جنون أن يقول شخص أنه عانق الشمس !! نعم الشمس التي مجرد النظر إليها وهي بعيدة عنا نحن في كوكب الأرض ملايين السنين ، تحرق أعيننا، فكيف نعانقها؟!. أنا لست بمجنون ولكني أؤكد إنني عانقت الشمس في نهار جميل ، بل أؤكد أن كل اليمنيين في ذلك النهار عانقوا الشمس قد يقول بعضكم : (حتى الجنان يشالو عقل ) ، هذا صحيح ولكني والحمدلله عاقل ولم أصب بعد بالجنون رغم المحطات الصعبة التي مررت بها خلال خمسة عقود من الزمن .. فأنا مصر على أنني عانقت الشمس في نهار جميل بل أزيد في القول إن الشمس هي التي جاءت إلينا لنعانقها .قبل ثمانية عشر عاماً وتحديداً في الثاني والعشرين من شهر مايو عام 1990م كان هذا المشهد التاريخي الذي أذهل العالم كله.. الشعب اليمني شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً يعانق شمساً لم تحرق الأجساد بل ترسل الدفء إلى القلوب وتمحو كل النقاط والحروف السوداء التي ظلت عقوداً طويلة فوق الجسد اليمني ، بفعل إرادة استعمارية أرادت للجسد اليمني أن يتمزق ، وقرأنا عبر سفر التاريخ ماهي الأهداف والنتائج من هذا التمزق وكيف كان شعبنا قد عانى من الجهل والتخلف والمرض والفقر بعد أن كان الجسد الموحد قبل التمزق يعرف بـ (أرض السعيدة). في ذلك الصباح الجميل من شهر مايو 1990م كنت ضمن الزملاء الصحافيين موفداً عن إدارة تحرير صحيفة 14 أكتوبر في عدن ، لتغطية فعاليات المشهد التاريخي في منطقة (الفتح) بمديرية التواهي وتحديداً في مبنى الرئاسة التابع لما كان يسمى قبل ذلك اليوم (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) .. مشهد وطني يتوحد من جديد ، اسم واحد ، علم واحد ، نشيد وطني واحد قيادة واحدة .. وطن الثاني والعشرين من مايو 1990م .. نعم شاهدت فخامة الرئيس / علي عبدالله صالح القادم من الجمهورية العربية اليمنية، وحوله قيادات من مختلف أنحاء الوطن صنعوا بإرادتهم هذا المشهد الذي شعرت أن الشمس نزلت من السماء لنعانقها نحن الذين حلمنا طويلاً بالتوحد أرضاً لأن وحدة الإنسان اليمني لم تتجزأ يوماً رغم محاولات الاستعمار والقوى الرجعية ، رغم فرض ثقافتين متناقضتين في الشمال والجنوب. في تلك اللحظات شاهدت الرجال يبكون فرحاً وسمعت عند عودتي إلى الصحيفة أن النساء خرجن من الشرقات ليزغردن .. ورقص الجميع في الشوارع والميادين ليس فقط في عدن التي احتضنت هذا المشهد التاريخي بل في كل مدن وقرى وبوادي وجبال ووديان اليمن الذي أصبح في تلك الساعات موحداً تحت أسم الجمهورية اليمنية .نعم عانقت ، بل جميعنا عانقوا الشمس ، وهذا ليس جنوناً بل إرادة شعب وقيادة في إعادة لحمة الوطن والمشاركة في السباق مع الزمن لإخراج الوطن الموحد من نفق التشطير المظلم لملاحقه من سبقونا في التنمية والقضاء على الفقر والبطالة والمرض والجهل .. مسابقة الزمن في بناء الدولة الحديثة تحمل رقماً صعباً بين دول العالم.. وهذا ما حققته سنوات الوحدة المباركة رغم الكثير من محطات التآمر داخلياً وخارجياً. أيام قلائل ونحتفل نحن اليمنيين ومعنا الشعوب المحبة للسلام والحرية والديمقراطية بالعيد الثامن عشر لإعلان قيام دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) .. وهو احتفال يحمل في أجندته الكثير من مشاريع التنمية والبني التحتية .. مشاريع لاتعرف حدود الجغرافية وصعوبات التضاريس .. الهدف منها خدمة المواطن اليمني أينما يسكن في أرض الوطن .. مشاريع تضاف إلى الآلاف من المشاريع التي نفذت وأقيمت في سنوات الوحدة وأبرزها مشاريع الطرقات التي وحدت جغرافية الوطن. ما حققته سنوات الوحدة من إنجازات تنموية واستثمارية وخدمية وسياسية ، ليس حديثي اليوم ، بل الاعتراف بدون جنون إننا عانقنا الشمس في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.
|
اتجاهات
عانقت الشمس
أخبار متعلقة