نجمي عبدالمجيد :صدر هذا الكتاب عن مؤسسة الصبان للطباعة والنشر في عدن عام 1965م وهو عبارة عن عدة كتابات صحفية قدمت العديد من المعلومات والأفكار عن حضرموت لذلك يعد هذا الكتاب وثيقة صحفية تؤرخ لأحداث جرت في تلك الحقبة من التاريخ ، يجمع هذا الكتاب بين الحكاية الشعبية ، عرض الكتب الاستطلاع الصحفي ، الحوار ، القضايا الاجتماعية والأحوال السياسية وكل هذه الكتابة نشرت في صحيفة (الرائد) التي كانت تصدر في المكلا منذ عام 1960م مسؤول تحريرها الأستاذ الصحفي حسين محمد البار. في جانب النقد الأدبي يقدم الكاتب تحت هذا العنوان «كذبة صغيرة.. على التاريخ» رؤية حول مسرحية عرضت في المكلا ونشرت في صحيفة الرائد العدد 48 بتاريخ 25 - 9 - 1961م حيث يقول :« لا اعرف من كتب رواية القادسية التي عرضها نادي الشباب في الأسبوع الماضي على مسرح القصر السلطاني. لا اعرف لأنني لم طلع على الرواية ككتاب .. ولم يتكرم مذيع الحفل بإعلان اسم المؤلف. واغلب الظن أن الرواية قد دخلت عليها يد التعديل ، ولا يستبعد أن أجزاء قد أضيفت أو حذفت أو عدلت لغرض الربط أو لأي غرض آخر. كما لا يستبعد أن الرواية لم تكن في الأصل مسرحية بل هذا هو الأرجح. أقول هذا لان الرواية انطوت على عيوب اعتقد أنها جسيمة. أول ما يلفت النظر في هذه الرواية هو تفكك بنائها لفني من عدة وجوه. توزيع الرواية ذاتها إلى فصول ومناظر لم يكن موفقاً.. رسم الشخصيات كان باهتاً وحائراً . السبب الأول المباشر لهذا الضعف هو أن المادة التاريخية التي استقى منها واضع المسرحية كانت غزيرة جداً. وفات صاحبنا أن الرواية - المسرحية تختلف تمام الاختلاف عن القصة الطويلة.. والتفاصيل التي لا تستغني عنها القصة الطويلة هي عبء مرهق بالنسبة إلى الرواية لمسرحية التي تعتمد على التركيز وسرعة الانتقال. أن الاختيار.. الاختيار الهادف الموفق هو سر نجاح أية رواية مسرحية.. وهذا ما فقدته رواية « وقعة القادسية».. نستعرض المناظر: فنجد انه بالرغم من السرد .. الذي كان المذيع يتكرم به بسخاء بين المنظر والمنظر، فان المناظر الأولى كانت متشابهة ولم تكن ضرورية. يدخل سيدنا عمر ويجلس في لوسط وحوله كبار الصحابة ويبدأ الكلام وفجأة يصر على استشارة المسلمين.. فيقوم احد الحاضرين لينادي: الصلاة جامعة. فيدخل عدد من الناس يتكرر في كل مرة.. ومن غير أن تقوم صلاة يقترح عمر شيئاً فيكون الرد: « سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين». ثم يختفي سيدنا عمر.. ويظهر محله سعد بن ابي وقاص .. فيجلس في الوسط.. يعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات.. ويختفي من ينادي « الصلاة جامعة».. ليظهر محله صاحب البريد بقميصه الأحمر وجرابه الأغبر.ذلك الساحر الذي يقطع المسافة بين المدينة والقادسية في لحظات.. يدخل من نفس الباب ويخرج من نفس الباب.. ويقول نفس لجملة .. حتى أخر الرواية.. نستعرض الشخصيات: كانت الشخصيات التي برزت خلال المناظر الأولى ( وهي كثيرة) متشابهة رغم ما عرف عنها من تباين في التاريخ. شخصيات تقول دائماً :» سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين». حتى أمير المؤمنين نفسه.. حتى عمر بن الخطاب لم يكن عمر الذي نعرفه في التاريخ. ظهر سيدنا عمر في تلك المناظر بمظهر الرجل المتردد فهو بعد أن قرر محاربة الفرس يرى أن يتولى بنفسه قيادة الجيش.. وهذا معقول.. ولكنه حين يستشير أصحابه كان أول رد يتلقاه هو أن يتولى فعلاً القيادة. فماذا كان رد عمر في الرواية؟ كان رده أن اعاد السؤال على أصحابه كأنما كان يستجديهم رأياً آخر. . جاء الرد بالإجماع أن يولي شخصاً آخر. وتردد عمر يظهر في كثرة الاجتماعات التي كان يعقدها لمعالجة نفس المشكلة كما ذكرنا في الفقرة السابقة. الحركة معدومة... والحوار ممل .. يكاد يكون جزءاً من السرد.. فبدلاً من أن يسرد علينا المذيع القصة يكلف عدداً من الأشخاص بين الفينة والفينة أن يظهروا على المسرح وان يجلسوا حول الميكرفونات لتبادل السرد. حتى إذا استجمع المذيع قواه لعلع مرة أخرى في الميكرفون من وراء المسرح.وهكذا بدلاً من أن يكون السرد حيلة فنية للربط والاختصار أصبح السرد هو الهدف والمناظر حيلة للربط بين « وصلات السرد» الجزء الوحيد الذي يمكن أن يعتبر تمثيلاً هو الجزء الذي يبدأ بظهور الفرس. بل إن الرواية نفسها تبدأ في الحقيقة من حين اجتماع ملك الفرس برستم . هنا يبدأ الصراع.. الصراع بين وشخصية الملك شخصية القائد.. الصراع بين حضارة الفرس المنهارة وحضارة العرب الفتية.. الصراع بين الأفكار القديمة .. أفكار السيطرة والاستبداد.. والأفكار الجديدة.. أفكار المساواة والجهاد. وعندما يوجد الصراع.. توجد الحركة.وبوجود الاثنين.. توجد الرواية.إذن..عيب الرواية الأصلي هو السرد..والإصرار العجيب على السرد..فصاحب الرواية مصر على إلقاء درس في التاريخ..درس لا تنقصه وسائل الإيضاح.. ولكن ينقصه ما هو أهم من ذلك.. تنقصه وحدة المعنى والهدف.وهو بعد كل ذلك درس طويل وممل.وكما فقدت الرواية براعة الاستهلال... فقدت أيضاًَ براعة الاختتام..فإنما عز على صاحب الرواية أن نستمتع بذلك الجزء الذي يمكن أن يعتبر تمثيلاً.. فعاد سيرته الأولى.. فكانت مناظر الحرب، مناظر خطابة.. يعلن المذيع:” فلان الفلاني يخطب في قومه”...وكأننا في حاجة إلى من يخبرنا أن الذي يحدق أمامنا خطابة.. وليس تمثيلاً..ويظهر على المسرح ممثل منفعل وأمامه ثلاثة.. هم كل قومه.. الذين جاؤوا لهزيمة الفرس.ثلاثة ليس في وقفتهم ما يدل على استماع، أو اهتمام، أو تأهب..بل لقد شاهدت أحدهم يبتسم باستمرار.. وله حق!وزعيم.. من زعماء الرواية.. كان يعطي ظهره لأفراد قبيلته الباسلة.. وعددهم طبعاً ثلاثة.. ويتجه إلى الجمهور الغفير.. جمهور المتفرجين ويخطب فيهم..لقد كدت أصفق!ويتكرر ظهور القبائل الثلاثة مرات..والمذيع يلعلع.. مقدماً تلك الجحافل..وإذا تعب.. نسمع صلصلة السيوف..كان كلام المذيع أشبه بنشرة إخبارية.. حتى خيل إلي أنني اسمع نشرة أخبار القادسية عن طريق الراديو.ويظهر أن الجمهور المسكين، المتعطش للترفيه، لم يفهم النكتة.فتظهر النكتة بنفسها على المسرح.والنكتة عبارة عن تمثال من القماش المحشو يشبه الفيل ويحمله ثلاثة (نفس العدد المبارك).ولكن الجمهور لا يضحك..ربما لتأثره بالخطابة.وربما لوقع صلصلة السيوف.. وربما لأخبار الانتصارات التي يذيعها الميكرفون فيضيق صدر الممثلين بالجمهور الحازم الذي لا يضحك.