بثت إحدى القنوات الفضائية الأسبوع الماضي، برنامجاً بعنوان «الشباب وصناعة الوعي». لنبدأ من قبل نهايته بدقيقتين، حينما سأل المذيع ضيفه «كيف يمكن صناعة الوعي لدى الشباب؟». لا أعرف كيف للمذيع أن ينتظر الى ما قبل نهاية البرنامج بدقيقتين، حتى يسأل الضيف حول موضوع الحلقة، ثم إن الضيف الذي لم يستطع على مدار ساعة ونصف، هي مدة البرنامج، كيف له أن يفهم المشاهدين طريقة صناعة الوعي في دقيقتين؟ عند الحديث عن «شباب الأمة»، لكي تبدو الحلقة مؤثرة على الجمهور، يجب ترديد شيء من التمائم والتعويذات الثقافية المعتادة في هذه المواقف، مثل عبارات «دعاة التغريب، الشباب ضحية الغزو الفكري، وبعضهم لا يشعرون ويجب احتضانهم». وما هي الا لحظات حتى تصبح مهموماً «بقضايا الأمة»، وتملك من الفصاحة ما يكفي نصف أهل الأرض، ومن بعد النظر ما يكفي نصفها الثاني. الضيف الخمسيني يعتقد أن الجيل الحالي، يعاني من نقص الوعي، وضرب أمثلة من نوع سماعهم للأغاني وممارسة «التفحيط». وما فتئ يهاجم في الحلقة الاهتمامات السطحية لدى الشباب. هل كان يعتقد أنه تطرق لموضوعات عميقة عندما تحدث عن الأغاني والتفحيط؟ لا أعرف لماذا على الشباب الاستماع الى مثل هذه الاحاديث، طالما أن الكبار «الواعين» لم يقدموا أي شيء يذكر للأجيال الجديدة. لم يقدموا ثورة صناعية، أو ثقافية، أو اقتصادية، أو سياسية. لم يقدموا سوى شبان راغبين في الموت وموت الآخرين معهم. ثم إن اسطوانة التغريب والغزو الفكري، أما آن لها أن تنتهي؟ الى متى تختزل صورة العالم الغربي في موسيقى وموضة ملابس. متى نفهم أن العالم الغربي منظومة متكاملة تحافظ على حقوق الفرد، وتتفانى في رعايته وتعليمه وصون كرامته. متى نعي أن هذه الدول توصلت الى أفضل أسلوب في إدارة المجتمعات، ويجب علينا الاستفادة من تجاربها؟ لماذا نصر على مهاجمة العالم، بدلاً من الاستفادة منه؟ الغزو الفكري، عبارة بائدة وتعيسة، عطلت أفكاراً ومشاريع ثقافية وانسانية أكثر مما يجب. لا يوجد هناك ما يسمى بالغزو الفكري، انها «العولمة» اليوم. حيث العالم قرية مختصرة التجارب. الجميع قادر على رؤية ما في داخل فناء الآخر. ثم إذا كنا نخشى على أبنائنا من الغزو الفكري، فلماذا يسارع كل من يملك القدرة المادية الى ارسال أبنائه الى العالم الغربي للتعلم؟ إذا كان فكر الغرب هداماً، فلماذا نرى نهضة بلادنا لا تقوم إلاّ على أكتاف من غادروا الوطن شباباً الى العالم الغربي، وعادوا رجالاً اشتدت سواعدهم. ؟حري بنا أن نتساءل كيف نوقف صناعة الوهم لدى شبابنا، وكيف نحميهم من الغزو الداخلي. وكيف ننشئ جيلاً جديداً مرناً في وعيه وثقافته، وقادرا على التعامل مع كل ما هو جديد وطارئ. افتحوا النوافذ، وأدخلوا الأنوار، فلا يخاف الضوء الا الخفافيش، وشباك العنكبوت لا تجدها الى في الزوايا المهجورة والمظلمة. واختم مقالي بقصة ذكرها ضيف البرنامج، إذ قال إنه توجه إلى فنلندا لشراء عقار لتحويله لمسجد، باعه له القساوسة، لأنهم مصرون على أن يكون هذا المكان البارز معبدا، ولا مانع لديهم من أن يكون مسجدا، طالما ان المسيحيين لم يعودوا يرتادونه عندما كان كنيسة. هل هذه قيم العالم الغربي، الذي يستحق أن يهاجمه الضيف طوال الحلقة؟ــــــــــنقلا عن / (( الشرق الأوسط ))
|
الناس
الشباب.. وصناعة الوهم
أخبار متعلقة