المقالات المنشورة في هذه المساحة الحرة تعبر عن وجهة نظر كتابها ولاتعبر بالضرورة عن وجهة نظر الصحيفة
أقامت جمعية ثغر اليمن المدني أمسية رمضانية ثقافية مساء الخميس 22 / رمضان/1428هـ الموافق 4 / 10 / 2007 م وذلك في منتدى الحريش بمنطقة الدرين بمديرية المنصورة م / عدن .. وقد تم إلقاء محاضرة للشيخ / أنيس الحبيشي بعنوان: (( الإسلام دين المعاصرة )) تفاعل معها الحضور وأثروها بالمداخلات والنقاشات البناءة وفيما يلي نص المحاضرة : عصرنة الإسلام .. أو صلاحيته لكل عصر ومصر .. حديث قديم جديد في الإسلام ، يعتبر تأكيد قبول الإسلام لكل متغيرات الزمان حتى ولو حوى الإسلام مصادر ثابتة للتشريع .. فإن هذا الثابت قابل للتحريك باتجاه التغيير عبر ما يسمى بالاجتهاد.ولقد احتلت مسألة عصرنة الإسلام اهتماماً ملحوظاً وكبيراً لدى الباحثين والمفكرين في القرن العشرين ، وتحديداً بعد ظهور ونمو الثورة الصناعية في أوروبا ومروراً بالحربين العالميتين ، وما أعقبهما من إفرازات سياسية واجتماعية وفكرية وعلمية ساهم في إنتاجها كذلك نمو ونضج الثقافة الإنسانية فبرزت قضايا استحقت تضامن الإنسانية لنصرتها .. بعد أن نضجت حقيقة استحقاق الإنسان لها ، وعدالة مطالبه بها ومن خلالها .. منها على سبيل المثال لا الحصر: قضايا الحرية في التفكير والدين والاقتصاد والسياسة وقضية حقوق الإنسان التي تعتبر بحق أم القضايا الإنسانية وقضية المرأة والأقليات وغيرها وكذا حق العيش الكريم ، وحق التعايش مع الآخرين بسلام .. إلى غير ذلك من الحقوق المعروفة والمبسوطة اليوم في مختلف وسائل المعرفة والإعلام والحياة .ونستطيع القول أن المفاهيم والقضايا آنفة الذكر لم تحظ على المدى البعيد من تاريخنا الإسلامي بالاهتمام الذي حظيت به منذ مطلع القرن العشرين .. وذلك لأن نضج الظروف التي صنعت ديناميكية التغيير الضروري ، وحددت نقاط الانقلاب في كل المنحنيات البيانية لمسارات النمو ورفض تطور التاريخ ـ أن صح التعبير ـ لم تكن موجودة مما تبعها فقدان البحوث والدراسات في هذه المواضيع إذا ما استثنينا فلسفة أبن خلدون وابن رشد والتي تعتبر رغم محدوديتها يفعل تاريخ نشأتها وظروف بيئتها طفرة هامة تستحق كل ما لاقته من اهتمام ودراسة ونقد وتمحيص.والإسلام دين حيوي ، وفيه منهج شامل ، تستطيع الأفكار الإنسانية استخراج جوهره وعناصره التقدمية وإبرازها في استنباط كل الدلائل التي تؤكد صلاحه لأن يكون لأتباعه ديناً حتى في عصر المستقبل ..ولبيان حقيقة ما ذكرت أسرد عدة مقدمات ألخصها في الآتي :1) حق الدعوة إلى الدين ببصيرة .. ودونما إكراه أو تسفيه .. وذلك في قوله تعالى من سورة يوسف، آية " 108 “: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله، على بصيرة، أنا ومن اتبعني،وسبحان الله، وما أنا من المشركين" ويلاحظ هنا أن ذم المشركين انما هو لمخالفتهم كل هذه المبادئ المذكورة حيث يصرون على ان يعتنق غيرهم ما اعتنقوه هم وأباؤهم.2) حق تقرير الحرية الإنسانية في اختيار الدين .. حيث نفى القرآن الكريم أي شبهة إكراه في فرض الدين على غير معتنقيه .. يتجلى ذلك في قوله تعالى مثلاً من سورة الكهف، آية " 29 ": فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر ..