعر محمد عبده غانم ويقول الناقد جابر علي احمد عن هذه القصيدة المغناة أن ميزانها 4/4 وتقسيم الضغوط يسير وفق ضرب ألصمودي الصغير، إما مقام الأغنيه فهو نيرز رأست وقد أتاح هذا (المقام الدخيل) على غناء اليمن لبامدهف التنقل بين جنسي الراست والبياتي وهذا جيد على أنغام الغناء اليمني وجاء لحن القصيدة مستوعباً شروط هذا القالب من حيث انسيابية اللحن ووضوح الروح التاميلة والتناغم بين الصوت.ويذكر أن بعض النقاد قد عابوا عليها بعض قاموسها فالأستاذ المرحوم احمد شريف الرفاعي لا تعجبه كلمه_جلسته) في قول غانم:[c1]هات الكؤوس فقد جاد المليح لنابجلسة منه نسقيه ويسقينا[/c]يرى الرفاعي الشهير بأحمد شلن أن غانماً معتاد على الجلسات الإدارية في إدارة المعارف وهكذا تسللت اللفظة إلى شعره.وقد خص الناقد جابر علي احمد هذه القصيدة المغناة بدارسة وتدوين في مقال له بمجلسة (دراسات يمنية) الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء.لبامدهف ايضاً أغانٍ أخرى كثيرة لا أعرف شعراءها ومنها ذات البعد الوطني مثل:(فين الأهل يا دار، طير الحمام لمه دموعك، يا سلام يا يمنا يا غالي يا سلام)وهذه الأخيرة (أرجح) إنها من كلمات الشاعر المطبوع عبدا لله عبدا لكريم محمد وتسلم يا سالم.[c1]زمان ومكان د. الخليفة[/c]كذلك ألقى أ.د/ مبارك حسن خليفة دارسة جاء فيها: “ ذكرت عدن بالاسم في قصائد غنائية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال قول الشاعر حسين ابوبكر المحضار من قصيدة عنوانها( عدن يا بلاد الخير ياعدن).طف وشف هذي عدن الفيحاء، عدن ماكماهاطف وشف بحرها الأخضر يناجي سماهاوالدر دايماً في شاطئ البحر يظهروكذلك ورد ذكر أماكن ومواضع في عدن وخارجها في بعض القصائد من غير ذكر عدن ومن ذلك قصيدة (صدفة التقينا) للشاعر لطفي جعفر أمان، غناء الموسيقار الكبير احمد قاسم.[c1]صدفة التقينا على الساحل ولا في حدصدفة بلا ميعادجمع الهوى قلبينسمعت أبين على الأمواج تتنهد[/c]وأما عنصر المكان لا ينفصل عن عنصر الزمان والعنصر البشري فذكر المكان في زمان معين يستدعي ذكر جماعات وأفراداً أو فرداً تصريحاً أو تضميناً الفنان ابوبكر سالم بلفقية في قصيدته (كل شيء) يذكر احبابة في شمسان وساحل أبين والغدير وذلك حين يقول:[c1]قل لهم قلبي على الهجرانما يحمل كثير[/c]وأحبابه هؤلاء يمثلون العنصر البشري ولطفي جعفر أمان في (صدفة) حدد المكان الدي هو ساحل أبين وحدد الزمان حين قال (البدر الحبيب يشهد)إشارة إلى أن الوقت كان ليلاً ورغم انه استبعد العنصر البشري (الجماعي) بقولة:(صدفة التقينا على الساحل ولا في حد) إلا أن الحبيب الذي التقى به صدفة يمثل عنصراً بشرياً.[c1]صورة المكان عند لطفي أمان[/c]هذا وقد تناول بحث أ.د/ابوبكر محسن الحامد أستاذ الأدب والترجمة بجامعة عدن (صورة المكان في شعر لطفي جعفر أمان حيث ذكر في مطلع بحثه مايلي: “ عندما نتأمل المجموعة الكاملة للشاعر لطفي جعفر أمان، قليلاً ما نجد قصائد تحمل عنوان المكان في شعره، ولكننا إذا ما أمعنا النظر جدياً فسوف نجد قصائد تشير تارة وتلمح تارة إلى صورة المكان، عدن أو اليمن عامة آو مصر ضفاف النيل على وجه الخصوص من خلال ما تقدمه من سباق أو من مشاهد تنقل القارئ إلى ذلك المكان وما يرتبط به من تداعيات.[c1]بحث الشاعر محمد نعمان الشرجبي[/c]يستهل الأخ الشاعر محمد نعمان الشرجبي بحثه الموسوم(عدن المكان والصوت والطلع المبارك)قائلاً: “عدن التاريخ، وحضارة تعلمت التاريخ، وعرفت الخطر، إنها الاستنارة والصهاريج، والعرفان، ومجالات التنظيم والفكر.