تثير الوثيقة السرية التي نشرها موقع ويكيليكس أخيرا حول موقف الولايات المتحدة من المرشح المصري لليونسكو قضية غاية في الأهمية تتعلق بالعلاقات المصرية الأمريكية ذاتها، والتي يحلو لكل طرف فيها أن يصف الآخر بـ(الحليف) الاستراتيجي، كما تتعلق أيضا بالعوامل الحقيقية التي تحدد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.فقد كشف موقع ويكيليكس هذا الاسبوع عن الرسالة السرية التي بعثت بها السفيرة الامريكية بالقاهرة مارجريت سكوبي إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حول الزيارة التي كان يعتزم وزير الخارجية أحمد أبو الغيط القيام بها للقائها في واشنطن، وفيها تنبه السفيرة وزيرة خارجيتها إلى أن أحمد أبو الغيط سيتحدث اليها عن ترشيح مصر لوزير الثقافة فاروق حسني لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) ولما كانت هيلاري كلينتون قد تولت منصبها وزيرة للخارجية منذ فترة وجيزة في ظل تولي باراك أوباما للرئاسة فان السفيرة وجدت من واجبها أن تحيط وزيرتها علما بأن واشنطن كانت قد حددت موقفها بالفعل من المرشح المصري, حيث تقول لها إن الولايات المتحدة أخطرت مصر في العام الماضي أي في ظل رئاسة جورج بوش الابن بأننا لن نستطيع دعم ترشيحه وقمنا بحث مصر على تقديم اسم آخر.وربما كان ما دفع السفيرة الأمريكية إلى تأكيد موقف إدارة بوش من المرشح المصري هو ذلك التأييد المتزايد لفاروق حسني منذ اعلان مصر ترشيحها له والذي عددته السفيرة في رسالتها قائلة إن جامعة الدول العربية أعلنت تأييدها له رسميا وكذلك فعل الاتحاد الافريقي, مضيفة أن الجانب المصري يعتقد بأنه يلقى أيضا تأييدا أوروبيا خاصة من فرنسا.وتوضح السفيرة لوزيرة خارجيتها أن أبو الغيط سيحدثها حتما عن مزايا فاروق حسني، وكيف أنه يقف في وجه التطرف الاسلامي، لكنها تشير إلى ان معارضة الولايات المتحدة تتعلق بأقوال صرح بها تخص إسرائيل حيث وصفها بأنها لا ثقافة لها، وأنها تسرق ثقافة الغير وتنسبها لنفسها.(وان كانت السفيرة لم تشر في رسالتها إلى أن ذلك جاء ردا على ادعاء الاسرائيليين بأنهم هم الذين بنوا الأهرامات!!).ثم تنهي السفيرة الأمريكية رسالتها قائلة لوزيرة الخارجية إزاء التأييد الذي أصبح يتمتع به فاروق حسني فان علينا أن نحول دون نجاحه بأن نوجد بديلا آخر ذا مصداقية، ويفضل أن يكون عربيا هو الآخر أو مسلما.وأول مايسترعي الانتباه في تلك الرسالة هو الحرص على استمرارية السياسة الأمريكية من ادارة أمريكية إلى الادارة التي تليها رغم أن الحملة الانتخابية لأوباما قامت كلها على أساس مراجعة سياسات الادارة السابقة، والعمل على تدارك أخطائها الفاحشة.أما الملاحظة الثانية فهي أن أسباب معارضة واشنطن لمرشح مصر لليونسكو لاتتعلق بعوامل خاصة بالولايات المتحدة أو مصالحها في المنطقة، فالسفيرة لم تسق أسبابا مثل عداء المرشح لأمريكا مثلا أو عرقلته للتبادل الثقافي معها، وإنما كانت الأسباب التي ساقتها لرفض إدارة بوش تأييده،والتي طالبت وزيرة الخارجية الجديدة بالالتزام بها، وحددت لها أفضل السبل للحيلولة دون نجاحه، تتعلق كلها بدولة ثالثة هي إسرائيل التي كانت قد أعلنت رسميا رفضها المرشح المصري، ومحاربتها له ولم تمس الولايات المتحدة من قريب أو بعيد.واذا لم يكن هذا الموقف جديدا علينا في الوطن العربي حيث شاهدنا وعايشنا من خلال التجربة العملية على مدى مايزيد على نصف قرن من الزمان كيف تطابقت المواقف الأمريكية مع إسرائيل في كل مناسبة، إلا أن الوثيقة السرية التي نشرت أخيرا تشير إلى ما لايترك مجالا للشك ليس فقط في صحة ما كنا نعرفه بالفعل، وإنما أيضا في عدم صحة اتهامنا دائما من قبل الغرب ومن يرددون أقاويله عندنا بأننا ضحايا لنظرية المؤامرة كلما قلنا إن هناك اتفاقا سريا بين إسرائيل والولايات المتحدة التي يحلو لنا أن نصفها بالحليف الاستراتيجي، وإن ثبت أن هذا الحليف يحارب حليفه سرا في المحافل الدولية لحساب طرف ثالث نصفه هو الآخر بالحليف الذي تجمعنا به معاهدة سلام!!.
وثيقة ويكيليكس.. والحليف الاستراتيجي!
أخبار متعلقة