، وقوله تعالى من سورة الغاشية، أية " 22 ": لست عليهم بمسيطر،وقوله من سورة الكافرون، آية " ": لكم دينكم ولي دين أي دين حيث حذفت الياء لاقتضاء الالتزام بالرسم العثماني للمصحف الشريف. وأعظم هذه الأدلة جميعاً، قوله من سورة يونس، آية " 99 ": "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" وكذا قوله من سورة البقرة، آية "256 ": لا إكراه في الدين، وقد تبين الرشد من الغي .. فبالله عليكم أي شيء أوضح بياناً من النصوص المذكورة على سلامة الدين من شبهه الإكراه المزعومة أم أن الأمر كما قال الله من سورة المرسلات في آخر آية فيها : (( فبأي حديث بعده يؤمنون )) .3) حق الاحترام المتبادل والتعايش في أرض لا يسع جيلاً كاملاً الهجرة منها ومغادرتها لإفساح المجال للمخالف الآخر يرتع فيها بسلام.وقد أكدت كل حقائق التاريخ أن البديل لهذا الحق هو سفك الدماء واستحلال الحقوق والأموال، وإهلاك الحرث والنسل، وحلول الفوضى وغياب الأمن والاستقرار، ومن ثم إهدار كل الوسائل التي تمكننا من الاستمتاع بالعيش الكريم .. هذا هو القرآن في كل مرة نستقي من منهله العذب الأدلة على ما نقول .. ففي سورة الممتحنة، آية " 9,8" تقول الآية: "لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم، وتقسطوا إليهم، أن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين، وأخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم .. إنها منتهى الصراحة والوضوح وهي تحدد أن حق الآخرين في العيش بسلام مكفول لهم كما هو مكفول لنا القسط بالقسط .. ولم يشرع الخروج عن هذه المعادلة إلا بانتهاك أسسها .. فالقتال في الدين والإخراج من الديار عدوان يبرر الدفاع والقتال ليس للانتقام ولكن لإعادة الحق إلى وضعه الصحيح فهو إذن قتال مشروع لينعم الجميع بحرية وحق تقرير الدين والمصير.4) تفويض الأمر إلى الله ..وهذه من أعظم أركان التعايش إذا أختلت أو ميل بها شيئاً ما .. أختل التعايش، ودق ناقوس الخطر، وتعالت دعوات سفك الدم وإباحة الأموال والأعراض!! فالقرآن الكريم يعلمنا أن نحترم أديان الآخرين ولا ننتقصها بحضرتهم، ولانسمح بإعلان صيحات الاحتقار لها لما في ذلك من داعي الفتن والعنف والدمار يقول الله في سورة الحج، آية "17": أن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس، والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، أن الله على كل شيء شهيد .. وقال من سورة البقرة، آية "62": "إن الذين آمنوا والذين هادوا، والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولايحزنون" وفائدة هذا التفويض، قطع الطريق على التصريح بعدم أحقية الآخر في التدين .. أو قطع الطريق بعدم أحقية أحد تحديد أديان الاخرين وتقدير جزاء أعمالهم غير الله عز وجل.تلك هي أهم المقدمات التي حددها الإسلام في منهاجه وبرنامجه الذي قدمه لأتباعه وللناس جميعاً لكي تعيش معه جميع الأديان والمذاهب دونما حيف أو قهر أو إذلال .. واعتقد شخصياً انه لولا هذه الأسس لما استطاع الإسلام أصلاً أن ينبت ثم يبقى وهو دين جديد جاء على أعتاب أديان سبقته .. ولما كان منهجه واضحاً وشاملاً، استطاع أن يحمي وجوده ويقرر بقاءه بعد فضل الله تعالى بفعل مبدأ قانون الحرية الذي سار عليه وتبناه في نشر دعوته، كما أوضحنا سلفاً أن المشركين كانوا على النقيض لايقرون لأحد أن يخالفهم في دين الآباء والأجداد كما زعموا.