عدن البحر الساحر، القصور، الحدائق ونفحة الوحي وإشراقة الخيال . عرائس النرجس، وجو عطر الزنبق والياسمين (يفوح طيب الشدى من ريحها العطر) هي تقاسيم الموسيقى العذبة والألحان الرقيقة وهي سمرات ليالي ألدان والركلة وسفح شمسان ومناظر جبلية ساحرة لا تفارق الذاكرة.ولا أعدو الحق أن قلت إني لم أر مثل عدن وجهاً فاتناً، وعينين ساحرتين وقواماً لدناً وخصراً دقيقاً فاتنة تجر الخطى في تيه وغنج ونور يشع من دلالها يضئ الناس رونقه.وعدن بعد ذلك قصيدة تنثال منها طيوف الوحي هائمة وأنا أهفو إليها صافية صفاء المزن وكأني بها:تشتاقني شاعراً رقت مشاعره/ تهفو إليه عذارى الشعر في السحرخصب الخيال سريع اللمح تحسبه/ طيفاً رقيقاً سرى في شارد الفكر مغرداً راقصاً يلهو بها جدلاً/ مردداً سوراً من أروع السور.يا شعر زرقة البحر تكونين أنت، وأكون أنا وليتني احمل ما يرضيك من أبناء الخصب، والحلم، لكني أحمل لك ما تيسر من أنبائي أنا قليل الزاد وأبناء شهداء الفقر والفواجع يا عدن البوح، والسر القديم ووهج الطفولة مملكة البحر أنت وظل الأغنيات الجميلة يا دفئاً وسنبلة زينت عشق(صيره) وحلم (الطويله) ياطلعاً مباركاً وسنا مفجراً للنبع في (أبو وادي) ويامن:[c1]وان ضمها في ساعة الأنس مجلسفان جميع الحاضرين لها خدم[/c]والأيام الطرب الجميل فنانون تمتعوا بجمال الصون ووضوح الكلمة تتنازعهم مشاعر الأمل والفرح بمنأى بعيد عن مشاعر الحذر وبالتالي تمكنوا من الوصول إلى قلوب الناس من مختلف الطرق وأقربها بلغتهم المعبرة عن وجدانهم ويستوي في ذلك صوت الفنان احمد قاسم الدي ربما عنى الأحباء صونه بقولهم الذي فهمنا من معناه انه يجري في الجسم مجرى الدم في العروق، فيصغو له الدم ويرتاح له القلب وتهدأ له الحركات.والى جانب اللحن أسلم بأن جمال صوت الفنان أحمد قاسم يفعل في النفس فعل التأثير الطبيعي وخصوصاً وهو يستوحي الشعبي بالنص المعاصر.[c1]عدن عدن، يا ريت عدن مسير يومشسير به ليله ما شرقد النومشوقت له، كم لي سنين وشصبرمن يوم سرح، قلبي فلت مشدّرمر الغمام قالو عدن قبالهلو به جناح شاطير أشوف خيالهنوح الحمام تبكي بنار عذابهفوق الجبال تسأل على غيابه[/c]كلمات تتستر خلفها دلالات بوح لراحة نفس الشاعر ويستوي في (يا ريت عدن مسير يوم) يوم تقطعة لهفة صاحب الغنائية في ليلة واحدة لكنه يوم عند غير الشاعر يساوي مشاق رحلة سنين، إما الغمام والجناح هي عندي زاد أحلامه لاحتضان عدن في واحات الغرام، وليس من حرقة الشوق[c1]وضنى الحنين وله الله من ساحر يقاوم ساحراً.والفنان احمد قاسم يغني من ألحانه وكلمات لطفي أمان:صدفة التقينا على الساحل ولا في حدصدفة بلا ميعادجمع الهوى قلبينوالبحر والرمل والبدر الحبيب يشهدعلى الهوى والودادما بيننا الاثنين[/c]نفهم ان لطفي في هذا التوظيف الغنائي تعامل مع الرمز لمكان مألوف استوطن حيزاً بذاكرته أما بالنسبة لنا فالساحل والبحر والرمل، ليست سوى كلمات اعتمدت (الإيحاء المكاني) للكشف عن عدن الجميلة.وارى أن ابن سعد وهو يمرغ وجهه في رمال الشيخ عثمان (وباقبل تراب الشيخ عثمان) صور الحالة العشيقة، تصويراً اتخذ من عدن الحبيبة والأخيرة المتربعة على (هودج) القلب وفي قرينة المعنى هي المرافئ لشراعه والأفق لعيونه وهو عندي مشهد عشقي لم يتمكن من تصويره الشاعر العاشق ابن المعتز بقوله:[c1]فقمت افرش خدي في الطريق لهدلاً وأسحب أذيالي على الأثر[/c]ولا حتى الشاعر عميد الغرام(محمد عبدا لله شرف الدين في(لقيت في المسقى) بقوله:[c1]وأفرش خديدي لك بكل رملهخدي لأقدامك يقي[/c]وما ذاك إلا لأن (جسد ابن سعد يعبق بعشق عدن) وعدن تملؤه دفقاً من العشق صافياً.