أمين عبدالله إبراهيمما تزال الدول النامية تواجه ظروفاً اقتصادية وسكانية صعبة بسبب بطء تقدم عملية التنمية إن لم يكن مراوحتها لفترة طويلة في مكانها وعدم إحرازها أي تقدم،لذلك فقد تعددت الاتجاهات النظرية حول السبيل لدفع عملية التنمية نحو الأمام للخروج من هذه الأزمة.فوفقاً لخبراء الاقتصاد والتنمية،هناك ثلاثة اتجاهات حول هذه المسألة المهمة،الاتجاه الأول يرى أن المشكلة تقع بشكل رئيسي على مستوى التقسيم الدولي للعمل وتحديداً على مستوى العلاقات الاقتصادية بين الدول المتقدمة والنامية،حيث لوحظ بقاء البلدان النامية في وضع المنتج للمواد الأولية فحسب،لذا لابد من إعادة النظر في النظام الاقتصادي العالمي الجديد لدفع عملية التنمية نحو الأمام.أما الاتجاه الثاني فيركز في المقام الأول على مسألة توفير الحاجيات الأساسية لكل المواطنين،ويتحقق هذا بزيادة الدخل عن طريق زيادة الكفاءة في الإنتاج واستخدام الإنتاج الكثيف لليد العاملة،ومن خلال تأمين الخدمات العامة (مياه مأمونة،خدمات صحية،تعليم،...إلخ) وإشراك المستفيدين من هذه الحاجات في القرارات المتعلقة بها.في حين يرى الاتجاه الثالث أن التدخل الرئيسي لعملية التنمية هو زيادة الإنتاج،لكن التركيز هنا لا يكون على دور رأس المال المادي في العملية الإنتاجية فحسب،وإنما على دور العنصر البشري في هذه العملية،أي ضرورة تنمية الموارد البشرية بمعنى توفير الشروط التي من شأنها رفع إنتاجية العمل،ويكون ذلك عن طريق رفع مستواه التعليمي وتزويده بالمعارف والمهارات الفنية والمهنية وإتاحة فرصة التدريب أمامه إلى جانب رعايته الصحية وتأمين المناخ المناسب للعمل.لذا،يرى خبراء الاقتصاد والتنمية أنه لابد من تطبيق الاتجاهات الثلاثة السابقة من أجل النهوض بالعملية التنموية،إذ أن التجارب تدل على أنه بالرغم من أن تحسن شروط التبادل التجاري بشكل نسبي (صادرات المواد الخام) وتسهيل دخول بعض منتجات الدول النامية الصناعية لأسواق البلدان المتقدمة،وتيسير حصولها على قروض أدى إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة نسبياً في السبعينيات،ولكن هذا النمو جاء لتوظيف الأموال المتاحة إما في قطاعات الإنتاج غير القابلة للتبادل على الصعيد الدولي- أي كان استثماراً في البنى التحتية،المرافق الخدمات العامة،السكن في مقابل إهمال الزراعة- أو تم تمويل استيراد المزيد من السلع الاستهلاكية أي الإنفاق غير المجدي.. وهكذا شهد عقد السبعينيات تطوراً ملحوظاً حيث أن الإنفاق الحكومي ساهم في زيادة الطلب على اليد العاملة وبالتالي في تخفيض معدلات البطالة وارتفاع الأجور الحقيقية ما أدى إلى زيادة عدد المشمولين بالخدمات العامة،إلا أن مستوى المعيشة لم يستمر بالتحسن بل أنه سار في الاتجاه المعاكس، لا سيما مع تغير الظروف الخارجية وبروز أزمة الثمانينات (أزمة المديونية) ما نجم عنه تدهور في الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأغلب البلدان النامية،وذلك بسبب تدهور أسعار المواد الخام وارتفاع سعر الفائدة في أسواق المال العالمية،كذلك بسبب الضغوطات التي تمارسها البلدان الصناعية إزاء دخول صادرات البلدان النامية إلى أسواقها وتدهور معدلات الاستثمار،الأمر الذي أدى إلى تراجع ملحوظ في الإنفاق على الخدمات العامة وخفض الدعم المقدم لكثير من السلع والخدمات الاستهلاكية.وبسبب فشل إستراتيجيات التنمية للنهوض بالاقتصاد زاد انخفاض معدلات النمو وارتفعت معدلات البطالة وبالتالي انتشار المزيد من الفقراء.ورغم التركيز على بلورة مفهوم التنمية البشرية في التسعينيات،إلا أنها ترافقت مع مفهوم العولمة وانفتاح الأسواق المالية والسلعية دون قيود،ما ساهم في انتشار المزيد من البطالة والفقر وتدني مستوى المعيشة للكثيرين وبالتالي التراجع في القدرة على تحقيق التنمية البشرية.ختاماً،وبحسب رؤى خبراء الاقتصاد والتنمية، هناك العديد من المقترحات العلمية التي يمكن من خلالها حل ومعالجة الكثير من الاختلالات التنموية الراهنة،وتتركز هذه المقترحات في التوظيف الأمثل للموارد وذلك لتحقيق تنمية شاملة مع ضرورة توفر الإرادة السياسية الفاعلة،إضافة إلى تفعيل القدرة الشرائية،وتوفير الفرص المتكافئة للجميع بدون استثناء حيث أن العولمة بدأت تولد تشوهات جذرية في توزيع الدخل والثروة بين الأمم،إلى جانب ضرورة إتباع سياسة ربط التعليم بحاجات المجتمع،والعمل على تطبيق السياسات السكانية والتعليمية والاقتصادية بما يتلاءم ومراحل النمو الاقتصادي.
كيف يمكن النهوض بالعملية التنموية؟
أخبار متعلقة