تستشري في المجتمع عادات في التغذية ليس لها مردود جيد على الصحة، أسوأها ما تخصصه بعض الأمهات لأطفالهن الرضع من أغذية يغلب عليها الاهتمام بعنصر الكم دون النظر إلى ما إذا كانت غنية أو فقيرة بمقوماتها الغذائية وإلى ما يكفل حفظ مكوناتها المفيدة للصحة والنمو الطبيعي أو ما أن كانت تناسب الطفل بحسب عمره وتدرجه في النمو أم لا.وهذا التخبط والجهل بأسس ومقومات التغذية شاع بسببهما ضعف وقصور النمو والإسهال وتدني المناعة بين الأطفال الصغار ليس فقط في أوساط الفقراء ومتوسطي الدخل، بل حتى لدى بعض ميسوري الحال للأسف الشديد وقد غلب على الناس طابع عدم السعي لنيل معرفة كافية بأبجديات التغذية وما يجب عند تحضير وطهي الطعام من طرائق وأساليب ليس فيها تبديد للمكونات والعناصر الغذائية الضرورية والمفيدة للجسم ونموه الطبيعي.ووفقاً للمصادر الطبية تعرف التغذية المثلى للرضع بأنها رضاعة طبيعية حصرية خالصة منذ الولادة مباشرة، تمتد طوال الستة الأشهر الأولى من أعمارهم، يعقبها بعد ذلك الاستمرار بالرضاعة الطبيعية وبجانبها أغذية تكميلية مساندة تناسب سنهم وتدرج نموهم إلى أن يبلغوا من العمر عامين كاملين أو أكثر بحيث يكون محتواها من الأغذية والسوائل كافياً ومناسباً يقدم بشكل توقيتي لموافاة كامل الاحتياجات الغذائية اللازمة لهم.غير أن بعض الأمهات - مع الأسف - يتعجلن المساندة ويبدأن بإطعامهم أو تجريعهم إياها ممزوجة بالحليب الصناعي وهم في عمر أيام أو أسابيع قليلة ظناً بأن ذلك سيفيدهم ويدعم نموهم.والبعض درجن على إعطاء مواليدهن عسلاً أو ماءً ممزوجاً بالسكر، وكلا الأمرين يفضي إلى مشكلات جسيمة خطيرة قد تكلفهم حياتهم. فمن واقع الإحصائيات يزداد خطر الوفاة لدى المواليد وصولاً إلى أربعة أضعاف إذا أعطوا حليباً أو أغذية صلبة بينما البدء بها بعد اليوم الأول على ولادتهم يرتبط بنحو ضعفين وأربعة أعشار زيادة في الوفيات.وحسبهن أن يعلمن وتعلم جميع الأمهات أن الرضاعة الخالصة من الثديين كافية لمد الطفل بكامل احتياجاته من الغذاء والسوائل بدءاً من الساعة الأولى لولادته، ولا حاجة لأي إضافات غذائية أو سوائل بما في ذلك الماء، وأنها صنعة الخالق جل وعلا كملها بالمقومات والمزايا الغذائية بشكل متوازن يتيح النمو الطبيعي للرضيع ويحقق له الفوائد المرجوة، ويلبي متطلباته الغذائية ويمده بمقومات المناعة التي تصونه وتحميه من أمراض كثيرة وخطيرة ومن عرض فادح الخطورة على الأطفال كالإسهال - إذا اشتد وطال - والذي يصنف محلياً في المرتبة الثانية بين مسببات وفيات الأطفال دون الخامسة من العمر.وخلافا لما تظنه بعض الأمهات أنه لا نفع في سائل “اللبا” المائل للون الأصفر والذي يفرزه الثديان في الأيام الأولى على الولادة أو أنه لا يكفي الطفل أو أنه يضر بصحة الوليد، فإنه على العكس من هذا تماماً. إذ كشف العلماء فوائد واسعة فيه وصنفوه غذاء مثالياً ليس له بديل للطفل الوليد، فهو يساعد على حمايته من الأمراض المعدية، لاحتوائه على أجسام مضادة لبعض الأمراض.كما يفيد جهازه الهضمي في تعويده على تقبل اللبن الذي سيرضعه من أمه فيما بعد كذا هضمه.إن ما تحرص عليه الأمهات من إعطاء أطفالهن أغذية أو مشروبات قبل الأوان لدى انتظار زيادة إدرار لبن الأم هي في حقيقة الأمر تشعره بالشبع، فلا يرضع ما يكفيه من لبن الثدي اللازم لنموه وتطوره، وتعمل - أيضاً - على تقليل إدرار اللبن لدى الأم، وكل ما عليها لإشباع طفلها من لبنها أن ترضعه من الثدي الأول ولا تنقله إلى الثدي الآخر حتى يكتمل لبن الثدي الأول، لأن أول اللبن كثير الماء لا يمنح الطفل الشبع، بينما آخر لبن الثدي غني بالدهون التي تشبع الطفل وأيضاً أن تترك طفلها يكرر الرضاعة كثيراً كلما رغب فيها سواء في الليل أو النهار، وليس بأقل من ثمان رضعات في اليوم والليلة، وهو ما أجمع عليه خبراء التغذية، وليكن في اعتبارها أن بكاء الرضيع لا يعبر دائماً عن حاجته للرضاعة، فقد يكون مبللاً أو ما شابه، أو أنه يعاني من المغص أو من ألم في موضع من جسمه، أو لرغبته في أن يحمل ويحتضن أو لمص ثدي أمه ليشعر بالأمان والاطمئنان.