فيقوم أحدهم ويعبث بخرطوم الفيل.وهناك يدرك الجمهور النكتة.ثم يجيء فاصل..فاصل كان يمكن أن يكون رواية بذاتها..إنها قصة أبي محجن الثقفي.. تلك القصة الخالدة في أدبنا وتاريخنا البطولي.القصة التي تجمعت فيها معان سامية عديدة.هذه القصة تعرضت لنفس ما تعرضت له الرواية من أولها: سوء الاختيار.. فقدان المغزى..التزوير التاريخي..)من المؤلفات التي يتحدث عنها الكاتب في مقالاته الصحفية، كتاب “عدن” وهو من تأليف حاكم عدن البريطاني السير هيكنيوثم، والذي كانت فترة حكمه لها من عام 1951م حتى عام 1956م ومن خلال العرض الذي يقدمه للكتاب نجده مرجعاً من المراجع الهامة المتصلة بتاريخ عدن والمناطق الجنوبية في تلك الحقبة من الزمن.يتألف الكتاب من جزءين وعدد الفصول 16 فصلاً، ومن المحاور التي يطرحها الكاتب أهمية عدن في السياسة البريطانية، فقد كانت ترغب في الحصول على الميناء الطيب الوحيد بين الهند ومصر كقاعدة تزود سفن بريطانيا بالوقود.أما المناطق الأخرى التي كانت تعرف باسم المحميات الشرقية والغربية، يذكر حاكم عدن البريطاني (دثينة) وهي أحد أجزاء القسم الغربي من جنوب الجزيرة العربية، حيث يقول السير هيكنيوثم :( عندما زرت مشيخة العوالق لأول مرة مررت في طريقي إليها من عدن بدثينة ذات التجربة الجمهورية العجيبة ففيها توقفت القبائل الرئيسية الثلاث عن التقاتل فيما بينها وحاولت تسيير أمورها عن طريق مجلس له رئيس متغير، يظل في مركزه سنة واحدة. فكل شيخ قبيلة يصبح رئيساً للمجلس بالدور. ويحاول الضابط السياسي جاهداً، وإنما بقليل من النجاح أن يحول دون أن يخرج المجلس عن الخط، وأن يمنع الأعضاء من الاهتمام الزائد بمصالحهم الشخصية).أما عن أهمية التعليم في تطور الحياة في المحميات، فهو يرى به العامل المهم الذي سوف يغير من التقاليد، وهو أخذ في الانتشار في المحمية بسرعة متزايدة مما ينذر النظام القديم بالسقوط ولكن هذا بحاجة إلى عامل الزمن.كتاب آخر يستعرضه كاتب المقالات وهو الرمال العربية وهو من تأليف الرحالة البريطاني ولفريد تيسينجر، والذي عرف باسم (مبارك ابن لندن) وكان هذا الرجل قد وصل إلى عدن عام 1945م وسافر إلى حضرموت، ومنها انطلق برحلة إلى جزيرة العرب من مدنها والصحاري والجبال والقرى والوديان وطاف فيها، وأخرج للعالم هذا الكتاب الذي يعد من الكتب المهمة الراصدة لحياة البدو في تلك الحقبة من التاريخ وطرق معاشهم وتنقلهم من مكان إلى آخر بين الرمال والجبال، وقد ترجم هذا الكتاب إلى عدة لغات في العالم، ويعد من كتب أدب الرحلات إلى عمق الجزيرة العربية.كتاب سندباد على الورق له أهمية تاريخية في دنيا الكتابة الصحفية، فهو يقدم عدة معلومات عن حضرموت في ذلك الزمن.ولكن الغريب في أمر هذا الكتاب، أنه لا يذكر اسم مؤلفه ما أفقده الحق الأدبي والتاريخي وأصبحنا لا نعرف من صاحبه.والكتاب لم يعد نشره منذ ظهر، فهو من الكتب النادرة في الأسواق، ولكن أهمية الكتاب لم تفقد لمعرفة جوانب من الكتابات الصحفية في حضرموت وطرق الكتابة عند ذلك الجيل الذي أسهم في مسيرة الصحافة في بلادنا عبر مراحلها المختلفة.
|
ثقافة
(سندباد على الورق) كتابات صحفية من حضرموت ( 1960 - 1965)م
أخبار متعلقة