متابعات/ عبد الله بخاش ولؤي عباسمنذ نحو ست سنوات خلت تقريباً اشتعلت فتنة التمرد الحوثي في شمال الوطن ولم تنطفئ نارها حتى اليوم، سمع العالم كله بإعلان الموت لأمريكا ولإسرائيل من جبال مران بصعدة، لكن من مات في خضم تلك الفتنة كانوا من اليمنيين العزل، وفي الجنوب تعالت الأصوات مناديةً بالحقوق، لكنها سرعان ما تخلت عن تلك المطالب، واتخذت منحىً خطيراً بإعلان دعوتها للانفصال، فغابت مظاهر الاحتجاج السلمي، وحضرت أعمال الشغب والعنف المسلح، ممهورة بدماء الأبرياء. ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب تناوبت الأزمات تحويثاً وتحريكاً على جسد الوطن المنهك أصلاً بالتحديات الاقتصادية والتنموية ، ومن بينهما أطلت القاعدة برأسها علينا بشكلٍ جديد ومسمى جديد وآليات جديدة، بعد تمكنها من استغلال الظروف الوطنية والإقليمية والدولية لتدخل ساحة الصراع كأهم اللاعبين فيه.توليفة معقدة لطبيعة هذه الأزمة الاستثنائية التي يواجهها الوطن، حيث تصطف قوى متباينة الأهداف والاتجاهات في جبهة واحدة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ضد الوطن، لكلٍ منهم غاية محددة لكن تجمعهم المصالح الذاتية والنيل من أمن واستقرار الوطن، مما يثير التساؤل عن مدى إمكانية وجود علاقة من نوع ما بين هذه القوى الثلاث؟ أو عن احتمال وجود مصدر خفي يغذي هذا الصراع؟ وكيف استفادت من بعضها البعض خصوصاً فيما يتعلق بتوقيت البروز والتتابع؟ ومن ناحية أخرى كيف التقت مع بعضها رغم تباينها الشديد الذي يصل إلى حد التعارض والتصادم؟
علي العمار
يشير أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام الدكتور على العمار إلى وجود علاقة بين الحركة الحوثية والحراك والقاعدة، ويفضل تسمية الحراك الجنوبي بالانفصالي نظراً لتساقط الأقنعة المطلبية والحقوقية التي ظهر بها في البداية، وبروز النزعة الانفصالية.ويقول: القاسم المشترك بين هذا الثلاثي هو الخصم المتمثل في النظام، حيث أن عدو الحوثي هو النظام وكذالك هو عدو القاعدة وعدو الحراك، فاشتركوا في هذا النقطة وقد يكون ما جمعهم شيء آخر مثل العوامل الإقليمية كالمساعدات من بعض الدول المعروفة بالنسبة للحراك و للحوثيين، وقد استفادت القاعدة من هذين العنصرين، لذلك يجب أن تتوحد الجبهة الداخلية للوطن من خلال الحوار، ويجب أولاً أن تظهر الأحزاب قبل أن تظهر الحكومة، وتظهر جديتها من خلال معالجتها لهذه الأزمة بالحوار الوطني البناء الذي يرفع من مشكلات الوطن حتى يتنبه الجميع للمخاطر التي تحيط بالوطن.
أفراد القوات المسلحة في مواجهة عناصر التمرد
ونوه بأن بعض أخطاء الدولة والفساد المتفشي عوامل ساعدت على ظهور هذه المشكلات، بالإضافة إلى أن البيئة أوجدت مناخاً مناسباً للحركة الحوثية، لأنه لا يعقل أن تقوم خمس إلى ست حروب دون أن تجتث نهائياً ما لم يكن لها بيئة حاضنة, ونفس الأمر كذلك بالنسبة للقاعدة، التي تم التحاور مع مجموعة كبيرة منهم وتم سجن مجموعة أخرى قبل فترة، وكعلاج لكل إشكالات البلد لابد من تطبيق النظام والقانون على الجميع، فكل الناس يبحثون عن العدالة والمواطنة المتساوية.