والآن نقول: إذا كان الإسلام صالحاً للمعاصرة .. فما هي المقومات والأسس التي تثبت أركان التلاقي بين الإسلام وخصائص الأجيال واختلاف العصور فنقول :هناك عدة دلائل تثبت صلاح الإسلام لكل عصور الإنسانية ألخصها في الآتي :1) مبدأ العدل غاية الإسلام : دلت عليه آيات كثيرة منها قوله تعالى من سورة المائدة : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا، أعدلوا، هو أقرب للتقوى )) .. ومن سورة النساء : (( فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا .. )) وقوله تعالى في نفس السورة : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً .. )) وشدد على هذا العدل حتى في أبسط المعاملات الاجتماعية فقال : وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان .. )) وفي الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( قاضيان في النار وقاض في الجنة ، قاض علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، وقاض علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ، وقاض جهل الحق فلم يقض به فهو في النار )) .ولهذا كانت هناك حقيقة ثابتة وهي أن العدل هو غاية النص من القرآن أو السنة .. ولذلك جاز عقلاً وشرعاً مخالفة النص من اجل العدل إذ هي في ميزان الإسلام الصحيح أصح وأصلح من مجافاة العدل بالتزام النص ..من ذلك إبطال عمر بن الخطاب حق المؤلفة قلوبهم رغم ثبوتها بالنص لأن العدل يقتضي أن زمن هؤلاء قد ولى حيث كان الإسلام ضعيفاً وبحاجة إليهم أما اليوم فلا .. ومنها إلغاء حد السرقة في عام الرمادة رغم ثبوت النص بها فانه رأى أن تطبيق الحد والتزام النص يعد مجافاة للعدل الذي اقتضى مراعاة حاجة الناس وشدة عوزهم في ذلك العام وهو سنة 18 هـ .. ومنها كذلك أنه لما قتل عمر بن الخطاب قام ولده عبيدالله بن عمر بقتل ثلاثة أحدهم الهرمزان الذي كان قد اسلم وحسن إسلامه ، حينها أصر علي بن أبي طالب قتل عبيدالله قصاصاً .. لكن عثمان أبى وخالف الحكم الشرعي لأسباب سياسية وإنسانية .. فقال قد أصبح الناس يتساءلون : أُيقتل عمر بالأمس ؟ .. ويُقتل ابنه اليوم ؟ألا يكفي آل عمر قتل عمر ؟! فلما كان هناك منطق ، وإنسانية ، وظروف متغيرة ، اختار عثمان تغيير الثابت وهو الحكم الشرعي القصاص والعدول إلى الدية ومضاعفتها لهم إلى عشرة أضعاف من بيت المال !! .2) مبدأ الثابت والمتغير :المعلوم أن قواعد الدين ثابتة .. لكن ظروف الحياة متغيرة .. وهذه المقابلة المنطقية تعني أن يتغير الثابت ، أو يثبت المتغير ! وكما كان تثبيت واقع الحياة المتغير مستحيلاً ، فإن الأمر يقتضي بالضرورة دائماً تغيير الثوابت الدينية .. وقد حدث هذا منذ بدء الخلافة الراشدة كما رأيت وحتى انتهت حتى أن جمع القرآن في كتاب واحد في عهد أبي بكر يعتبر من ضمن تغيير هذه الثوابت .. هذا التغيير للثوابت هو ما نسميه بالاجتهاد !!ويعجبني ما روي في ذلك وهو ما نقله ابن القيم في إعلام الموقعين ( 3/15 ـ 6 ط دار الفكر) : قال: سمعت الشيخ ابن تيمية يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر ، فأنكر عليهم من كان معي ، فأنكرت عليه وقلت له : إنما حرم الله الخمر ، لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهؤلاء تصدهم الخمر عن قتل النفوس ، وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم ! .3) مبدأ النهي عن السؤال عن الحكم الشرعي : حيث يقول الله تعالى من سورة المائدة : (( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم .. وان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم .. )) ولذلك قال العلماء: إن قلة الأصول في الحكم الشرعي (( أي الدليل المرفوع )) نعمة قصدها الشارع "!" لذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهي أصحابه عن أن يكثروا من سؤالٍ ما ، لتبقى الأشياء على أصلها وهو الإباحة والحل فتأمل هذا وعض عليه بالنواجد .4) مبدأ تشجيع الاجتهاد واثبات صلاحه :هذا المبدأ أكدته الأحاديث الكثيرة ، لعل أهمها وأعظمها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الاصابة .. وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد أجر الاجتهاد فقط )).. وأعذر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض الصحابة قدموا صلاة العصر فصلوها في غزوة بني قريظة وأعذر آخرين لم يصلوها إلا في بني قريظة بعد مضُي وقتها .. لاختلاف الفريقين في فهم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة )) "!" .. وأيد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأي الخباب بن المنذر عندما خطّأ اختبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لموقع القوم في غزوة بدر وقال : ليس هذا بمنزل : ولكن علينا أن ننزل بأدنى ماء للقوم حتى إذا نشبت الحرب نشرب نحن ولا يشربون ونسقي ولا يسقون .. الخ ، وأيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك الصحابة في تأبير النخل عند ما نهاهم في البداية عنه ، ثم رخص لهم بقوله : انتم أعلم بشؤون دنياكم !! .[c1]بدء تقهقر وغياب تقدمية الإسلام وتوافقه لكل عصر:[/c]ما أحسن ما قاله باحث كبير مثل الأستاذ / حسن فرحان المالكي المفكر السعودي المعروف حيث يقول : كلما عشنا مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحابته كلما كنا بين ومع اليسر والسماح والتجاور والتبسيط وكلما امتد بنا الزمان بعدهم إلى الأمام كلما صغرت دائرة السماحة واليسر واتسعت دائرة التشدد وما يسمى بالأحوط ! .ويحسن بنا إبراز صور ومظاهر لهذا التقهقر في تاريخنا الطويل كمثال على كل صورة من صور البعد عن روح الدين الصحيحة :أولاً : ازدياد عدد الأحاديث بشكل ورقم لم يسبق لهما مثيل منذ انتهاء الخلافة الراشدة بمقتل علي ـ رضي الله عنه ـ فقد عرض أحمد أمين لهذا الأمر فقال : (( ومن الغريب أننا لو اتخذنا رسماً بيانياً للحديث لكان على شكل هرم طرفه المدبب هو عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم يتسع على مر الزمان حتى نصل إلى القاعدة أبعد ما نكون من عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أن المعقول هو العكس ، فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ اعرف الناس بحديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع ذلك يقل الحديث بموت بعضهم مع عدم الراوي عنه ، وهكذا ، ونرى أحاديث العهد الأموي أكثر من الراشدين ، وأحاديث العهد العباسي أكثر من عصر الأمويين .. وهكذا.. ثانياً : تركز الفقه والإفتاء ضد كل ما هو تقدمي ومنير ومع كل ما هو متأخر ومظلم فبرز العداء للمرأة ومحاربة صلاتها في المسجد مع الجماعة وبرفقه الجواري والعبيد .. وبرز فقه عداء أهل الذمة والمخالفين في الدين .. ومن أمثلة ذلك : 1) فتوى الشافعي رحمه الله انه يجوز تحريق وتغريق وهدم بلاد المحاربين حتى ولو كان فيها مسلمون ربما يموتون بمثل تلك الأفعال "!" لأن الكف عن ديار الحرب بمن فيها من المسلمين مفض إلى تعطيل الجهاد .. مع أن هذا الإفتاء مردود بصريح القرآن حيث قال الله في سورة الفتح عن سبب تأخير فتح مكة قال : (( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تذيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما )) .