الحرب الإسرائيلية على لبنان حرب نوعية مختلفة عن كل الحروب السابقة، التي شنتها إسرائيل ضد الدول العربية وخصوصاً لبنان. ليس لناحية نوعية الأسلحة، وهي كانت دائماً تستخدم أسلحة متطورة وبعضها محظور استخدامه دولياً، أو لناحية البربرية والقصف الهمجي واستهداف المدنيين وارتكاب المجازر الجماعية والتدمير المبرمج فحسب، اللافت في هذه الحرب شمولية القصف من أقصى الجنوب الى أقصى الشمال والبقاع بكل مناطقه وكل منافذ ومعابر الحدود اللبنانية - السورية. ثمة قرى وبلدات لم تشهد أي حدث خلال الحروب التي عاشها لبنان في السنوات السابقة، تعرضت هذه المرة للقصف وسقط فيها شهداء وجرحى ووقعت خسائر كبيرة. واللافت أيضاً تقطيع الأوصال بين المناطق من خلال قصف الجسور والطرقات، حتى الجسور الصغيرة القديمة في القرى، بل تقطيع الأوصال داخل القرى نفسها أحياناً وعزل كل القرى والمناطق عن بعضها بعضاً، وتدمير كل الآليات والجرافات بهدف منع وصول المساعدات والإمدادات الى الناس وممارسة أقسى وأشد الضغوط عليهم. وفي لحظة معينة باتت الحرب على الشاحنات. أي شاحنة يشاهدها الطيران الذي يحلق في الجو على مدى 24 ساعة تقصف. سواء كانت شاحنة محملة بالمساعدات الغذائية أو الطبية، أو شاحنة متوقفة، أو شاحنة تنقل مستوعبات من المرفأ، أو حفارة آبار، أو آلية كانت تعمل في ورشة وهي متوقفة اليوم. حتى أن البعض بات يتندّر بالقول: إذا كنت تريد ان تنتقم من أحد فهذه فرصة مناسبة. أرسل شاحنة الى أمام منزله واتركها هناك خلال لحظات ينتهي الأمر. إنها حفلة جنون وإجرام وحقد بكل ما للكلمة من معنى. صحيح أن اسرائيل بررت كل ما فعلته بأنها تريد الدفاع عن نفسها وضرب البنى التحتية "للارهاب" أي لـ"حزب الله" في نظرها، وأنها تريد أن تمنع الإمداد عنه من سوريا التي أرسلت أسلحة عبر بعض المعابر وفي شاحنات معينة، وتريد أن تمنع نقل الصواريخ والذخائر إلى الجنوب وإلى ما هنالك من حجج. لكن الحقيقة هي أن إسرائيل دمرت البنية التحتية للبنان ولم تدمر البنية التحتية للمقاومة. إسرائيل دمرت المؤسسات والمنشآت المدنية والمصانع والشركات الخاصة والاقتصاد اللبناني والطرقات والجسور والأبنية والمجمعات السكنية وأوقعت المئات من الشهداء، وما يزيد ربما عن الألف جريح، فيما خسائر المقاومة البشرية لا تذكر وهي أقل من خسائر الجيش الاسرائيلي واستمرت المقاومة في تحريك قواتها وتنفيذ عمليات على الحدود وقتل جنود إسرائيليين، وفي إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي والإمساك بقدرة تحريك منصاتها في مناطق مختلفة. ورفضت إسرائيل كل النداءات والدعوات لوقف إطلاق النار. فقادتها يعتبرون أنهم يحققون انتصارات. وإذا شعر بعضهم أنه لم يحقق ما يريد فهو يمارس سياسة الهروب الى الأمام واستخدام المزيد من القوة! وفي الوقت ذاته هم يستفيدون من تغطية دولية عامة وأميركية خاصة تحت عنوان "أن لهم حق الدفاع عن النفس". حتى أن أميركا وبعض حلفائها قبل قمة الدول الثماني في سان بطرسبرج وبعدها، رفضوا وقف إطلاق