التعليم العالي الجامعيشهد التعليم الجامعي والعالي نمواً كمياً مطرداً خلال العقد الماضي, حيث تزايدت اعداد الطلاب المقيدين به من حوالي (2.5) مليون خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى (5) ملايين طالب وطالبة في العام الجامعي 1999- 2000, ومثلت الطالبات جوالي (40%) من اعداد الملتحقين. إلا ان التعليم العالي/ الجامعي في الوطن العربي, لايزال نخبوياً للصفوة الاجتماعية المتميزة. فمازالت نسبة القيد الاجمالي للملتحقين بهذا التعليم على مستوى المنطقة العربية كلها لاتتجاوز (39%) (22% للذكور, 17% للاناث) من مجمل الفئة العمرية المقابلة لهذا التعليم (18- 24 سنة). وعلى أي حال فإن عجز التعليم الجامعي في الدول العربية عن تمكين الشباب العربي من الناحية التعليمية في المستوى الجامعي, لايعود فقط إلى مشكلة تدني نسب الاستيعاب, ومعدلات النمو المنخفضة في اعداد الملتحقين, بل ان المؤشرات الكمية توضح سوء توزيع الطلاب بين الكليات العلمية العملية والنظرية, فبين عامي 1991, 1996, انضم منهم (13) فقط إلى اقسام وكليات العلوم الطبيعية والهندسية.كما لاتتعدى نسبة الاناث الحاصلات على شهادة جامعية (5%) من جميع النساء, مقارنة بنسبة (8%) تقريباً لنظرائهن من الذكور. وتعكس التخصصات الجامعية للمرأة في المنطقة العربية تحيزات ثقافية خصوصاً فيما يتعلق بدورها الاجتماعي المتوقع. وفي التسعينيات, تمثلت نسبة (23%) في المتوسط من مجموع الطالبات المقيدات في التعليم الجامعي, في ميادين العلوم الطبيعية في حين كانت نسبة الذكور خلال هذه الفترة (61%).ايضاً مازال انتشار تكنولوجيا الحاسبات في الدول العربية ضعيفاً. ورغم تفاوت الدول العربية في هذا المجال, فإنها تعد من أقل مناطق العالم مواكبة لتكنولوجيا الاتصالات والحصول على المعلومات, خصوصاً بالوسائل التكنولوجية الحديثة.[c1]2- البنية المعرفية والمناهج التعليمية :[/c]تشير البنية المعرفية هنا إلى طبيعة المعرفة والمناهج التعليمية التي تكون محتوى التعليم وجملة الانشطة التعليمية المعرفية التي تقوم بها ومن خلالها عملية التعليم والتعلم داخل المدرسة وحجرة الدراسة والمنهج هو جميع الخبرات التي يكتسبها التلميذ بتوجيه من معلميهم. والواقع ان ثمة خصائص تميز البنية المعرفية والمناهج التعليمية السائدة في المنظومة التربوية العربية بكل مستوياتها مثل التقليدية المتمثلة في اختزال المعرفة المدرسية حتى اصبحت مجرد اشكال جاهزة ومعبأة في كتب تنقل إلى التلميذ نقلاً في نصوص جامدة تحفظ في ذاكرته. واختزلت شخصية التلميذ- من حيث هو امكانيات وقدرات مبدعة- حتى اصبحت مجرد ذاكرة وظيفتها الحفظ.كما تبعد المناهج الدراسية الدارس عن الواقع الاجتماعي الحي, فالمجتمعات العربية مجتمعات تعيد انتاج نفسها دون تطوير, وتحقق ذلك بكل طريقة (العقاب الجسدي والنفسي, التلقين, التخويف, والتهديد). ويعتمد التدريس في المؤسسات الدراسية العربية على العلاقة السلطوية بين المعلم والتلميذ بواسطة التلقين, يتوقع المعلم في ظل هذه العلاقة من طلابه الطاعة والامتثال لمشيئته والتجاوب مع تعليماته دون تساؤل.ومن ثم يتصف مضمون عملية التربية بالتخلف عن حاجات التنمية الاجتماعية, ويغلب عليه الدراسات الانسانية اكثر من الدراسات العلمية والطابع اكثر من الطابع العملي حتى في العلوم الطبيعية والدراسات التكنولوجية, ولايتواصل مع احتياجات الاقتصاد والمجتمع, الامر الذي ادى إلى ارتفاع معدل البطالة بين الشباب (أقل من 25 سنة) بصفة عامة اكثر من بطالة الكبار (أكثر من 25 سنة).كما تبين ان نوعية التعليم في الدول العربية ضعيفة للغاية ولاتوفر تعليماً مناسباً لأطفال وشباب هذه المجتمعات. مما يعني ان هذه الدول ركزت خلال السنوات السابقة على توفير الفرص التعليمية دون توجيه اهتمام كبير لقضية جودة التعليم. ومن ثم, فإن تحسين نوعية التعليم يمثل تحدياً خطيراً وأساسياً للدول العربية.