ومع ذلك أجاب أصحاب الفتوى عن هذه الآية بأنها لا تدل على التحريم والله المستعان .2) ومن ذلك فتوى ابن تيمية حين قال : قد يتناكح الجن والإنس ويولد بينهما ولد وقد كره أكثر العلماء مناكحة الجن ( مجموع الفتاوى 19/4 ) فبالله هل مثل هذه الفتوى تصلح دليلاً لان يكون الإسلام دين المعاصرة .3) ومن تلك الصور فتوى ابن تيمية في أهل الذمة حيث يقول: لا يجوز عقد الذمة للمشركين إلا أن يدخلوا في أديان الكتاب ـ بمعناه أن البراهمة والهندوك وغيرهم لا أمان لهم ويجوز قتلهم وانظر كم تضيق هذه الفتوى سعة الإسلام وصلاحيته للمعاصرة .رابعاً : بسبب انتشار الجوهر التقدمي للدين الإسلامي اصطبغ الفقهاء والدعاة والمفكرون بصباغ الدوران حول نقطة ثابتة دون انطلاق في النقد والتحليل وذلك خشية الاتهام بالتحلل والزندقة من تيار التطرف والتكفير وأصبح وضعنا العلمي مغلقاً بالاحتياطات المبالغ فيها !! والتي أصبحت تحول دون الوصول إلى الفكرة نفسها فنجد احدنا في مجلس العلم والكتاب أو الدرس يتحدث حديثاً غير مفهوم !! .رابعاً : ومن تلك الصور القائمة استبداد رجال الدين بالسياسة .. ولذلك قال ابن خلدون في المقدمة :العلماء أكثر استبداداً بصلاحياتهم من الساسة لأنهم لا يعرفون معنى السياسة فتجد أحدهم إذا ظفر بسلطة صغيرة جعلها شراً على المسلمين ووظفها في أذية المخالفين في الرأي .خامساً : ومن تلك الصور تزايد ظاهرة التطرف ولوازمه وأهم لوازم التطرف : سوء الظن بالآخرين .. والنظر إليهم من منظار أسود يخفي حسناتهم ، ويضخم سيئاتهم .. والأصل عند المتطرف الاتهام .. والأصل في الاتهام الإدانة .. خلافاً لكل مقررات الشرع الحنيف والقوانين التي تقول : ان المتهم بريء حيث تثبت إدانته والآن نستطيع القول بكل تأكيد واستناد علمي منهجي من التاريخ أننا نعيش مجتمعاً انسانياً أرقى وأفضل بكل المقاييس وعلى رأسها مقاييس الأخلاق .. وأكثر تقدماً وإنسانية فيما يخص بالعلاقة بين الحاكم والرعية .. وإننا مدينون في ذلك كله للثقافة الإنسانية ونموها وتطورها والتي لا يرفضها جوهر الدين والتي هي طورت وبلورت حقوق الإنسان في قالبها المعاصر التي لا تتناقض مع شريعة الإسلام لقد عاش تاريخ الأمويين والعباسيين والفاطميين وغيرهم في بلاد الإسلام محطات بائسة تجاوزت كل الخطوط الحمراء والسوداء ومن يراجع كتب المؤرخين الذين دونوا تلك الوقائع سوف يصيبه الذهول عندما يسمع عن إحضار الرؤوس على الإطباق بين يدي الأمراء وكذا نبش قبور الأمويين وإخراج عظامهم وصلبها وإحراقها بعد عشرات السنين من موتهم وكذا بيع نساء أهل البيت جواري في زمر المعتضد وأكل لحوم البشر في أيامه وغير ذلك بينت بجلاء أن الثقافة الإنسانية بمراحل نموها هي التي صاغت الرقي الإنساني وسمو أخلاقه وصفاء دينه وليس الرجال المتغطين بدثار النصوص والجامدين خلف روابي القرون الأولى مكفرين ومفسقين كل ناظر بعقل في أمور دينه ومحرمين الاجتهاد وإفرازاته واضعين قيوداً من المحال وشروطاً من وراء عالم الانسان للاجتهاد وتفعيله والله المستعان.