النار. وصرّح كل المسؤولين الإسرائيليين قائلين: ليس صحيحاً أن ثمة ضغطاً دولياً، بل على العكس من ذلك لدينا غطاء كامل. والعالم يؤيدنا لأن "حزب الله" هو الذي افتعل المشكلة وخطف جنديين، ونحن يجب ومن حقنا أن ندافع عن أنفسنا. وبالفعل كل المبادرات والطروحات التي قدمت بعد أسبوع على الحرب كانت تنطلق مما أقر في قمة الثماني أي من مطلب الإفراج عن الأسيرين الإسرائيليين، ثم تدعو الى نزع سلاح "حزب الله" واطلاق سراح النواب والوزراء في فلسطين، وتدشين منطقة أمنية في الجنوب وإرسال قوات دولية فاعلة وقادرة على المواجهة. دون أن تكون كلمة عن الأسرى اللبنانيين في إسرائيل، وهذا ما أعطى الحكومة الإسرائيلية دفعاً كبيراً لاستكمال حربها. وفي كل الحالات الحرب وحدها لا يمكن أن تحل المشكلة، خصوصاً إذا بقيت تسير على ما هي عليه. وفي النهاية لا بد من حل سياسي. لكن الوضع في لبنان لا يحتمل حلولاً مجتزأة. وأي حل لا يأتي شاملاً ويضع حداً لكل أسباب الصراع ويفتح الباب أمام الدولة لاستيعاب نتائج الحرب ومعالجتها يعني أن لبنان سيغرق في كثير من المشاكل في المرحلة المقبلة ولا شيء يمنع تجدد الحرب من جهة والاهتزازات الداخلية من جهة ثانية. المسألة ليست مسألة حل مرحلي وأموال تدفع لإعادة البناء، هذه نقطة مهمة وجوهرية، لكنها ليست النقطة الأساس، فالحل يجب أن يتضمن: -وقف إطلاق النار. -إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في عملية تبادل بين لبنان واسرائيل. -إنهاء إشكالية مزارع شبعا بتحديدها وانسحاب اسرائيل منها. -بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية ولو استوجب الأمر في مرحلة معينة دوراً للقوات الدولية في الجنوب، وهذا يعني عدم بقاء سلاح في يد أي فريق لبناني أو فلسطيني بل يكون السلاح في يد القوات المسلحة اللبنانية. -الدور الأساس في كل ذلك للحكومة اللبنانية. -العمل الفوري والجدي لإطلاق مشروع لإعادة إعمار لبنان. إن أي اجتزاء في الحل أو التأخير لاحقاً في تنفيذه كما ذكرت لن يكون لمصلحة الاستقرار في لبنان، كما أن المنطقة ستبقى معرضة لاهتزازات كثيرة، لاسيما وأن الوضع في لبنان ليس منعزلاً وللأسف عما يجري فيها، وثمة من لن يكون مرتاحاً لحل شامل لأنه اعتاد اللعب في لبنان والتلاعب به لتحقيق غايات ومصالح ليست لمصلحة اللبنانيين. الشعب اللبناني شعب جبار مناضل متمسك بالحياة والكرامة يستحق الدعم والاحتضان وسيكون أمام امتحان جديد بعد توقف الحرب. امتحان تثبيت الوحدة الوطنية أكثر واستيعاب نتائج الحرب. التحدي الأكبر هو في مواجهة مرحلة ما بعد الحرب. التي أراها مرحلة صعبة جداً يتوقف على إدارتنا لها وطريقة تعاطينا معها مصير الكثير من القضايا كي لا أقول مصير البلد، لأن كثيرين متربصون بلبنان لم يشبعوا بعد من ممارسة الحقد والخفة واللامسؤولية، وكثيرين لم ترتو نفوسهم بعد من الانتقام من بعض اللبنانيين فوق ما حل بهم من دمار وخراب. * نقلا عن/ ( الاتحاد ) الاماراتية
لبنان ... الحل الشامل والتحدي المقبل
أخبار متعلقة