وتعد الرضاعة الطبيعية سواء كان مصدرها الأم أو مرضعة أخرى أو ما كان منه معتصراً من الثدي .. يمد الرضيع بكل ما يحتاج إليه من غذاء وما حتى عمر ستة أشهر دون الحاجة إلى إعطائه أغذية أو مشروبات إضافية.ثم بعد الشهر السادس يمكن إعطاؤه إلى جانب الرضاعة الطبيعية أغذية مساندة أخرى بشكل تدريجي يتلاءم مع سنه حتى بلوغه عامين من العمر.بينما الرضاعة بالحليب الصناعي أو بحليب البقر ليست بديلاً عن الرضاعة الطبيعية ولا تضاهيه في المنافع والفوائد الصحية والغذائية، وذلك أن لبن الثدي - على خلاف البدائل الأخرى على نحو ما أوردته المصادر الطبية - سهل الهضم ويساعد على نمو الطفل بشكل أفضل، كونه غنياً بالبروتينات، الدهون، السكر، الفيتامينات، الحديد والماء، ويمتاز بنظافته وخلوه من الجراثيم والميكروبات واحتوائه على أجسام مناعية مضادة تحمي الطفل من الأمراض وتساعد جسمه على مقاومة الالتهابات، كالتهاب الجهاز التنفسي والتهاب الأذن الوسطى والرشح والسعال، وكذلك يعمل على الوقاية من الإسهال والاضطرابات الهضمية وسوء التغذية كما يوفر للرضيع حماية كاملة من الإصابة بمرض الحصبة على مدى الأشهر الستة الأولى من عمره، ويشعره بالدفء والحنان.ومما تشمله فوائده الأخرى، أن الذين يرضعون من أمهاتهم يحصلون على عناية وانتباه مركز من قبلهن، وهذا لا يحدث في حالة الأطفال الذين يرضعون من الزجاجة.وهناك أيضاً فوائد مشتركة تعود بها الرضاعة الطبيعية على الأم والرضيع معاً. إذ تبني علاقة حميمة بين الأم وطفلها منذ الولادة، محدثة استجابات حسية وعقلية بصورة مشتركة فتكون العاطفة في أبهى صورها.ومن الخطأ إعطاء الطفل “اللهاية” لإلهائه عن البكاء، إلى جانب زجاجات الحليب لاختلاف مصها عن مص الثدي - وهو ما يوصي به الأطباء - ولتسببها في أحداث تشوهات في نمو أسنان الطفل وفي انقاص إنتاج حليب الثدي. فضلاً عن أنها ناقلة للأمراض ومسبب رئيسي للإسهال لسهولة وسرعة تلوثها.وفي مرحلة لاحقة من عمر الطفل وتحديداً من بعد الشهر السادس يمكن الشروع في إعطاء الطفل الرضيع مكملات الرضاعة من أغذية تلائم سنه وهضمه وتفيد جسمه. حيث توصي منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمومة والطفولة “اليونسيف” بعدم إعطاء الطفل الأغذية المكملة للرضاعة الطبيعية إلا من بعد الشهر السادس من عمره مباشرة، وأن يكون الاعتماد الكامل على لبن الثدي دون أي إضافات من أغذية أو سوائل طوال الستة الأشهر الأولى من عمره.وللرضاعة الطبيعية بعد الستة الأشهر الأولى من عمر الطفل أهمية كبيرة أيضاً. ففي المتوسط - وفقاً للإحصاءات - يحصل الرضيع في عمر “6-8 أشهر” على حوالي “70%” من حاجته من الطاقة من حليب الأم، وبدورها تنخفض إلى “55%” في عمر “ 9 - 11 شهراً” ثم إلى “40%” في عمر “12 - 23 شهراً”.كما تشير الإحصائيات إلى ضرورة أن تعطي الرضاعة الطبيعية بعد الأغذية الأخرى للطفل في عمر “6 - 12 شهراً” لضمان حصوله على كفايته من حليب الأم، وألا أهمية لهذا التقيد بعد هذه المرحلة العمرية، أي خلال العام الثاني من عمر الطفل الرضيع.