عبدالملك الدناني
وبالمقابل يستبعد أستاذ الاتصال المساعد بكلية الإعلام الدكتور عبد الملك الدنانى وجود ارتباط بين ما يدور في صعدة وما يحدث في الجنوب من حراك وقاعدة لاختلاف اتجاهات تلك القوى، ويقول موضحاً ذلك: أصحاب الحراك يريدون الانفصال، والحوثيون يريدون السلطة والحكم، والقاعدة لهم اتجاه آخر يمليه عليهم تكوينهم الفكري والأيديولوجي الذي يوعزهم بالقيام بتفجيرات وعمليات انتحارية أو كما يسميها بعض إرهابية انتحارية، لكن تلتقي اتجاهاتهم في كونها عوامل ضغط من أوجه متعددة لتحقيق أهداف مختلفة.وأضاف محذراً من أن طوفان الخطر المحدق بالوطن سيشمل الكل، ولن يكن هناك شخص في مرمى الخطر وآخر خارجه، وقال: إن تحذيرات المسئولين من مخاوف حدوث البلقنة أو العرقنة أو الصومله في اليمن هي تعبير عن حقيقة الوضع الراهن واحتمالات المستقبل، فالوطن مهدد بخطر كبير ويحب أن نكون أكثر حرصاً على سلامته، وأكثر حذراً في التعامل مع مشاكلنا، وفي إدارة خلافاتنا، ومع أن القلق على الوطن ووحدته يظل قائماً ومتزايداً في ظل هذه الظروف الصعبة، إلا أننا نطمئن بوجود العقلاء في هذا الوطن، فالمطالب بالحقوق وإجراء الانتخابات وتحقيق العدالة والمساواة أمور مشروعة، ولكن يجب ألا تكون مجالاً للمساومة على وحدة الوطن، فلا أحد خلق وصياً عليها، ولا تراجع عنها.
احمد الحاضري
من جانبه يرى الكاتب والباحث أحمد محمد الحاضري أن المشكلة تكمن في عدم سيادة القانون خصوصا في المناطق النائية من اليمن، والتي أدت إلى إعادة إنتاج القبيلة ونموها، مع بروز المشايخ كقوة نافذة، وأن التحديات الراهنة المتمثلة في فتنة الحوثيين والحراك والتيار السلفي (القاعدة) تتبلور كلها في تيار الحوثي، لأنهم ردة على الجمهورية وعلى الوحدة وعلى دماء الشعب اليمني.ويقول: وأعتقد أن أعضاء الحراك في الجنوب لا يريدون الانفصال، بل يلوحون به من أجل تحسين الأوضاع، فهم كالأخ الذي يريد أن يقول لأخيه أنت في حالك وإحنا في حالنا، في بينما الحوثيون إيمانهم وقتالهم وصراعهم من أجل أن يعودوا بمعتقدهم، والذي يتبلور في أن هذه الأرض ملك لهم وأننا جميعاً من أتباعهم، وكما يقول الهادي في فكرهم: “ نرى حقنا مستودع عند غيرنا ولابد يوما أن تعود الودائع”.
