تقرير فينوغراد ومحاولة إعادة الاعتبار لنظرية الردع
لجنة فينوغراد
عدنان السيد حسين :عبارات (الفشل) أو (العجز) أو (الإخفاق) في تحقيق أهداف الحرب.. ظلت تلاحق صفحات تقرير فينوغراد، الذي وضعته لجنة قانونية مكلفة من قِبَل حكومة أولمرت. لم ترد عبارة (الهزيمة) بوضوح، أو بصورة مباشرة. بيد أن الفشل في تحقيق أهداف الحرب ـ أي حرب ـ يعني الهزيمة، لأن كل حرب تُخاض لأهداف سياسية في الدرجة الأولى. لا ينسى اللبنانيون، والعالم، ما ورد على ألسنة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين في بداية حرب تموز 2006، نريد إعادة لبنان عشرين سنة إلى الوراء، وتدمير (حزب الله الإرهابي)، ومساعدة لبنان على تطبيق قرار مجلس الأمن 1559. وكأنّ حكومة اولمرت حريصة على سيادة الدولة اللبنانية!. هذه الأهداف لم تتحقق، ولو أن الوضع الداخلي اللبناني محفوف بالمخاطر من كل الأنواع، ما يرتّب على اللبنانيين ـ حكاماً ومحكومين ـ مسؤوليات وطنية جسيمة. ليس من قبيل المباهاة، أو الإدعاء، الحديث عن صمود لبنان ومقاومته في حرب 2006. إنها حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، استخدمت فيها الطائرات والدبابات والسفن الحربية والقنابل الذكية.. الشعب اللبناني من جنوبه إلى شماله هو الذي احتضن المقاومة، وتحمل أعباء الحرب وخسائرها المادية والبشرية. وهناك جملة ملاحظات استراتيجية على خلاصات تقرير فينوغراد جديرة بالاعتبار: 1 ـ لقد اهتزت نظرية الردع الإسرائيلية، القائمة على التفوّق والغلبة، ومفاجأة العدو العربي، وحسم المعركة في سرعة قصوى، وإبعاد دمارها عن الداخل الإسرائيلي.. جاء في التقرير المذكور: (ظلت الصواريخ تتساقط على الداخل، ولم تكن الدولة ـ إسرائيل ـ قادرة على حماية المدنيين). هذا معطى جديد في الحروب العربية ـ الإسرائيلية. ويصل التقرير في استنتاجاته هو إلى الإقرار بتراجع نظرية الردع، ما يرتّب مسؤوليات استراتيجية على القادة الإسرائيليين. 2 ـ يشرح التقرير ما يبرّر إسقاط نظرية الحرب الجوّية في الاستراتيجيا الإسرائيلية. ثمة قادة عسكريون كبار يدعون إلى تعزيز القوات البرّية، وإعادة الاعتبار للمدافع والدبابات في حسم الحرب. وإذا كانت الحروب الكبرى التي خاضتها إسرائيل ضدّ العرب حُسمت عن طريق سلاح الجو، فإنّ حرب تموز في لبنان بدّلت نظرية الحرب الجوّية بعد بروز تحدّيات استراتيجية على الأرض تحتاج إلى مواجهة مباشرة.
الحرب الإسرائيلية على لبنان
هذا ما يرتّب على الجيش الإسرائيلي إعادة النظر بأولوياته، وطريقة التسليح والتدريب. ولعل تبديل قيادة الأركان بعد الحرب دليل على هذا التحوّل الاستراتيجي. 3 ـ لم يعد الجيل الإسرائيلي الحالي، القادر على القتال، مشحوناً بتحدّي الوجود أو البقاء، كما كان الجيل السابق المؤسِّس تحت قيادات بن غوريون، وموشي شاريت، وغولدا مائير، وليفي اشكول، واسحق رابين، وموشي دايان.. لقد تراجعت قيم المواجهة في الجيش والمجتمع معاً، وصار الإسرائيليون باحثين عن مزيد من الرفاه في ظلّ تحوّلات العولمة الاقتصادية والاجتماعية.. وها هو العقيد في الاحتياط عومر بارليف يعتبر ان (أزمة القيم في الجيش الإسرائيلي هي أزمة المجتمع برمّته). ويتابع: (تحوّلت إسرائيل إلى مجتمع وفرة للبعض، وفقر للبعض الآخر. وحين يكون النجاح الاقتصادي أسمى القيم، وتكون الفردية مهيمنة، لا يعود الناس مستعدين للتضحية بأنفسهم). مَن يتابع تفاصيل العمليات الحربية الإسرائيلية في جنوب لبنان يلاحظ هذا المعطى المتعلق بتراجع القيم التأسيسية. وهذه حقيقة سيكولوجية ـ سوسيولوجية ترتبط بعوامل داخلية وخارجية معقدة، ويصعب تبديلها بسرعة.
الدمار الاسرايئلي في لبنان
4 ـ ثمّة اضطراب في فهم الأبعاد السياسية لتقرير فينوغراد. هناك مَن يعتبر ان أولمرت نجا بنفسه طالما ان التقرير لم يتوقف عند الاعتبارات السياسية، بل ركّز على القرار الخاطئ فقط، ودعا في توصياته إلى إعادة الاعتبار لنظرية الردع الإسرائيلية.. هذا ما يتحدّث عنه بن كسبيت (على سبيل المثال) في صحيفة معاريف عدد 1/2/2008، بينما نجد في المقابل اوريت شوحط في صحيفة هآرتس، عدد 2008/2/1 يخالف هذا التحليل، ويدعو إلى تغيير رئيس الوزراء الذي فشل في فهم التقرير ـ على حدّ تعبيره ـ ويصف أولمرت بأنه غير مؤهل للقيادة.. إلى ذلك، ما تزال الإدارة الأميركية تدعم حكومة أولمرت في اطار تقطيع الوقت، ومحاولة إصلاح البناء الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي. وهذا بحدّ ذاته يشكّل جرعة إضافية لبقاء الحكومة، على الرغم من تصدّعها الداخلي. في مطلق الأحوال، يمكن القول بوضوح ان هناك مَن يراجع ويدرس في إسرائيل الخيارات الاستراتيجية بعد حرب لبنان. تقرير فينوغراد هو واحد من المراجعات التي تجري. أما على الصعيدين اللبناني والعربي، فإنّ الضبابية ما تزال تكتنف المراجعة الدقيقة. وما يجري في الداخل اللبناني، والداخل الفلسطيني، لا يطمئن إلى تطورات المستقبل. هذا لا يمكن القطع به، إنما مجرد ملاحظة على واقع عربي متردٍ في مقابل حراك إسرائيلي بحثاً عن إعادة الاعتبار لنظرية الردع. هل تنجح المحاولة الإسرائيلية الجديدة؟ يتوقف النجاح على عوامل إسرائيلية وعربية وعالمية، وجميعها متغيّرة أو هي قابلة للتغيير.. *عن / صحيفة ( المستقبل ) اللبنانية