وخبراء التغذية من جانبهم يؤكدون أهمية أن تتضمن وجبات الطفل المساندة الخضروات المقشورة والمطبوخة والمهروسة والحبوب والبقوليات والفواكه وبعض الزيت، بالإضافة إلى السمك والبيض والدواجن أو منتجات الألبان لتزوده بالبروتينات والفيتامينات والمعادن.وبموجب التقديرات، فإن تحسين ممارسات التغذية التكميلية المساندة للأطفال في المرحلة العمرية “6 - 24 شهراً” من شأنه تقليص وفيات الأطفال تحت عمر خمس سنوات بنسبة “6%”، وفي حال أن قرنت بزيادة الرضاعة المقتصرة على الثدي وعدم إعطاء الطفل أغذية صلبة قبل بلوغه من العمر ستة أشهر يمكن - بإذن الله - تفادي “مليونين ونصف مليون” من وفيات الأطفال، أي ما يعادل “19%” من النسبة الإجمالية، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير يفوق ما تحققه البرامج المتعلقة بمكافحة الملاريا والتطعيم وتعزيز الأغذية بفيتامين “أ” مجتمعة.إن أغلب الممارسات المتبعة في التغذية التكميلية غير مرضية - بسحب ما تشير إليه المصادر الطبية - فالأغذية إما تعطى بكميات صغيرة أو كبيرة أو أنها لا تكرر بشكل مناسب، أو تكون ذات قيمة غذائية ضعيفة، أو تعطى بشكل سلبي جامد خالٍ من الإحساس والتفاعل الممزوج بالحنان.لذا ينصح خبراء التغذية الأم بأن تحرص على تحضير وتقديم أغذية صحية مفيدة عند بدئها بإطعام طفلها الرضيع بعد الشهر السادس من عمره، على أن تكون غنية في محتواها من مجموعة الأغذية المفيدة وبكمية قليلة لا تحتاج إلى الكثير من المضغ مثل “الفواكه والخضروات المقشورة اللينة - الشبيزة - البقوليات - اللحم المهروس سهل الهضم أو السمك أو البيض”، كي لا يعجز عن مضغها أو تربك جهازه الهضمي.وعند بدء الطفل بالزحف والمشي واللعب وتناول أغذية ومشروبات أخرى فمن المحتمل جداً تعرضه للمرض بين الحين والآخر.وبالتالي عند مرضه يكون بحاجة إلى الكثير من لبن الأم، لأنه مغذ وسهل الهضم لا يرفضه الطفل في حالة مرضه. علاوة على أن عملية الإرضاع تشعره بالطمأنينة والراحة.ويمكن زيادة كمية ونوعية الأغذية تدريجياً للطفل الرضيع للوصول إلى تناول وجبتين إلى ثلاث وجبات يومياً دون زيادة، كي لا تستبدل لبن الأم ولا تؤدي إلى خفض كمية إدراره.وينصح مختصو التغذية بزيادة عدد مرات الوجبات من ثلاث إلى أربع وجبات يومية في مرحلة لاحقة من عمر الرضيع لدى اقترابه من سن الفطام، على أن تكون مغذية ومناسبة وسهلة التحضير، ويحبذ أن يتناولها الطفل بنفسه، كقطع الفواكه أو الخبز أو الجبن، مع استمراره في الرضاعة من الثدي حسب الطلب.ومن المؤكد أن هناك اختلافاً وتبايناً في التوقيت والاستعداد لتناول الأطعمة من رضيع لآخر. فبعض الرضع يكون لديهم حماس أكبر للبدء في تناول الأطعمة الأخرى عند عمر ستة أشهر، والبعض الآخر لا يتقبلها مباشرة ولا داعي للخوف أو القلق في هذه الحالة، فالرضاعة الطبيعية المتكررة حسب الطلب كفيلة بمد الطفل بجميع احتياجاته من الطاقة حتى الشهر الثامن من عمره، ولا بأس من تكرار المحاولة لتغذية الطفل بأغذية تكميلية مناسبة بأسلوب التدليل والترغيب حتى يتقبلها ويعتاد عليها.خلاصة القول.. إن من غير الملائم التسرع في تغذية الطفل الرضيع والبدء باكراً بمده بأغذية - أياً كانت - في الأيام أو الأسابيع أو الشهور الأولى من عمره، فهي لا تعوضه ولا تغنيه عن لبن الثدي، بل قد يصعب عليه هضمها، ولأنها تشبعه فكثيراً ما تؤثر على رضاعته من أمه لدرجة تقل معها عدد مرات الإرضاع من الثديين وما يترتب عليه من ضعف إدرار اللبن لدى الأم لقلة عدد مرات الإرضاع، وإنما يأتي إعطاء الطفل تكميلية إلى جانب الاستمرار بالرضاعة الطبيعية في وقت لاحق، أي مع نهاية الشهر السادس من عمره، بما يلائم عمر الطفل ونموه المتسارع.
تغذية جيدة للرضيع.. صحة أفضل
أخبار متعلقة