حزام ناسف وعدد من المضبوطات مع أحد عناصر ( القاعدة) في المكلا
ويخلص إلى أمرين هما: الأول أن الحراك الجنوبي نتاج لضعف الدولة وأخطاءها مع الحوثيين، والسلفيين (القاعدة) نتاج لأخطاء الحوثيين، لأنه عندما فقدت الدولة هيبتها خرج كل مارق وكل صاحب طمع شخصي، ولو قضي على الحوثي لقضي على هذه وتلك. والأمر الآخر هو مبالغة الغرب في قضية تواجد القاعدة في اليمن، من أجل أن يبرر إنفاقه العسكري أمام شعوبه ومن أجل الوقوف ضد توجهات أوباما الذي أراد إلغاء الحرب وأراد التفاوض والحوار مع العالم الإسلامي، فأرادوا أن يثبتوا له أن القاعدة لا تزال موجودة، فعندما لم يجدوا هذا الأمر ضخموا الخطر الإيراني وروجوا الأكاذيب، وما تضخيم عملية النيجيري إلا دليل على هذا الكلام، ونحن نصدق ما قالوا بسهولة، بالإضافة إلى اعتقاد الدولة أنها إذا ضخمت موضوع القاعدة ستستفيد، بينما الحقيقة أن الأمريكان بخلاء ولا يعطوا شيء.
حزام ناسف وعدد من المضبوطات مع أحد عناصر ( القاعدة) في المكلا
علي البريهي
ويتوقف الدكتور على البريهي أستاذ الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام عند حقيقة ما يجري على الساحة من تجيير للأحداث واستغلالها لبعض المصالح، موضحاً بأن الوحدة في أمان ولا يوجد أي تهديد لها وستظل بخير لأنها في الأخير ليست خاضعة لإرادة سياسية أو لإرادة مرتزق.ويقول: كل الأحداث الموجودة في اليمن تهدد الفاسدين والمفسدين، وهؤلاء يستغلون اسم الوحدة أسوأ استغلال، فيربطون بين مصالحهم الفاسدة والوحدة اليمنية، فالوحدة تهددهم وغيابها يهددهم أيضاً، واعتقد أن الخطاب السياسي اليمني عموماً - ولا اقصد الجانب الرسمي فقط - قد جير القضية وكأن الوحدة كرة قدم قابلة للركل، مع أن الوحدة لها علاقة جذرية بثقافة الناس, وبوعيهم وقيمهم، فلا أحد يتنازل عنها أو عن حريته و كرامته، لكن إذا ما فهمت وحصرت الوحدة في سقفها السياسي فهذا كفيل بجعل كل شيء يهددها، لذلك أفضل شخصياً أن ينصرف الحديث وبالأخص في وسائل الإعلام إلى أن ما يحدث هو خطر يهدد الوطن اليمني، فإذا ما هددت الوحدة اليمنية سواء بتهديد خارجي أو داخلي فالنتيجة النهائية ليس تهديد للوحدة بل تهديد للإنسان اليمني. ويضيف بقوله: صحيح أن الأحداث التي تمر بها اليمن أحداث استثنائية، ولكن نقول بمعنى أعمق وأشمل أنها تؤثر على الوطن اليمني والسفينة اليمنية، لأن اليمن فيه من المشاكل ومن عجز التنمية ومن البطالة الكفاية فأي حدث في اليمن يعتبر عائقاً كبيراً, وما يحدث يعبر عن صراع المصالح بين فئات الحراك والحوثي والقاعدة، التي بلا شك أنها جميعاً تبحث لها عن موطئ قدم، وما يهمنا في الأمر هو ألا تصبح اليمن ساحة للقاعدة، لأن اليمن لا يحتمل عدوان عسكري مباشر ولا يحتمل احتلالاً، فاليمن محتاج إلى ترميم وإلى إعادة تنمية وإلى الكثير من الأشياء، والقاعدة لا تنشط إلا في ظل الأزمات وهذا ما حدث مؤخراَ حيث ترافق نشاطها مع أزمة حراك - كما يسميه أصحابه- وقتال وتمرد في صعده، وفي كل الأحوال في ظل وجود الوحدة وتمسكنا بها سيكون لكلمتنا قيمة ومعنى إذا كان الوطن معافى، إذ لا خوف على الوحدة ولكن الخوف يتأتى من الذين يمارسون الفساد بحرفية ويمأسسون الفساد، وما لم يلجموا أنفسهم فإن السفينة ستغرق والوطن سيغرق وسنغرق معهم.