[c1]3- علاقات التعليم والتعلم في المدارس والجامعات العربية[/c]كيف يتعلم الشباب العربي؟ وما طبيعة بيئات التعلم وثقافاتها داخل الفصول وفي قاعات المحاضرات؟تقوم علاقات التعليم والتعلم داخل الفصول الدراسية, في معظم أنظمة التعليم العربية, اساساً على نقل المعرفة من نصوص ومناهج جامدة, ويكون نصيب العمل والممارسة في الفصول المدرسية قليل جداً، ومن ثم فالدروس مكدسة بالتلقين دون اعتبار لأي شيء آخر.على هذا النحو نجد ان القيم والاساليب المستخدمة في ادارة الفصل لاتشجع على المناقشة والحوار والابداع والرغبة في التجديد بل تحيل الطالب إلى كائن عاجز, مرهق بواجبات وتقاليد مفروضة عليه من المعلمين, ومنشغل عن نفسه وتفكيره وفهم حياته الاجتماعية بأمور واهتمامات سطحية مثل الحفظ والدرجات والنجاح والشهادة, والحصول على المعلومة الجاهزة التي لاتكبده أي مشقة في استيعابها أو حفظها. وينتج عن ذلك ان التلميذ يتعلم في ثنايا هذه العملية, ان الانصياع وطاعة المعلم وقبول مايقوله الكتاب المدرسي وعدم اخضاعه إلى أي تساؤل أو تفكير شروط أساسية للتعلم والنجاح.ويغرس هذا النمط من علاقة الاتصال التعليمية في التلميذ النزعة الانانية الفردية, ويقتل فيه الايمان بالمشاركة, ويفقده القدرة عليها, ويقطع علاقته بغيره, ويضعف من احساسه بالانتماء وبأهمية التعاون والعمل الجماعي والعلاقات الاجتماعية واساليب الاتصال والتواصل والتعليم والتعلم للمدارس, هي نفسها السائدة في الجامعات وتنظيماتها الادارية والهرمية.والخلاصة انه يخيم على تعليم شبابنا أجواء الأمية التي يعاني منها (13.191) مليوناً من الأميين والاميات من الشباب في سن 15- 24 عاماً, وتزداد فيه معدلات حرمان الطلاب من التعليم الثانوي الذي لا يفتح أبوابه سوة لحوالي (60%) منهم, وتتسع فيه الفجوة التعليمية بين الاغنياء من الشباب والفقراء في البلد الواحد, فيتركز الفقراء في التعليم الفني وفي تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية في التعليم العالي, التي تواجه معدلات عالية من البطالة. ولا تستوعب الجامعات العربية أكثر من (19%) من مجمل الفئة العمرية المقابلة لهذا التعليم (18- 24 سنة), وتزداد فيه البطالة بين هؤلاء الذين حظوا بفرص تعليمية ثانوية أو جامعية والصورة أشد قتامة وقسوة في محيط شباب المجتمعات العربية الفقيرة مثل موريتانيا وجزر القمر, واليمن.وتتلخص أسباب أزمة التعليم في الوطن العربي بصفة عامة في ثلاث قضايا رئيسة:1- القضية الاولى, تتعلق بغياب خطة واضحة لتمكين الشباب في ضوء رؤية شاملة لتطوير التعليم والاعتماد على المنهج الجزئي في اصلاح أنظمة التعليم العربية. فالسياسات التعليمية في أقطار الوطن العربي تعاني من غياب "خطة لتمكين الشباب تعليمياً" وهي تعمل فحسب لتحقيق أمرين - لاعلاقة لهما بالاهداف الوطنية - هما النجاح في الامتحانات ومنح الطلاب شهادات للتوظف في مجالات معينة.2- والقضية الثانية, هي مسألة نمطية الادارة التعليمية وبيروقراطية التنظيم المدرسي الهرمي التي تعشش في جنباتها وفي كل موقع تربوي في اغلب المجتمعات العربية. فإن جميع الدول العربية - وبغير اسثتناء تقريبا- تتميز بقوة نفوذ الوزارات المركزية للتعليم, وبهيمنة الاتجاهات المحافظة في معالجة قضايا التعليم خصوصا فيما يتعلق بسياسات القبول. وتعيين اعضاء الهيئة التدريسية, والمناهج والهياكل التعليمية, الامر الذي يحد من مبادرات المدارس والمعلمين لتحقيق أهداف التعليم.3- والقضية الثالثة, هي قضية تمويل التعليم في المجتمعات العربية, يعاني من مشكلة حادة في تمويل الاتفاق على السياسة التعليمية. وقد تفجرت مشكلة تمويل التعليم في الدول العربية- وفي كثير من بلدان العالم الثالث- نتيجة لضغوط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتخفيض الانفاق العام لضبط عجز الموازنات المزمنة في عديد من بلدان العالم الثالث ومنها الدول العربية.