أضواء
لم تنعقد قمة عربية، بدون حضور سياسي، يأتي الخلاف عليه أكثر من الاتفاق، وحتى القضية الفلسطينية الموجودة في صلب أي لقاء، وعلى قائمة أولويات المحاور وجداول الأعمال، بدأت تغيب، إلى حد ما، بسبب نشوء خلافات تتسع وتضيق وفق أمزجة من قادوا تلك المراحل بما فيها ظرفنا الراهن..فإذا ما اختلفت الدول العربية على مواقفها من الغرب والشرق زمن القطبية الثنائية، فإن العلاقة بين الأطراف تظل مهتزة، ومتفجرة، وقد كانت الأسباب أكثر وضوحاً عندما تباينت الآراء من إسرائيل والوضع الفلسطيني، لكننا الآن نسير باتجاه التقسيمات ليس على هدف أيدلوجي، أو على وضع مصيري لا يقبل التنازلات، وإنما على مضحكات مبكيات عندما تنشطر بقايا الأرض الفلسطينية بين دولة فتح، ودولة حماس ثم يأتي لبنان بمعادلاته الرياضية، النصف المكمل، والربع الضائع، وهو البلد الذي يتقدم كل الأقطار العربية بثقافة شعبه وتجاربه المفتوحة على العالم كله، وحتى العراق الذي كان المعادلة الصعبة في الحرب والسلم وأحد أركان القوة العربية المؤثرة، بدأ يأخذ منحى التقسيم لدويلات مجهرية سوف تتحارب على المناصب والنفط والثروات الأخرى وربما الهوية عندما يكون العراقي يحمل جوازاً باسم الشمال، أو الوسط أو الجنوب ولا يعبر الحدود إلا بتأشيرة دخول قابلة للرفض.. قمة الخرطوم وحدها من أعطت العرب حزمة من التفاعل المرن والمراجعة الحقيقية لأقسى وأخطر مرحلة انقسامات حدثت ما قبل حرب 1967، لكن نتائج تلك الهزيمة أبرزت زعامات بمستوى المسؤولية، تناسوا خلافاتهم لمواجهة ما هو أخطر، فكان رجال تلك المرحلة بوزن أصحاب المسؤوليات التاريخية، وقلنا وقتها إنها بداية النضوج الذي سيقودنا إلى التضامن وتكافؤ الفرص، وخلق وطن عربي جديد.. الآن تشب الحرائق في كل مكان، والخلاف على القمة القادمة، ليس منشؤه قضية واحدة، وإنما دفاتر مملوءة بالمطالبات والمساومات، وكأن القمة تملك شروط النجاح بمجرد أن تطرح أي قضية، بينما الصورة الحقيقية لمن يريد كشف عورة السياسة العربية، أن ينظر إلى الجامعة العربية وأمينها العام، وهي التي لا تمثل دولة أو شخصاً ما، وإنما عقد اللقاء والافتراق لأعضائها العاجزين عن أن تكون صورتهم الأكثر وضوحاً وتمثيلهم الحقيقي وقت الظروف الصعبة والمنفرجة.. لا أعتقد أن قمماً قادمة سوف تخلو من مناظرات ساخنة على أمور سهلة تصعّبها السياسات، ويأتي البديل التوقيع على مد خطوط سكك حديدية، وطرق ومطارات، وتكامل صناعي وزراعي وحدود مفتوحة، ومراكز بحث علمي تقودها جامعات ومجمعات تجتذب لها القيادات العلمية والنوابغ، وحتى الميادين الفنية، والثقافية والرياضية لنرفع أعلامنا على ساريات المسابقات وقاعات الاجتماعات للعباقرة وأصحاب الإنجازات الحضارية والاكتشافات الكبرى والمسرح العالمي المفتوح على كل ما له صلة بعبقرية المكان والإنسان، لكن ذلك في أفقنا الموجود، أمرمستحيل، لأننا لا نعيش الفصل الأخير في قفل ملف الخلافات ونحن نرى المستجدات أكثر قسوة حتى من الماضي القريب.* عن/ صحيفة «الرياض» السعودية