[c1]عدن المكان أغنية مسافره في الزمان [/c]أما البحث الأخير في الندوة فكان للناقد الفني المعروف والصحفي مختار مقطري بعنوان (عدن المكان أغنية مسافره في الزمان) جاء فيه: “ السر الخاص بعدن يتجلى في المكان لإنسان المكان الذي اختير ليكون هنا.. هنا وليس في مكان آخر.. هنا بين البحر والبحر بين الشمس والبحر، الإنسان الذي اختاره المكان وجبله انساناً مبدعاً، معطاء ياخد ليمنح لكنه لا يقلد وفي الماضي القريب ما يؤكد ذلك، عدن عرفت المسرح في 1904م لكن لتصنع مسرحاً عدنياً يمنياً مطبوعاً بهويتها الخاصة فازدهر لأنه هكذا، عرفت الصحافة ولكن لتصدر صحفها الخاصة، أغرقها راديو القاهرة بأغاني أساطين الغناء العربي أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وغيرهم لكنها أعادت (تضيع) كل التراث الغنائي والموسيقى اليمني وأنتجت غناءها المحلي لتسمعه كل البلاد العريقة وبلاد غير عربية.ولولا أن عدن وجدت في هذا المكان ما فعلت ذلك ولولا أن هذا المكان اختار أبناءها ما فعلوا ذلك وبثقافة هذا المكان في عقول أبنائها سبقت عدن إلى التحضر منذ مطلع القرن الماضي، سبقت حتى اليمن فأنشأت مبكراً مؤسسات مجتمع مدني يمارس دوره التنويري من خلال الاشتغال بالأدب والفن وأخذت بمكونات نظام حديث متطور فتأسست فيها الأندية الأدبية والاجتماعية والأحزاب وتولى إصدار الصحفي وانطلق صوت الراديو وأنشئ التلفزيون وشيدت دور السينما والمدارس كل ذلك وغيره في ظل نظام استعماري كان من المرجح أن يمنع كل حراك وتوجه تنويري لكنه لم يفعل لأنه اكتشف في أبناء عدن عقولاً قادرة على العطاء والإبداع فرضت عليه احترامها ففي كل مجال إبداعي أنجبت عدن مبدعين متميزين ولذلك نجح الشعراء والملحنون والمطربون في عدن في صناعة أغنية يمنية حديثة ومبتكرة بالاستفادة من التراث والتجديد بمفردات لهجة وسطية وألحان يطرب لها اليمني والعربي على السواء، أغنية استطاعت أن تبلور المستوى الحداثي بلغة ( المكان) وأن تلبي الاحتياجات الروحية لإنسان بلغ مستوى متقدماً من الوعي والمعرفة والتثقف ما جعله عازماً على الانتقال لمستوى آخر أكثر تقدماً ورقياً بكل ما لديه من موروث مادي وروحي صنعه وإبداعه في المكان، ولكن ليستلهمه لا ليجتره في حين أن الأغنية في مدن يمنية أخرى مازالت مستمرة في بلورة مستوى قديم ولا تلبي احتياجات روحية لإنسان جديد تجتر التراث بدلاً من استلهامه لتعيد صياغته في قوالب فنية مبتكرة وتجديدية لان المكان لا يزال عاكفاًَ على إعادة إنتاج شروط إقامة مجتمع قديم بقيمة وعاداته لكن عدن ظلت تستلهم القديم ولكنها لا ترفضه كله ففي ظل الاحتلال البريطاني لم يستبدل أبناء عدن اللسان الانجليزي ولم يعتنقوا المسيحية ولم يخرجوا عن التعاليم الإسلامية والأعراف والتقاليد الاجتماعية ولكنهم اخذوا بكل ماهو حداثي وحضاري وانعكس ذلك على الأغنية فاوجدوا أغنية خاصة بهذه المدينة المباركة بهذا المكان المختار أغنية عدنية هي في الأصل أغنية يمنية بملامح عدني وأغنية عربية بملامح يمنية.تماماً كما هو حال أغاني كبار مطربي مصر. فهي أغان قاهريه بملامح مصرية وعربية بملامح مصرية لكن ملامح مكان تكوينها واضحة كما هي واضحة ملامح المكان (عدن) في تكوين الأغنية اليمنية الحديثة وهذا ما لاتستطيع كل مدينة أن تفعله إلا المدينة القادرة على أن تكون المكان الموجودة في كل زمان، والمناسب أن يكون مكاناً لزمان مضى ولزمان معاصر ولزمان قادم وهكذا عدن.