[c1]ثالثاً" آفاق تطوير تعليم الشباب في المنظومة التربوية العربية1- أهداف تعليم الشباب [/c]ترتبط الأهداف المتوخاة من التعليم بالهدف الكبير وهو تحقيق نهضة حضارية حقيقية تقتضي تحرير الشباب العربي وتحرير قدراته المبدعة للمشاركة عملية التنمية والتمتع بثمارها. وفي ضوء هذا التوجه العام يمكن تحديد الخطوط العريضة لأهم الاهداف التي يجب ان يتوخاها التعليم بصفة عامة وتعليم الشباب على نحو الخصوص, ويكاد يجمع عليها التربويون والاجتماعيون, وهي على النحو التالي:1- تكوين قاعدة ثقافية مشتركة.2- تكوين شباب مستنير ومنتج, فاعل ومنفعل اجتماعياً, قادر على التواصل الاجتماعي الفعال. واع بحقيقة التنمية محلياً وعالمياً, ومسلح بوعي اجتماعي.3- التربية مطالبة ان تركز جهودها على تنمية مهارات التفكير العلمي والعقلانية والعمل المنظم الذي يطلق الطاقات المبدعة للشباب.4- التربية مطالبة ايضا بتكوين الشباب الواعي بواجبات المواطنة والمشاركة المجتمعية والسياسية, الفاعل والمنفعل معا في حركة مجتمعيه.[c1]2- مبادئ تطوير تعليم الشباب[/c]تتلخص مجموعة من مبادئ العمل أو الاستراتيجيات المقترحة لتحقيق الأهداف التربوية السابقة كما يلي:1- تكوين رؤية شاملة لتعليم الشباب.2- توفير التمويل اللازم.3- تطوير الادارة التعليمية اللامركزية.4- مشاركة المجتمع المدني.5- توسيع فرص الاستيعاب في التعليم الاساسي ومحو الامية.6- تعليم ثانوي للجميع.7- توفير مقومات العدالة الاجتماعية في مجال التعليم العالي/ الجامعي.8- تطوير البنية التعليمية على اساس مبدأ التنوع في اطار الوحدة.9- ربط التعليم بالحياة العامة للشباب وبالمنظومة الاجتماعية والاقتصادية.10- تحقيق ديمقراطية البنية المعرفية للعملية التعليمية.11- ديمقراطية بنية التنظيم الاجتماعي وعلاقات التعليم والتعلم.12- البحث عن رؤية بديلة لتعليم الفتيات.13- التعليم المستمر وتكامل التعليم النظامي وغير النظامي.14- التعاون العربي في مجال تعليم الشباب.[c1]الخاتمة [/c]على الرغم من ان تعليم الشباب في الوطن العربي قد احرز توسعاً وتقدماً ملوحظاً خلال السنوات الماضية, إلا ان ذلك لاينفي استمرارية كثير من التحديات التي تؤثر على تحقيق تكافؤ الفرص في هذا المجال خصوصاً بين الفئات المحرومة والمهمشة من الشباب.ولاتزال المنظومة العربية للتعليم تشكو من انخفاض المستوى التعليمي للشباب في جميع المراحل التعليمية والامر الراجح هو انه إذا استمرت السياسات والمستويات الراهنة دون مواجهة حاسمة, فإن مستويات تمكين شبابنا تعليمياً ستزداد تدهوراً.والحقيقة ان توفير فرص التعليم اللائق لتمكين الشباب من الناحية التعليمية هي اهم المقاييس لاية برامج للنهوض بالمجتمعات العربية وتحقيق التنمية الشاملة المستمرة, خاصة وان هذه المجتمعات تتسم بنمو سكاني مرتفع نسبياً في صفوف الشباب.ولايبقى بعد ذلك سوى تأكيد ان هدف تمكين الشباب تعليمياً, لايمكن تحقيقه إلا حين يقوم على اساس رؤية مجتمعية وأهداف واضحة وسياسات جسورة ترتبط ارتباطا عضويا بعمليات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وتحتل التربية في اطاره احد أهم روافده.وهذه الرؤية المجتمعية الجديدة تحتاج إلى ان تضع في أولوياتها مشروعاً لايكفل لابنائها فحسب فرص التعليم الابتدائي, وفرص التعليم الثانوي والجامعي الحقيقية والجيدة, بل ايضاً يوفر لها حياة سياسية واقتصادية واوضاعاً معيشية ملائمة, تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية الحقيقية, وتوسيع قاعدة المشاركة, والعدالة الاجتماعية .
دراسة بمناسبة السياسة السكانية ومستقبل الشباب العربي صادرة عن إدارة السياسات السكانية (جامعة الدول العربية) 2-2
أخبار متعلقة